“متلازمة جفاف أكواز
تواجه أحراج الصنوبر في لبنان العديد من التحديات الخطيرة ناجمة عن كثرة الأمراض التي بدأت بالظهور منذ سنوات قليلة، إلى درجة أن هذه الثروة باتت مهددة، ويبقى السبب الأول تغير المناخ، الذي شكل بيئة مناسبة لهذه الأمراض، بحيث لم تعد مهددة بفعل مرض يباس الأشجار الذي ضرب العام الماضي على نحو غير مسبوق كافة الأحراج في مختلف المناطق اللبنانية، من الشمال إلى الجنوب وجبل لبنان فحسب، إذ بدأ مرض جديد يستهدف منذ نحو سنتين ثمار الصنوبر ويؤدي إلى ضمورها ما يؤثر على الإنتاج، فضلا عن عوامل أخرى لا تقل خطورة عن الأمراض، ومنها الحرائق التي تقضي سنويا على مساحات واسعة من الأحراج.
ويبقى تغير المناخ العامل الأكثر خطورة، مع تذبذب درجات الحرارة ليس على مدى أيام قليلة فحسب، وإنما على مدى ساعات في اليوم نفسه، ما سبب مشاكل طاولت كافة مجالات الإنتاج الزراعي، فضلا عن أن تواتر الفصول تغير في لبنان من أربعة إلى فصلين فقط، وهذه مشكلة تواجه كافة دول حوض البحر الأبيض المتوسط، ولذلك، فإن مشكلة الصنوبر قائمة أيضا في هذه الدول، ولا سيما إيطاليا.
متلازمة جفاف أكواز الصنوبر
وتقوم الدوائر المعنية في وزارة الزراعة بمتابعة المشكلات بشكل وثيق، وتزود المزارعين بالمبيدات بهدف احتواء هذه الآفات وأهمها دودة الصندل، ولكن ظهر مؤخرا نوع من المرض يصيب أكواز الصنوبر، يؤدى إلى ضمورها، وتدني الإنتاج بنسب متفاوتة، ووضع المزارعون مشكلتهم بين أيدي المسؤولين والباحثين في الوزارة، فضلا عن ملاحظاتهم لأسباب هذه الظاهرة.
وأشار رئيس مصلحة زراعة جبل لبنان المهندس عبود فريحة لـ greenarea.info إلى أن هذا المرض بات يعرف بـ “متلازمة جفاف أكواز الصنوبر”، ولفت إلى أن الآفات التي تصيب هذه الشجرة أهمها دودة الصندل، فضلا عن حشرات مثل قتح الصنوبر Tomicus destruens وغيرها.
وعن ظاهرة “متلازمة جفاف الأكواز”، قال فريحة: “تصيب هذه الآفة الأكواز بعمر السنة والسنتين، وقد لحظها المزارعون على الأشجار، وقام الباحث في جامعة الروح القدس في الكسليك الأخصائي في الزراعة والبيئة الدكتور نبيل نمر بدراسة هذه الظاهرة وعلاقتها بهذه الحشرة”، وأضاف: “تؤدي هذه المشكلة إلى وجود نسبة متفاوتة من الحبوب السوداء الفارغة، ما يؤثر على انتاج حب الصنوبر الأبيض، وقد وصلت إلى بلادنا عبر غرب أوروبا من الولايات المتحدة الأميركية موطنها الأساسي في فترة لم تتعد 20 سنة”.
وقال فريحة: “خلال هذا العام 2016، قمنا بالتعاون مع الجيش اللبناني، وبالتنسيق مع المجتمع المحلي من بلديات ومزارعين، برش الأشجار، وطلبنا من النحالين نقل قفرانهم من المناطق المستهدفة، وهنا أود لف النظر إلى أن أن (الفاو) لا تنصح برش المبيدات في الغابات إذ أنه لا يوجد مبيد مدروس، وكان اتخاذ قرار الرش صعبا للغاية بالنسبة للوزارة، وأتى بعد اجتماعات ومناقشات مستفيضة”، مشيرا إلى أنها “كانت تجربة لنرى النتائج، مع التأكيد أن هذه العملية جُربت في مناطق عدة حول العالم، وتمت عملية الرش ما بين 15 آب (أغسطس) و15 أيلول (سبتمبر) كون الحشرة في هذه المرحلة تكون في الطور الأكثر تأثرا بعملية الرش، وتم بالفعل العثور على أطوار مختلفة نافقة من الحشرة المستهدفة”.
