ما تزال أشجار الزيتون في جنوب لبنان صامدة صمود أهله، ضاربة جذورها عميقا في ترابه العابق برائحة التعب والنضال والشهادة، وأغصانها معرشة صوب السماء، يحلو مُرّ ثمارها بالمحبة والتعاون والتضامن في ما بين أبنائه، قطافا وجمعا، وأيادٍ متشابكة على الخير، في موسم العطاء والبركة.
فللسنة الثالثة على التوالي، تطلق “لجنة البيئة والتراث” في مطرانية صيدا للروم الكاثوليك نشاطا بيئيا تحت عنوان “يوم الزيتون” OLIVE DAY، على مراحل عدة، في موسم القطاف، بالتنسيق بين تلامذة متطوعين وبعض أصحاب الاراضي الذين يحتاجون هذا الدعم أو المساعدة، بهدف تثبيتهم في أراضيهم والمحافظة على ما تبقى من مساحات مزروعة بهذه الشجرة المباركة، وخلق روح تعاون ومسؤولية عند الأجيال الصاعدة، بالإضافة الى تعريفهم على أهمية هذه الشجرة وأهمية انتاجها والمحافظة عليها.
خوري: ثثبيت الأهالي في أراضيهم
رئيسة “لجنة البيئة والتراث” في مطرانية صيدا ابتسام خوري تحدثت لــ greenarea.info عن هذا النشاط، فأشارت إلى أنه “مبادرة تقوم بها لجنة البيئة بهدف تفعيل دور الشباب في منحهم الفرصة لمساعدة أهالي مناطقهم من أصحاب بساتين الزيتون الذين يعجزون عن استقدام عمال لقطاف موسمهم، فيعمدون الى بيع اراضيهم أو إهمالها”، وقالت: “من خلال هذا العمل، نساهم، وبالتنسيق بين كل الاطراف في نشر روح تعاون، وبالتالي، نشر التوعية وتثقيف الجيل الصاعد حول أهمية شجرة الزيتون التي باركتها مختلف الأديان، والتي يساهم انتاجها في ثثبيت الأهالي في أراضيهم، فضلا عن مساعدة الشباب على تحمل المسؤولية تجاه إرث أجداده وبيئته”.
وأضافت خوري: “أتممنا هذه السنة مرحلتين من التعاون بين تلامذة الصفين الثاني والثالث ثانوي من ثانوية السيدة – عبرا، وبين عائلتين من بلدتي مغدوشة والصالحية، وسنستمر خلال الأسابيع القادمة بالتنسيق مع متطوعين آخرين، لنكون إلى جانب هم بحاجة للمساعدة في القرى المجاورة”، واشارت إلى أن “التجربة خير برهان على تحقيق الهدف الذي نسعى اليه، من خلال ما لمسناه هذه السنة من نتائج إيجابية عند الجميع، وكذلك الامر بالنسبة للسنتين الماضيتين التي شاركتنا فيها مدرسة المقاصد الإسلامية ومدرسة الإنجيلية”.
وختمت خوري: “سوف نمنح المتطوعين شهادات شكر تضاف إلى سيرتهم الذاتية كمتطوعين في خدمة مجتمعهم”.
الناشف: ثروة زراعية وبيئية
عضو لجنة البيئة في المطرانية فادي الناشف كان قد أجرى لقاءات مع أصحاب الأراضي الذين تمت مساعدتهم في بلدة مغدوشة، وهما الياس الخوري ومهى الناشف للإضاءة على هذا النشاط، والوقوف أكثر على أهمية هذه المبادرة التطوعية، وتوفير سبل استمرارها وتطويرها وتفعيلها لتطاول مناطق أكثر، وأشار إلى أنهما شكرا “لجنة البيئة في المطرانية على هذا النشاط المهم”.
وأكدا أن هذا النشاط “شكل فرصة مهمة لـ 40 طالبا من مدرسة راهبات عبرا ليتعرفوا اكثر على الارض وشجرة الزيتون ومدى تعلق القروي اللبناني بها، وحبه لرزقه واهتمامه به”، ولفت إلى أنه “إذا لم يكن هناك اهتمام كافٍ، تهمل الارض ولا تنتج الشجرة ثمرا، مما يؤدي الى بيع الأراضي كما هو الحال في بعض قرى شرق صيدا، من هنا ضرورة مواكبة الاجيال الصاعدة لتعريفهم على هذه الثروة الزراعية والبيئية”.
