ايمان ابراهيم عبد العال – السفير

اعتبر المهندس إبراهيم عبدالعال أن الليطاني هو «العرق الحيوي للبلاد وبواسطته تحلّ جميع القضايا الكبرى المائية لثلث الجمهورية اللبنانية، فهو وسيلة من الوسائل الناجعة للعمران والاجتماع والاقتصاد. وهو لذا جدير بقسط وفير من الاهتمام ويقتضي إثارة الدعايات لإظهار قوميته التي يجب أن يسود من جرائها في أذهان الجمهور الاعتقاد بأن تجهيزه هو مشروع قوميّ وأن التباطؤ في تنفيذه إبخاس بحقّ الوطن».
تخرّج المهندس عبدالعال من جامعة القديس يوسف – كليّة الهندسة، وتخصّص في المعهد العالي للكهرباء في باريس (SUPELEC) كما تخصّص في المجاري المائيّة في جامعة غرينوبل، ومن بين مهامه أصبح مديرا «عاما» لوزارة الأشغال العامة، التي كانت تعنى بشؤون الموارد المائية في ذلك الوقت.
عند عودته إلى لبنان، وعى المهندس عبد العال الأهميّة السياسيّة والإستراتيجيّة لنهر الليطاني، وناشد الدولة إعطاء الأولويّة لدراسة النهر، إلا أنّ الاتجاه كان نحو التخطيط الشامل للمياه اللبنانيّة.
ولكن عبدالعال، ولإنقاذ النهر من أي أطماع كان يخطط لها للاستيلاء على ثروته المائيّة، وبفضل إرادته الصلبة ووطنيّته اللامتناهية، وعلمه الواسع، قام بمبادرة شخصيّة، ودرس النهر من منبعه إلى مصبّه لمدّة خمس عشرة سنة. تناولت هذه الدراسة النواحي الطوبوغرافية والجيولوجيّة والمائيّة والزراعيّة والكهربائيّة. صدرت الدراسة عام 1948، وكانت أساساً لتنفيذ مشروع الليطاني.
كما لعب المهندس عبد العال دورا «مهما» بالسعي لإلغاء مشروع قانون يتعلّق بتأسيس الشركة المختلطة لإدارة مشاريع الليطاني والعمل على إصدار قانون إنشاء المصلحة الوطنيّة لنهر الليطاني ، إضافة إلى السعي لجلب قرض من البنك الدولي لتنفيذ المشاريع على النهر. وطالب وألحَّ على أن تضاف في المادة الأولى من قانون تأسيس «المصلحة الوطنيّة لنهر الليطاني» عبارة «لتنفيذ مشروع الليطاني وفقا للدروس التي قامت بها الحكومة بمعاونة البعثة الفنيّة الأميركيّة». وفي هذا الإلحاح برهن عبدالعال عن بُعدِ نظر وحكمة، وذلك لطمأنة البنك الدولي والحكومة الأميركيّة، ومن أجل تكريس الفكرة أنّ الحكومة الأميركيّة تعتبر هذا النهر نهرا «لبنانيا»، وبالتالي لا حقّ لدولة الاحتلال الإسرائيلي في مياهه.
وبهذا يكون إبراهيم عبدالعال قد أنقذ الليطاني من المطامع الإسرائيلية، ولو على حساب حياته، خصوصا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تصدر، في تلك الفترة، كرّاسا «سنويا» يتضمن معلومات وإحصاءات دقيقة ودراسات واقتراحات لاستعمال المياه في المنطقة وذلك لمصلحة الدولة العبرية. وكانت الدراسات تشمل مختلف مصادر المياه في المنطقة، ومنها معلومات إحصائية عن قدرات نهر الليطاني. وفي طبعة 1956 وما بعدها لم يعد يتضمّن معلومات عن نهر الليطاني. وذلك لأن لبنان بدأ يستغلّ مياه الليطاني بفضل دراسة عبدالعال، وجهوده الكثيفة لإنقاذ هذا النهر الوطني من الأطماع الإسرائيلية.
وهنا نستطيع القول إنّ المهندس عبدالعال بفضل مثابرته قد أنقذ هذا النهر، ومن البديهي انه ما كان بإمكان أحد مطلقا أن يبحث في الليطاني قبل أن يوجد له جهاز خاص يمضي عشرات السنين بمراقبة النهر، وعندئذ فقط، يتسنّى، لمن يريد، أن يفكّر في ما يمكن أن يعمل بصدد الليطاني.
في هذه الأثناء كان «أريك جونستون» مبعوث الرئيس الأميركي أيزنهاور، يجوب المنطقة للتفاوض مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والبلاد العربية المعنية لتنفيذ مشروع الإنماء الموحّد لموارد مياه نهر الأردن الذي صار يعرف بمشروع «جونستون».
