كل تموز (يوليو)، يتدفق عشرات الآلاف من السياح إلى بامبلونا Pamplona الإسبانية للمشاركة في مهرجان الثيران الدموي في شوارعها الضيقة، إلا أن المنطقة مشهورة أيضا بكونها مهدا للطاقة المتجددة، وخصوصا لجهة المبادرة باستخدام طاقة الرياح وتبنيها منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وقدم موقع “وكالة الأنباء الأسترالية” ABC مقاربة أشار فيها إلى أنه “بينما لا تزال استراليا تناقش مستقبل الطاقة النظيفة واستخدامها، خصوصا بعد انقطاع التيار الكهربائي لأيام بعد العاصفة المفاجئة في أواخر الشهر الماضي، والتي أدت إلى قطع خطوط التيار العالي وإصابة 22 من أبراج الطاقة، تصر إسبانيا على البقاء في صدارة دول العالم في مجالات الطاقة المتجددة”.
ووفقا لواحدة من أكبر شركات الطاقة المتجددة في البلاد، يتم توليد طاقة كهربائية من الرياح بما يكفي أكثر من 29 مليون منزلا يوميا.
70 بالمئة من حاجات الكهرباء في العام الماضي
يؤكد ميغيل ازبيليتا Miguel Ezpeleta مدير مركز مراقبة طاقة الرياح في شركة “أكسيونا”Acciona في بامبلونا Pamplona، أن مزارع الرياح في إسبانيا تمكنت في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام المنصرم، وخلال الليل، من توفير 70 بالمئة من حاجات البلاد من الطاقة الكهربائية، وتمكنت خلال أحد أيام كانون الثاني (يناير) من توليد 54 بالمئة منها خلال النهار.
وسمحت “أكسيونا” لـ”وكالة الأنباء الأسترالية” ABC بمشاهدة شاشة المراقبة في مركز الشركة، حيث يتمكن العاملون من متابعة توربينات الرياح على بعد 17 ألف كيلومتر، من استراليا مثلا، ومراقبة 9500 من توربينات الرياح المنتشرة في كافة أنحاء العالم في كل وقت، ودقيقة بدقيقة، لجهة كفاءة العمل، أو حاجتها للصيانة.
وقال ازبيليتا: “إنه أمر لا يصدق، كان الناس يقولون منذ بضع سنوات أنه سيكون من الجنون مجرد ذكرنا لهذا النوع من الأمور، وأنه مجرد حلم، ولكن اليوم بات وضعا حقيقيا”، مصرا على أن نسبة 70 بالمئة لن تكون ذروة للإنتاج، وقال: “أنا متأكد من أننا سوف نصل إلى 100 بالمئة في وقت ما”.
وكان هدف الاتحاد الأوروبي بالنسبة لإسبانيا لعام 2020 الوصول إلى 20 بالمئة من كافة احتياجاتها من الطاقة، بما في ذلك الكهرباء والتدفئة والتبريد والنقل باستخدام الطاقة المتجددة، وقد وصلت حاليا إلى 17،4 بالمئة أي أقل بقليل من ذلك الهدف.
خارطة اسبانيا للطاقة
اسبانيا ليست غنية بالنفط أو الغاز، ولديها بالمقابل القليل من الفحم، لذلك كان عليها استيراد هذه المواد، أو أن تبدأ بإيجاد طرق أخرى لتوليد الطاقة، ويعتبر المزيج الطاقوي في اسبانيا متنوعا، فبينما تمثل الطاقة النووية 20.9 بالمئة، فإن الغاز الطبيعي والفحم يشكل كل منهما أكثر من 15 بالمئة بقليل، وليس هناك اتجاه لإغلاق محطات الطاقة النووية في اسبانيا، وذلك بهدف تقليل كمية استيراد الوقود من أماكن أخرى، وهنا يأتي دور طاقة الرياح إلى الواجهة.
وفي مزرعة الرياح التابعة لشركة “فيداديو” Vedadillo، على بعد 60 كيلومترا إلى الجنوب من بامبلونا، تدور شفرات توربينات الرياح ببطء، ملقية بظلالها على الأرض، إلا أن أقرب قرية لهذه المزارع، وهي قرية فالسيس Falces، تكسب ثلث ميزانيتها السنوية من مزارع الرياح المحيطة بها.
وقال عمدتها فالنتين غارسيا Valentin Garcia إن “السكان سعيدون بالاعتماد على الطاقة المتجددة”، وأنه “لا يستطيع أن يتذكر آخر مرة كان هناك أي انقطاع للتيار الكهربائي”، وأضاف غارسيا: “هناك انطباع جيد للغاية من تكنولوجيا الرياح لسببين، الأول هو مصلحة اقتصادية للمدينة، والثاني هو أننا نساعد على إنتاج الطاقات النظيفة”.
فواتير الطاقة العالية
على الرغم من تطور الطاقة المتجددة وتكنولوجياتها في إسبانيا، إلا أنه وفقا للمنتقدين لها، لم تنخفض أسعار الكهرباء، بل في الواقع اقترح البعض أنها زادت بنحو 60 بالمئة منذ العام 2006، وقالت المقيمة في قرية فالسيس، ماريا أنجيليس فرجارا Maria Angeles Verjara “كل يوم تبدو الأمور أكثر تكلفة، ولا أعرف ما اذا كان السبب الضرائب أو أمر آخر”.
واحدى الذرائع، أنه على الرغم من أن طاقة الرياح اقتصادية، فسوف يكون هناك دائما حاجة للمصادر الاحتياطية، لأنه لا يمكن التنبؤ بطاقة الرياح، لذا من الضروري الحفاظ على مصادر الطاقة الأخرى، مثل محطات الطاقة النووية حيث الكلفة التشغيلية عالية.
لكن المسؤولين التنفيذيين لشركات مثل “أكسيونا” اعترضوا على تلك الانتقادات، وقال مدير منطقة آسيا والمحيط الهادئ خافيير مونتيس Javier Montes: “لا ينبغي أن تُثبط آمال الدول من وضع أهداف عالية للطاقة المتجددة”، وأضاف: “إن أديرت العملية بشكل صحيح، لا ينبغي أن يكون هناك أي مشاكل وتظهر الأمثلة على ذلك في أوروبا”.
وأشار إلى أن “الشيء الوحيد الذي في صالح اسبانيا هو أن النظام الكهربائي تم بناؤه بشكل جعله موثوقا للغاية وقادرا على تحمل انتكاسات ناتجة عن الظواهر الجوية المتطرفة أو الأعطال الفنية الكبيرة”.