عادت مجازر قتل الطيور في مختلف مناطق لبنان في دورتها السنوية المعتادة، وهي غالباً ما تبدأ منتصف تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، فيما وزارة البيئة غائبة، ولم تحرك ساكناً إلى الآن، ولا القوى الأمنية معنية من قريب أو بعيد، ولا ثمة تسطير محضر ضبط واحد بحق المرتكبين، وسلاح الصيد، ومعظمه غير مرخص، منتشر على الطرقات وفي الأحراج ويظهر علانية من نوافذ السيارات، حتى أن المواطنين ينامون على صوت الطلقات النارية ليلا ويصحون على وقع طلقات نارية متلاحقة، لا تهدأ قليلا إلى ساعات الظهيرة.
“لم نشهد من قبل فوضى تقارب ما هو قائم الآن”، يقول المواطن سامي الأعور من منطقة المتن الأعلى، ويضيف: “للأسف الصيد لم يعد هواية ورياضة تُـمارس في البراري والغابات والأحراج، وإنما أصبح نوعا من إبادة حقيقية لكافة أنواع الطيور المهاجرة وما بقي من مقيم منها، تبدأ منتصف الليل مع اطلاق النيران من على أسطح المنازل، في مشهد صار جزءا من حياة يومية، حيث يقوم المواطنون بتثبيت أشجار قطعت من الأحراج على أسطح المنازل، وتسلط عليها ليلا أضواء كاشفة، مع آلات تقلد أصوات الطيور فتجتذبها، لتبدأ مع طلوع الفجر إبادة الطيور المهاجرة”.

جرائم بحق البيئة

ولا يقتصر الصيد على إطلاق النار على الطيور المهاجرة فحسب، بل ثمة أساليب عديدة تستخدم، وهي تفترض عقوبات أشد لأنها تعتبر محرمة دوليا، والمفترض أن تكون محرمة أخلاقيا وإنسانيا، كاستخدام “الدبق” الذي يصنع في لبنان، وهذه مخالفة أكبر، فضلا عن استخدام الشباك، وغيرها من الأساليب.
أربع وعشرون ساعة وقتل الطيور مستمر، وسط مفارقة غريبة وفاضحة في بلد لا يقيم أبناؤه اعتبارا للدولة بكافة مؤسساتها، وفي المقابل، فإن من هم في موقع المسؤولية بعيدون من أرض الواقع، وغير معنيين بمحاكاة اللحظة أبعد من مكاتبهم، فيما الفساد مستمر، ولم تجدِ سابقا وراهنا مناشدات سفراء بعض الدول الأجنبية ولقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين لوقف قتل الطيور المهاجرة، خصوصا وأن بعض هذه الطيور، ولا سيما منها البجع، يسدي خدمة لمجتمعات هذه الدول في القضاء على الآفات والحشرات، وتسعى إلى حمايتها لما لها من دور في التوازن البيئي.
يتساءل عماد زين الدين: “ألا ترى القوى الأمنية الأشجار المقطوعة على اسطح المنازل؟ وأين وزارات الداخلية والبيئة والزراعة؟ وأين البلديات؟”، ويضيف “في ذلك تعد على الثروة الحرجية أيضا لجهة قطع أشجار كل سنة ووضعها على هذه الأسطح، لكن للاسف نحن نعيش في فوضى تشعرنا واننا في غابة لا قانون يرعاها، ولا من يعنى بحياة المواطن وراحته ناهيك عن الجرائم بحق البيئة شجرا وطيورا”.

الطيور قادرة على تغيير مسار هجرتها

لكن خلال السنتين الماضيتين، “تطور” الصيد من على أسطح المنازل ما عاد يؤمِّن وفرة في الطيور التي يتم اجتذابها عن طريق الأضواء الكاشفة وآلات تقلد أصواتها، لأسباب عدة، ومنها أن ثمة تراجعا في أعداد الطيور المهاجرة، وسط مخاوف عبَّر عنها رئيس “مركز التعرف على الحياة البرية” لـ greenarea.info الدكتور في الجامعة اللبنانية – كلية العلوم منير أبو سعيد لجهة أن “الطيور قادرة على تغيير مسار هجرتها مع تعرضها على مدى سنوات طويلة لعمليات ابادة”.
وحذّر أبو سعيد من أن “يفقد لبنان هذه الخاصية، ولا يعود ممرا رئيسيا للطيور المهاجرة”، فضلا عن أن الصيد من على أسطح المنازل بات ظاهرة معممة حتى لتبدو البيوت وكأنها “حدائق غنّاء” تتجنبها الطيور بغريزة البقاء.

هواية القتل

لذلك، تحول بعض المواطنين مؤخرا إلى اعتماد “مشهد” أكثر “حيوية”، إذ قاموا بنصب عدة الصيد في الأحراج بعيدا من صخب المنازل، والعدة ذاتها، باستثناء أن الشجرة حقيقية أي لم تقطع لـ “تزرع” على سقف الاسمنت، أضواء كاشفة، آله تقلد أصوات الطيور تتم برمجتها في هذه الفترة على صوت “السمن” و”الصلنج”.
فبعد الصيد بـ “الدبق” و”الشباك”، وأيضا “الصيد” بتسليط أضواء كاشفة على صورة شجرة تتصدر جدار حائط تصطدم بها الطيور ظنا منها أنها ازاء شجرة حقيقية، فتسقط من اثر الصدمة لتذبح على الفور، يبتدع المواطنون وسائل جديدة كل يوم لممارسة هواية القتل، ويعتبر الصيد من على أسطح المنازل واحدا من أكثر الاساليب المرفوضة أخلاقيا وإنسانيا، ذلك أنها تستغل تعب الطيور المهاجرة فتظن أن الصباح أطل فيجتذبها الضوء الكاشف، ظنا منها أن الوقت قد أزف لتنعم يقسط من الراحة!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This