وهكذا نرى أنّ في الطرف اللبنانيّ تقارير ودراسات لبنانيّة وأميركيّة ودوليّة لتنفيذ مشروع الليطاني واستغلال مياهه في مجالات الريّ ومياه الشرب وتوليد الطاقة الكهربائية.
في الطرف الإسرائيليّ كانت هناك أطماع في مياه الليطاني والحاصباني ودراسات لجرّ المياه اللبنانيّة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
هنا وقف عبد العال في وجه المشروع الأميركي بكل ما أوتي من صلابة، وقوّة، وعلم ووطنية. وتألفت لجنة فنية عربية للرد على مشروع «جونستون» كان في مقدّمة أعضائها المهندس عبد العال. ووضعت اللجنة «المشروع العربي الموحّد» بناء على نظرية عبد العال واستنادا إلى مقترحاته وتوجّهاته. لحظ هذا المشروع 80% من المياه للدول العربية الثلاث و20% للأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
ورفضت دولة الاحتلال الإسرائيلي المشروع العربي خصوصا أنّه لا يستغلّ مياه نهر الليطاني التي تذهب هدرا، إذ إنّها تطمح إلى تحويل مياه نهر الليطاني عند جسر الخردلي. إلا أن الموقف العربي الصلب دفع المبعوث الأميركي إلى إعادة النظر في مشروعه حيث تقدم بمشروع ثان أعطي لبنان بموجبه مقدار 35 مليون متر مكعب من مياه الحاصباني – الوزاني. إلا أن عبد العال كان قد طالب بحق لبنان بكمية أكثر مستندا إلى الأرقام والحجج العلمية لحاجات لبنان إلى مياهه. وفي رحلته إلى الولايات المتحدة، اغتنم عبد العال المناسبة لإقناع المسؤولين الذين التقاهم أن مشروع «جونستون» بحسب الأسس التي بني عليها إنّما كان مشروعا لمصلحة إسرائيل وحدها دون العرب، أصحاب الحقّ المطلق الشرعي في الانتفاع من مياههم.
وهكذا نرى أنّ عبد العال لعب دورا أساسيا في تمكّن العرب من إحباط دسيسة صهيونيّة جديدة صيغت بقالب فنّي بارع، مفترضين أنّه بهذه الحيلة يفسحون المجال أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي للظفر في تحقيق حلم أساسي من أحلامها. إلاّ أنّ عبد العال وقف بالمرصاد وارتكز على العلم والحجج الفنيّة القائمة على دراسة ميدانيّة علميّة واستطاع فضح الأغراض المبيّتة لمشروع «جونستون» وإظهاره على حقيقته الصهيونيّة بعد إزالة الطلاء الفنّي عنه. (المرجع: اليوبيل الذهبي – المصلحة الوطنيّة لنهر الليطاني).
عرف المهندس عبد العال «بأبي الليطاني»، إلا أنه أكّد على أنّ خلاص لبنان وتطوره ونهضته تكمن في الاستفادة من كلّ قطرة من مياهه. ورغم اقتران اسمه بنهر الليطاني، إلاّ أنه عمل على دراسة جميع الأنهار اللبنانيّة ووضع دراسات علميّة حول المياه الجوفيّة والتكوينات الجيولوجيّة للأراضي اللبنانيّة. وكان هدفه إيصال الماء والكهرباء إلى كلّ قرية في لبنان، لأنه آمن أنّ التنمية الريفيّة تمرّ بتأمين الريّ ومياه الشفة والكهرباء. وفي ذلك حلّ للنزوح من الريف إلى المدن. وأكّد أننا بالريّ ننمي الزراعة، طبعا إلى جانب سياسات زراعيّة متكاملة، وبالكهرباء رخيصة الثمن المُوَلَّدة من مساقط المياه ننمي الصناعة. كما أكّد على ضرورة تنمية طرق المواصلات، فكان أوّل من تحدّث عن الأتوتستراد العربي، كما تحدّث عن تنمية المرافئ وكان له دور مهمّ في تنمية مرفأ طرابلس.
عمل المهندس عبد العال في تخطيطه على الأسس المعتمدة حاليا في العالم ألا وهي الإدارة المتكاملة لإدارة الموارد المائية، في إطار المفهوم الحديث للتنمية المستدامة. وكانت دراساته تعتمد على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسساتية والحوكمة.
تميّزت شخصية المهندس عبدالعال بوطنية لا حدود لها. كان متفانيا في خدمة الوطن. كان يتحلّى بروح المثابرة وبالجرأة وكان دائما يستشهد بقول Sénèque:
«ليس لأنّ الأمور صعبة لا نجابهها، بل لأننا لا نجابهها هي صعبة».
كان يؤمن بأنّ لا استقرار لأوضاع لبنان ولا حلول لمعضلاته إلّا بالعلم المشبّع بالمحبّة.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This