أصبح معروفا لدى الكثير من الناس أن إرتفاع تراكيز ثاني أوكسيد الكربون CO2 وغيره من غازات الدفيئة، المسبِّبة للإحتباس الحراري، يكمن وراء تفاقم ظاهرة التغير المناخي، مع كل ما تحمله من مخاطر تطاول كل بلدان العالم وكل مناحي الحياة البشرية.
ولذلك، حُدِّدت استراتيجيات مواجهة التغير المناخي بسياسات “التخفيف” وسياسات “التكيف”. يشمل “التخفيف” كل الإجراءات والتدخلات والإستراتيجيات التي تؤدي إلى تخفيف كمية إنبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض، وأهمها غاز ثاني أو كسيد الكربون.
أي إجراء أو عملية ينتج عنها سحب غاز ثاني أو كسيد الكربون من الجو وتخزينه تحت أي شكل كان، حيوياً كما في حالة الغابات والغطاء النباتي، أو معدنياً كما في حالة الأملاح الكربوناتية، يعتبر عملا هاما يندرج تحت العنوان العام لسياسة “التخفيف” من آثار التغير المناخي.
تعتبر عملية التقاط انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وحقنها تحت الأرض لتخزينها طريقا محتملا لتخفيف تأثيرات التغير المناخي. يتم مراقبة طويلة الأمد لمواقع التخزين للتأكد من أن ليس هناك إعادة تسرب للغاز.
طريقة جديدة، أكثر ثقة، جرى تجربتها بنجاح في “آيسلاندا” عبر مشروع نموذجي يقوم بمحاولة تخزين ثاني أوكسيد الكربون في صخور بازلتية – بركانية، مشابهة لعملية طبيعية تلاحظ في الأنظمة البركانية الجيوحرارية Volcanic geothermic systems. أظهرت نتائج هذه التجارب على أن تخزين CO2 في الصخور البازلتية له أفضليات كبيرة على طرق التخزين التقليدية في المياه الجوفية المالحة العميقة – في الطبقات الجوفية للصخور التي تحتوي على مياه مالحة، أو في آبار النفط والغاز التي تم استنفاذها، حيث تكون فقيرة بالكالسيوم والمانييزيوم والحديد، هذه العناصر الضرورية لتكوين أملاح كربوناتية، والتي تثبت الـ CO2 على شكل مواد صلبة. تتكون الصخور البازلتية من أكثر من 25 بالمئة من الكالسيوم والمانييزيوم والحديد، وهي واسعة الإنتشار في العالم حيث تغطي 10 بالمئة من سطح الكرة الأرضية، وكذلك مساحات شاسعة من قعر المحيطات.
شملت التجربة في هذا المشروع، محاولتين مختلفتين، واحدة لحقن غاز CO2 وحده، والثانية لحقنه مخلوطا مع غاز هيدروجين السولفايد H2S. كان حقن الخليط هذا لكي يتم التحقق من جدوى حقن خلائط من الغازات (أي غازات غير نقية) مقابل حقن غاز CO2 نقياً، وهذا ما سيؤدي إلى خفض كبير بكلفة هذه العملية. حيث سيكون ممكنا حقن ثاني أوكسيد الكربون بصورة غير نقية، أي خليطا مع غازات أخرى، مما سيلغي الحاجة للقيام بعمليات تنقيته المكلفة قبل حقنه في الصخور البازلتية.
تتم عملية الحقن على أعماق تتراوح بين 400 و800 متر داخل الصخور. ولتفادي الصعوبات المحتملة التي يمكن أن تتأتى عن هذه الأعماق، وعن احتمال وجود شقوق في الصخور تساعد على تسرب الغاز، قام الباحثون بتصميم نظام جديد لحقن الغاز، حيث يتم إذابة الغازات في الماء خلال عملية الحقن. إن إذابة الـ CO2 في الماء يعني أنه لم يعد قابلا للطفو أو للتسرب إلى السطح عبر الصخور. هذه العملية تتطلب عمقا يزيد عن 350 مترا لضمان ضغطاً عالياً بشكل كافٍ لإذابة فقاعات الغاز في المياه المحقونة.
تمت التجارب بنجاح، ودلت فحوصات المراقبة والمتابعة على أن أكثر من 95 بالمئة من ثاني أوكسيد الكربون قد تم تحوله إلى أملاح كربوناتية في الصخور خلال فترة عامين من تاريخ الحقن. وهذه تعتبر فترة زمنية قياسية وممتازة. إن تحول غاز CO2 إلى أملاح كربوناتية صلبة ( أي صخور كربوناتية) سوف يحول دون تسربه، وسيخفف كثيرا من كلفة المراقبة والرصد التي تتطلبها عمليات الحقن التقليدية الأخرى.
إن التقدم العلمي المضطرد سيجيب بالتأكيد على كل ضرورات “التخفيف” من آثار التغير المناخي و”التكيف” معها. إن التفاؤل المستند إلى العلم والبحث العلمي هو تفاؤل ثابت وصلب.