تحتضن أفريقيا مؤتمر المناخ “كوب 22” في مدينة مراكش المغربية بعد نحو ثلاثة أسابيع، في ظروف تشهد فيها القارة السمراء الكثير من المخاطر، كونها تمثل الخاصرة الرخوة والأكثر ضعفا على مستوى العالم، فهذه القارة التي نُـهبت ثرواتها وما تزال، غير قادرة على الانتقال نحو التنمية المستدامة، ولا على “تخضير اقتصادها”، وتَـــبَنِّـي مشاريع تمكنها من التوجه بسلاسة نحو الطاقات النظيفة والمتجددة.
تواجه أفريقيا تبعات تغير المناخ على نحو متزايد، بالرغم من أنها لم تساهم منذ عصر الثورة الصناعية إلا بنذر يسير جدا من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وهي تحملت وزر الاستعمار المباشر الذي أبقاها قارة تابعة تدور في فضاء مصالحه، فعانت ولا تزال القهر والظلم والتخلف، وتعاني في الوقت عينه من ما يمكن تسميته بـ “الاستعمار المناخي”، فأفريقيا اليوم تواجه تبدلات مناخية صعبة وكارثية، حتى أن بعض السيناريوهات الأقل تشاؤما تؤكد أن تغير المناخ سيتسبب بدمار شمال أفريقيا، وسينجم عن ذلك موت الملايين من السكان، فضلا عن الهجرة البيئية، خصوصا وأن الصحراء آخذة بالتوسع على حساب الأراضي الخصبة والصالحة للزراعة، وسينعكس ذلك تراجعا في حجم المحاصيل وجودتها.
الهجرة المناحية… نحو أوروبا
وثمة توقعات بأن المشكلة القادمة ستكون حاضرة بقوة مع عدم انتظام هطول الأمطار، ما سيؤثر حكما على إمدادات المياه، وسيكون الجفاف واحدا من أسوأ فصول أزمة المناخ، خصوصا وأن خبراء الأرصاد الجوية في العالم، يتوقعون أن يصبح الصيف أكثر سخونة والشتاء أكثر برودة، وهذا ما سيرغم السكان على النزوح وترك منازلهم، فضلا عن أن التصحر الزاحف بقوة، والذي بدأ في تدمير الأراضي الخصبة، وستكون هناك تبعات لا تقل خطورة مع ارتفاع مستوى مياه البحر أيضا، وبحسب دراسات متعمقة في رصد ما هو متوقع في التطور الدراماتيكي على مستوى تغير المناخ، فإن بعض مدن شمال أفريقيا ستكون في عين عاصفة المناخ، وخصوصا القاهرة والدار البيضاء والجزائر.
لذلك، من المتوقع أن يكون مفهوم “العدالية المناخية” حاضرا كقضية مركزية في مؤتمر المناخ في مدينة مراكش “كوب 22″، وستكون أوروبا معنية ليس بكونها المسبب التاريخي لظاهرة الاحتباس الحراري فحسب، وإنما من كونها تتحمل مسؤولية أخلاقية عن سنوات استعمارها لأفريقيا.
لكن أوروبا المتحمسة لمساعدة القارة السمراء، من خلال دعم تحولها نحو الطاقات المتجددة، ومساعدتها في التكيف مع تغير المناخ، والتخفيف من نتائجه وتبعاته، لن تتبنى مثل هذا الدعم من موقع أنها تتحمل مسؤولية تاريخية حيال ما آلت إليه أوضاع أفريقيا فحسب، إن لجهة نهب ثرواتها واستنزاف مواردها، وإنما انطلاقا من مخاوف تسهدفها جراء الهجرة المتنامية إلى بلدانها، فأوروبا تدرك أن النتائج المترتبة على تغير المناخ ستزيد من نسب البطالة والفقر، ما يعني انها ستكون أمام موجات هجرة لا عهد لها بها من قبل، ولن تكون قادرة على استيعابها، ولا على منعها بالقوة.
العدالة المناخية
وبالرغم من أن القارة الأفريقية ساهمت بأقل العوامل التي تتسبب في تغير المناخ، إلا أنها الأكثر تضررا، ومن هنا، ستتوالى المشكلات على نحو كبير، فوفقا لبعض التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، فالحصول على المياه قد يتحول سببا رئيسيا لنشوب الحروب وتزايد الصراعات الداخلية في السنوات الـ 25 القادمة، ولا نستغرب ذلك، فالتغير المناخي تسبب بحدوث تغيرات ساهمت في تراجع الموارد المائية، ولا سيما العذبة منها، فضلا عن تضرر النظم الإيكولوجية البحرية في شرق وجنوب أفريقيا، وكذلك النظم الإيكولوجية الأرضية في غرب أفريقيا، وقد أكدت التطورات المناخية المتطرفة في السنوات القليلة الماضية مدى وحجم تضرر النظم الإيكولوجية في جنوب أفريقيا أيضا، فضلا عن ما نشهد من تحول في أنماط الهجرة، وفي النطاق الجغرافي والنشاط الموسمي لكثير من الأنواع البرية والبحرية استجابة لتغير المناخ.
ومن هنا، فإن “العدالة المناخية” لا تعني الاعتراف بالمسؤولية التاريخية للغرب الصناعي في التسبب بظاهرة الاحتباس الحراري العالمي فحسب، وإنما تعني الأخذ بعين الاعتبار اختلاف آثارها وعدم تناسب مستويات التصدي لها في البلدان والمجتمعات المتضررة، ما يفترض العمل على صياغة الاستجابة لتغير المناخ، وهذا يتطلب تحديد من يتحمل هذا العبء، تبعاً لمحددات واضحة وشفافة، من خلال اعتراف العالم بإرث الاستغلال الاستعماري، وأيضا بتبعات الاستغلال الرأسمالي الحالي، وهو ما يزال قائما على نهب الثروات تحت مسميات تتلطى أحيانا بمساعدات لا تحل المشكلة بقدر ما تربط أفريقيا باقتصادات الغرب الصناعي.
لعل ما تحتاجه أفريقيا اليوم، وأيضا الدول النامية والفقيرة، يتمثل في تحديد نموذج واضح للتنمية العادلة، وتكريس نوع من الرقابة الديموقراطية على الإنتاج، وحسن توزيعها وفق معايير إنسانية، وفي استلهام مفاهيم فرضتها المتغيرات والتحولات الجديدة، ومن بينها ما “ديموقراطية الكربون”، المفترض أن تكون مستندة إلى قيم واضحة، بحيث يكون لجميع الكائنات على هذا الكوكب حصص متساوية من الكربون!