عندما تتجول في دمشق القديمة لا ترى إلا فنادق على الطريقة الدمشقية، وأهم من ذلك تشاهد مطاعم على جانبي الطرقات وفي الحارات الفرعية تسمي نفسها بمسميات دمشقية، مثل المشربية وبعضها الآخر الإيوان أو السلسبيل، أو النافورة، أو مطعم النانرج أو مطعم الياسمين، والبعض الآخر يشدد على أن يكون اسم مطعمه “دمشق القديمة”، يُشكرون على هذه الغيرية في المحافظة على التقاليد الشامية القديمة. سؤال طرحته على نفسي عند كتابة هذا الموضوع لماذا هذه التسميات؟ ومن أين أتت؟ هل لهذا علاقة بعلوم الهندسة المعمارية الحديثة التي تنادي بالتفاعل بين العمارة والبيئة؟

بدايةً، لا بد من تعريف العمارة الخضراء حسب ما توصل إليه الباحثون، وهي عبارة عن عملية تصميم المباني بأسلوب يحترم البيئة، مع الأخذ بعين الاعتبار تقليل استهلاك الطاقة والموارد، مع تقليل تأثير الانشاء والاستعمال على البيئة وتعظيم الانسجام مع الطبيعة. ويمكن ملاحظة العمارة الخضراء في مأوى الكثير من الكائنات الحية، من الحشرات والطيور والثديات الصغيرة التي تظهر مهارة فائقة في تصميم بيوتها، وتغيير مواقعها بما يتلاءم مع حياتها وحياة صغارها، فالنمل يبني بيوتاً تتوافر في داخلها الرطوبة والحرارة، وهو يستخدم في سبيل ذلك مادة بناء خاصة يختارها من الطين الرديء التوصيل للحرارة، والارنب البري يختار فتحات ومداخل بيوته كلها إلى الجنوب، لكي تتلقى أكبر قسط ممكن من الاشعاع الشمسي. ولو تأملنا في بيوت النحل والشكل المسدسي للخلايا لوجدناه الشكل الوحيد من بين الاشكال المضلعة والذي إذا جمع كل واحد إلى مثله لن يحدث بينها مسافات خالية، وبذلك يعطينا النمل درساً في كيفية إقامة أكبر عدد من الخلايا أو البيوت في أقل مساحة متاحة، إن هذه الكائنات تعطي للإنسان دروساً في العمارة الخضراء، ولا نريد التوسع كثيراً في بيوت الفراعنة وقدماء اليونان حتى لا نبتعد عن موضعنا الأساسي، أو أن يحاسبنا معيار LEED الامريكي الذي يعطي شهادة للمشاريع المتميزة بالعمارة الحديثة.

عندما تدخل بيتا دمشقيا، تلاحظ ما يلي:

الفناء الداخلي: الذي يقوم بتخزين الهواء البارد ليلاً لمواجهة الحرارة الشديدة نهاراً، وخصوصا كما هو معروف أن (مناخ دمشق قاري جاف تصل كمية الامطار إلى 212 ملم لولا الغوطتين الغربية والشرقية).

النافورة: توضع في وسط الفناء الداخلي الخاص بالمنزل، ويقصد بها إكساب الفناء المظهر الجمالي وامتزاج الهواء بالماء وترطيبه، ومن ثم انتقاله إلى الفراغات الداخلية.

الإيوان: وهو عبارة عن قاعة مسقوفة بثلاثة جدران فقط، ومفتوحة كلياً على الجهة الرابعة وتطل على صحن مكشوف وقد يتقدمها رواق.

المشربية: عبارة عن فتحات منخلية شبكية خشبية ذات مقطع دائري، تفصل بينها مسافات محددة ومنتظمة بشكل هندسي زخرفي دقيق وبالغ التعقيد، وتعمل على ضبط الهواء والضوء.

الملقف: وهو عبارة عن مهوى يعلو عن المبنى، وله فتحة مقابلة لاتجاه هبوب الرياح السائدة بهدف اقتناص الهواء المار فوق المبنى، والذي يكون عادة أبرد ودفعه إلى داخل المبنى .

السلسبيل: عبارة عن لوح رخامي متموج مستوحى من حركة الرياح أو الماء، يوضع داخل فتحة على الجدار المقابل للإيوان، أو موضع الجلوس، للسماح للماء أن يتقطر فوق سطحه لتسهيل عملية التبخر وزيادة رطوبة الهواء .

الاسقف: السقوف مقببة على شكل نصف كرة تكون مظللة دائماً، إلا في وقت الظهيرة، كما تزيد من سرعة الهواء المار فوق سطوحها المنحنية، مما يعمل على خفض درجة حرارة هذه السقوف.

أما النباتات الموجودة في هذا الفناء فهي موزعة بشكل هندسي لتأمين الظل المناسب فكثيراً ما ترى شجرة نارنج أو شجرة كباد أو ليمون، والهدف أن هذه الاشجار دائمة الخضرة، تتناوب مع الياسمين ذو الرائحة الزكية الموزع على كافة الجدران، ولا تنسى النباتات العطرية الطبية المزروعة لتأمين حاجة سكان البيت من المشروبات الصحية الساكنة.

أليس هذا عمارة خضراء؟ ألم نلاحظ من خلال هذه الابنية كيف يتم تخفيض استخدام الطاقة وإدخال النباتات المناسبة لكافة الاستخدامات وإعطاء جودة للهواء المحيط؟

يقول العالم IAN Macharg إن مشكلة الانسان مع الطبيعة تتجلى في ضرورة اعطاء الطبيعة صفة الاستمرارية بكفاءة كمية للحياة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This