آمال خليل – الاخبار
مع انطلاق فعاليات حملة تنظيف الليطاني، أمر المدعي العام البيئي في محافظة النبطية، نديم الناشف، بفتح محضر معلومات في مخفر النبطية، خُصّص لتدوين أي شكوى يقدمها أي مواطن أو جهة، ضد مخالفات ترتكب بحق النهر.
حتى مساء أمس، كانت صفحات المحضر ما زالت بيضاء. لم يبادر أحد إلى توثيق الإرتكابات على كثرتها في نطاق المحافظة، برغم الحشد الإعلامي والرسمي الذي تكثف في الأسابيع الأخيرة. في المقابل، يضع الخبير البيئي ناجي قديح اللمسات الأخيرة على تقرير يرصد واقع الحال في حوض النهر من منبعه في غربي بعلبك حتى القاسمية، كان الناشف قد كلفه به.
“الملوث الأول هو الدولة وإداراتها”، يجزم قديح في حديث لـ”الأخبار”. استعرض دور وزارات الصناعة والصحة والبيئة والطاقة ومصلحة مياه نهر الليطاني ومجلس الإنماء والإعمار “في الكارثة التي وصلنا إليها”، رافضاً تحميل البلديات والمواطنين المسؤولية. المصدر الأول للتلوث بحسب الدراسة، الصرف الصحي.
أخيراً، أصدر مجلس الانماء والاعمار بياناً عدد فيه إنجازاته” في هذا المجال. “نفذ أربع منظومات موضوعة في الخدمة في إيعات وجب جنين وصغبين واليمونة. فيما منظومة زحلة قيد التجربة. وأطلق مناقصة منظومة تمنين، ويُعدّ لإطلاق مناقصة منظومة مجدل عنجر ومناقصتين للأشغال العائدة لشبكات الصرف الصحي في مدينة زحلة وجزء من بلدات قضائها ومناقصة عائدة لشبكات الفرزل وأبلح. اما منظومات كفرصير ويحمر وزوطر في قضاء النبطية، فستوضع في الخدمة قريباً. ولزم تنفيذ مشروع منظومة مرجعيون- الخيام. وينفذ حالياً منظومة ساحل قضاء صور ويُعدّ لإطلاق مناقصة منظومة الصرفند التي تشمل المنطقة الساحلية بين نهري الزهراني والقاسمية”.
يشير قديح إلى أن تلك المنظومات ساهمت في تلويث النهر “لأنها لم تشغّل بطريقة سليمة. فهي إما شبكات بلا محطات أو محطات من دون تشغيل، كمحطة زحلة التي أنجزت قبل عامين ولم تشغل لعدم تزويدها بالكهرباء!”. وتوقف قديح عند تقصير الوزارات عن ممارسة صلاحياتها. “أين كانت وزارة الصناعة التي تغاضت عن رمي أصحاب المصانع نفاياتها في النهر من دون تطبيق القوانين التي تفرض إقفال المصنع وحبس صاحبه عند المخالفة. وأين كانت وزارة البيئة التي لم تمارس دورها في رصد المخالفات والإبلاغ عن مرتكبيها…؟”. وللتذكير في هذا الإطار، فقد وافق المدعي العام الإستئنافي (هو المدعي العام البيئي أيضاً) القاضي رهيف رمضان على إعادة فتح مرملة العيشية التي تسببت بتعكير النهر قبل أشهر.
في خطة حماية النهر التي حدد عمرها بسبع سنوات وثمنها بـ880 مليون دولار، لم يحدد الجناة الذين ارتكبوا جريمة التلويث، ولم يلمّح أحد إلى توقيفهم ومحاسبتهم، الأمر الذي أوحى بتوافق قوى السلطة على تغييب المسؤولين الحقيقيين وحمايتهم ورمي الجرم على المتنزهين وأصحاب الإستراحات على نحو خاص. الناشف لم يحدد ماذا سيفعل بتقرير قديح، فهل تخطط الحملة للمحاسبة؟
عضو اللجنة الوطنية لحماية حوض الليطاني النائب علي فياض قال في اتصال مع “الأخبار” إن الحملة “لا تتطلع لتحميل المسؤوليات عن المرحلة الماضية”. من المسؤول عن الواقع الحالي لليطاني، كان مثار جدل في الجلسات التحضيرية التي عقدتها اللجنة، حتى وصلت إلى نتيجة مفادها أن “تحميل المسؤولية سابقاً، والمطالبة بمعاقبة المسؤول، لن يوصلانا الى نتيجة”. مع ذلك، يقر فياض بأن الدولة هي التي “تتحمل مسؤولية غياب المراقبة والمحاسبة. في وقت لم تمارس فيه البلديات دورها الرقابي. وما دامت الدولة وأجهزتها غائبة، استغل المواطن ذلك ليمعن في التلويث”. الوقت ليس للمحاسبة الآن. الأولوية: “ماذا يجب أن نفعل، وكيف نحتوي المشكلة ونضع حداً للتلوث وننتقل الى المعالجة الجدية؟”. وجد فياض في حملة التنظيف العامة الأحد الماضي “رسالة للمواطنين بالتنبه إلى حرمة النهر بعدما خلقنا جواً وطنياً عاماً يحميه”. حالياً، يعكف على إعداد مذكرة قانونية توجه للبلديات لكي تفرض على المنشآت السياحية الواقعة في نطاقها لوقف تحويل الصرف الصحي إلى النهر. ما البديل؟ “تستحدث المنشآت الصغيرة حفراً صحية وفق مواصفات حددتها وزارة البيئة. فيما تنشئ المنشآت الكبيرة محطات تكرير خاصة بها. أما وزارة الصناعة، فتتولى الطلب من المصانع إقفال المجاري وإيجاد حلول، فضلاً عن إقرار تطوير هيكلية مصلحة الليطاني وفق مبدأ الإدارة المتكاملة للمياه ومتابعة تنفيذ القانون الذي اقر في مجلس النواب حتى لا يكون التنفيذ عشوائياً”.
تذكّر توصيات الخطة بتوصيات عشرات الخطط التي وضعت في السنوات الماضية. من يضمن جدية تطبيقها؟ “الرقابة والمحاسبة مسؤولية النواب والمجتمع المدني والرأي العام والإعلام والحملة” قال فياض.