وعرض فريحة لدور الوزارة لجهة مساعدة المجتمع المحلي في “تطوير الإنتاج بحظر استيراد الصنوبر، ورش وتوزيع المبيدات، فضلا عن تلزيم مشاعات الدولة، وتنظيف ما تحت الأشجار وعمليات ترشيد لجني المحصول، والتشحيل (التقليم)، وتوزيع الأغراس الجديدة مجانا بهدف تجديد الغابات كون الجديد أكثر حيوية من المعمر”.
وطرح فريحة “فكرة الغابة الوقائية”، ورأى أن “هذه مسألة شائكة، تتطلب خطوات جبارة وجريئة، لأنها تحتاج إلى قطع الأشجار المعمرة وإعادة هيكلية الغابة، بمراقبة دوائر الزراعة وبالتنسيق مع البلديات”.
ثمار فارغة
وأشارت رئيسة دائرة التنمية الريفية والثروات الطبيعية في الجنوب المهندسة سلام جبور لـ greenarea.info إلى أن نسب تضرر الثمار متفاوتة، وقالت: “لوحظ أن هناك نسبة 30 بالمئة من الثمار فارغة”، وأضافت: “عند محاولتنا إنبات كيلوغرام واحد من البذور لم ينبت إلا 70 بالمئة منها”.
ولفت المزارع من بلدة رأس المتن (المتن الأعلى) اياد المشطوب أن النسبة ترتفع إلى 40 وحتى 90 بالمئة في البلدة ما يترتب عليه خسائر كبيرة”، وأشار إلى “هذه المشكلة تهدد مصدر رزق المواطنين”.
ندوة علمية
وكان نادي “ليونز جزين” قد نظم ندوة بعنوان “الصنوبر المثمر في لبنان مشاكل وحلول” برعاية وزير الزراعة أكرم شهيب ممثلا بالمدير العام لويس لحود، في قاعة “مطعم ومسرح الخير الليونزي” في منطقة سن الفيل – بيروت، بدأت بتعريف من عضو ورئيسة لجنة النشاطات في “نادي ليونز جزين” جاكلين عيد، وكلمة لرئيسة “نادي ليونز جزين” دعد عمّون.
وألقى حاكم الليونز فادي غانم كلمة، أشار فيها إلى أن “هذه مشكلة لا تقتصر على لبنان فحسب، بل هي تواجه الصنوبر في دول حوض البحر المتوسط، والتكيف معها والحد من نتائجها يتطلب تعاونا إقليميا، وأن يكون لبنان حاضرا في رسم وتحديد تصورات وسياسات تبقي الصنوبر في منأى عن تداعيات المناخ والتخفيف من آثارها”.
وقال مدير عام وزارة الزراعة لويس لحود لحود “هذه المشكلة ليست موجودة في لبنان وحسب، بل في كافة دول البحر المتوسط”، وطمأن لحود “علينا عدم الخوف على الثروة الحرجية في لبنان، ووزارة الزراعة في متابعة يومية بتوجيهات معالي الوزير، وعلى تواصل يومي مع كليات الزراعة في الجامعات وخصوصا الجامعة الأميركية ومصلحة الأبحاث”، وقال “هي مشكلة عامة في دول حوض المتوسط، ونعمل جميعا للتوصل إلى حلول، كما أننا نتابع تزويد مادة (الدلتامترين) الخاصة بدودة الصندل، ووزعنا على كل من طلب، وهناك مناقصة جديدة لتلبية الطلب، والذي يعتبر مركبا أساسيا للتخلص من هذه الآفة”، ودعا الجميع في الختام إلى “الإنخراط في مشروع زراعة 40 مليون شجرة”.
وقال فريحة: “ان مساحة غابات الصنوبر 12 ألف هكتار، وتشكل 15 بالمئة من مساحة الغابات في لبنان، معظمها في منطقة المتن، بعبدا، عاليه والشوف ومعظمها أملاك خاصة، مع مشاعات كبيرة للبلديات خصوصا في منطقة قرنايل، فضلا عن وجود مشاعات في جزين، حاصبيا وبيت منذر في بشري والشمال والبقاع”.
وأضاف: “شجرة الصنوبر هي رمز للجبل وللبنان، وقد كان من الممكن أن توضع مكان الأرزة وسط العلم اللبناني، وهي تشكل نظاما بيولوجيا متكاملا، وأهمية هذه الأشجار المعمرة خصوصا لجهة موقعها وسلامتها وأعدادها بالهكتار”.
وكانت مداخلتان للمهندسة سلام جبور والمهندس جورج خوري.