وقالا: “لقد احسن الطلاب في قطف الزيتون باندفاع وحماس كبيرين، وجميعهم تعلم كيفية القطف ومن ثم جمع الثمار من على الأرض وفرزها عن الشوائب والاوراق وشرحنا لهم كيف يتم تنقيته و من ثم عصره، لقينا تجاوبا تاما منهم بإشراف المربية الاخت سمر”.
وعما إذا كان يوم واحد يكفي، قالا: “انها انطلاقة جيدة، ويجب دعمها اكثر من قبل البلديات والمرجعيات الروحية، لكي نساهم سوية في الحد من النزوح والبطالة و بيع الاراضي واللجوء الى كماليات الحياة التي لا قيمة لها”.
اسطمبولي: قيمة العمل والخدمة المجانية
في بلدة الصالحية شرق صيدا، قال صاحب الارض مفيد الديك لـ greenarea.info بأن “التجربة كانت ممتازة، وهي مبادرة تستحق كل تقدير وكل الشكر لما تحمله من أهداف تشجع الشباب على التعلق بأرضهم، وتشجعهم على التعاون الذي يعتبر دعما لنا من أجل البقاء والاستمرار”، وتمنى أن “تعمم الفكرة على كافة المناطق وان تتكرر مثل هذه المبادرات التي تساعد الجميع، وتعرف الجيل الصاعد على أهمية المحافظة على الأرزاق، خصوصا وأننا لاحظنا لدى هذا الجيل لامبالاة من حيث تعلقهم بالارض والمحافظة على إرث أجدادهم، ومعرفتهم بأهمية هذه المواسم، فمن خلال هذه المساهمة لاحظنا أنه من بين 30 متطوعا فقط، حوالي خمسة منهم شاركوا مع أهلهم أو أقاربهم بقطاف الزيتون وهذا يدل على انخفاض مستوى التعاون والمعرفة عن هذه الشجرة وأهميتها”.
الراهبة المسؤولة في “ثانوية السيدة – عبرا” سمر اسطمبولي قالت لـ greenarea.info أنه “نطلاقا من رسالة البابا فرنسيس للمحافظة على البيت المشترك وموضوع البيئة، شاركنا بعدة نشاطات كانت إحداها يوم الزيتون، رغم أننا في السنوات السابقة كان قد راودنا خوف من عدم تجاوب الطلاب وتحمسهم لمثل هكذا نشاطات، ولكن التجربة كانت مفيدة وبددت مخاوفنا، وذلك بعد تسهيل الامور والتنسيق الجيد بين منظمي هذا اليوم والأهالي وطلابنا”.
وأضافت اسطمبولي: “بادرنا للمشاركة بهدف مساعدة أصحاب الارزاق في قطاف الزيتون، وهذا عمل شاق، ولكن أهم أبعاده أنه يخلق روح التعاون عند هذا الجيل، ويجعله يعي أهمية تقديم المساعدة ويعرفه على قيمة العمل والخدمة المجانية من خلال مشاركته بعمل هادف، ليساهم في تثبيت الناس في أراضيهم الذين جاهدوا فيها للبقاء رغم كل الظروف التي مرت وتمر، وهي أيضا ذات بعد تثقيفي على أهمية الرزق وشجرة الزيتون ومراحل قطاف الزيتون وصولا الى عصره واستخراج زيته، وهنا يعي التلميذ أهمية خيرات أرضه، ويدرك سبب ارتباط الانسان بأرضه وبيئته”.
وقالت: “انها فرصة لهؤلاء الناس للتخفيف من عبء وتكلفة قطاف مواسمهم، عدا عن الفرح الذي زرعه هذا التعاون في نفوسهم، ومنحنا الشعور بأننا استفدنا أكثر بكثير مما قدمنا”.
وختمت اسطمبولي “اننا شاركنا الى الآن بتطوع صفين من القسم الثانوي وكان صدى العمل جيدا جدا على صعيد الخبرة والتجربة، ونشكر من أتاح لنا هذه الفرصة التي تجعل هؤلاء التلاميذ يقومون بعمل فعال في مجتمعهم بإمكانياتهم المتاحة”.