ما تزال أزمة النفايات تراوح مكانها، مع ما نشهد من فصولها المتجددة، تلك التي لن تطويها المعالجات المقترحة: مطامر الآن، ومحارق مستقبلا!
ويبدو أن استمرار الأزمة بأشكال عدة، يظل حاجة لتمرير صفقات المحارق، وأن نرضى بما يُفرض علينا من حلول ومقترحات، فيما المعالجات المستدامة مغيبة، أي تلك القائمة على الإدارة المتكاملة لموضوع النفايات المنزلية الصلبة، وفق رؤى وتصورات علمية، تتطلب الشفافية وهذا ما نفتقده في لبنان، وسط ما شهدنا ونشهد في بازار المناقصات والتلزيمات!
وثّقنا في موقعنا greenarea.info العديد من المقاربات من أجل الوصول لحلول إيجابية للأزمة، وسط تخبط وانشغال المسؤولين في المناقصات واتجاههم للحلول المكلفة، ولا سيما بعد رسو مناقصات جمع ومعالجة النفايات على شخصيات مقربين من سياسيين نافذين، لنفاجأ بأن الحلول اللامركزية وضعت على الرف، دون بحثها وتفعيلها والتوعية على أهميتها، لا سيما مع مسلسل الحرائق الذي طاول عددا من معامل الفرز في المناطق، كنا تناولناها بعدة مقالات في موقعنا greenarea.info، فضلا عن شلل وعدم كفاءة بعضها الآخر، لتكتمل دائرة الأزمة، وتتجه نحو صيغة تشبه الابتزاز الممنهج لقبولنا بالحلول الآنية التي يقترحها أولو السياسة والتلزيمات، والهدف منها كما يلاحظ إطالة الأزمة لتنفيذ الصفقات المربحة، وإمعانا في ترسيخ فكرة ضعف البلديات واتحادات البلديات.
وفي مقال سابق مع الرئيس التنفيذي لـ”مجموعة معرفة للتنمية” المهندس عباس زهر الدين، كنا قد تناولنا موضوع المنهجية العنقودية في معالجة أزمة النفايات، وهي معالجة متكاملة متبعة في مدن كثيرة حول العالم، وإن كانت كاتالونيا (عاصمتها برشلونة)، التي تعد أكبر بثلاث مرات من لبنان وتحتكرها أربع شركات منذ تسعينيات القرن الماضي قد قطعت شوطا طويلا لجهة تكنولوجيا المعالجات وكفاءتها، كما أوضح زهر الدين لموقعنا greenarea.info : “تفاقمت أزمة النفايات في العام 1991 في برشلونة، ما تطلب القيام بخطوات فوريّة، وحلول مستدامة ورؤية للعام 2050، تشبه ما يحدث حاليا في لبنان، والنفايات في برشلونة أيضا مثل لبنان تعد نسبتها العظمى (55 إلى 60 بالمئة عضوي)، وكانت ثمة أخطاء تعلمنا منها، ولكن وصلت برشلونة إلى مراحل متقدمة الآن، من خلال هذا البرنامج التوعوي الميداني المتوسطي لبناء القدرات الذي بدأنا به في العام 2012.
ومؤخراً نظمت “مجموعة معرفة للتنمية” و”برنامج التعاون المتوسطي” مع مجموعة تمثل إتّحاد بلديات الضاحية الجنوبية، جولة علمية وعملية وميدانية على مجموعة من منشآت و”عناقيد” معالجة النفايات الصلبة والسائلة في كاتالونيا، للتوعية في مجال حوكمة وإدارة ومعالجة والتخلص من النفايات الصلبة والسائلة”، وبحسب زهرالدين، فإن “اتحادات البلديات هي الجهة الرئيسية المستهدفة من هذا البرنامج”.
رئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد درغام
وأشار رئيس اتحاد بلديات الضاحية المهندس محمد درغام الذي كان ضمن مجموعة مكونة من أربعة أشخاص يمثلون الإتحاد في الزيارة إلى إسبانيا لـ greenarea.info إلى “أن الدراسة الميدانية التي قمنا بها مفيدة للغاية، لكن هذه الحلول تتجاوز قدرات البلديات المالية بمراحل، لدينا في الضاحية مثلا ألف طن يوميا، وكلفة هذا المشروع وفقا لمتطلبات الاتحاد 80 مليون دولار، لذلك، فهذه مشاريع على الدولة القيام بها، لأنها جزء من المشاريع الاستراتيجية، شبيهة بمشاريع الإتصالات ومحطات الكهرباء”، ورأى أن “على الدولة القيام بعمليات بناء المعامل والمنشآت والتشغيل والصيانة ومعالجة النفايات، وبالتالي تدفع البلديات للدولة مقابل هذه الخدمة، ويمكن للدولة إعطاء التشغيل والصيانة لشركات خاصة، ولكن لا يلغي هذا فكرة اتفاق مجموع اتحاد بلديات على القيام بمثل هذه المشاريع الهامة، فمثلا بإمكان بلدية بيروت القيام بهذا المشروع الاستراتيجي”.
وأكد درغام أنه “أصبح أكثر ثقة وإصرارا، أنه ببلد مثل لبنان، وفي ظل غلاء الأراضي خصوصا في مدن مثل بيروت والضواحي، فلا مهرب من القيام بهذا النوع من المعالجات وهي المحارق أو معامل التفكك الحراري، ومع احترامي للبيئيين، ولست خبيرا بيئيا لأنظّر عليهم، فلا أعتقد أن الأوروبيين أغبياء، ففي مدينة مثل برشلونة يوجد 7 محارق، وأحدها على باب المطار”، وأشار إلى أنه “على البيئيين عدم التهويل علينا، بكلمة تفكك حراري، فهناك مواد لا تحل مشاكلها إلا بالحرق، ولكن ليس كما يروج لها البعض في لبنان، برمي كل المواد داخل المحرقة”.
وقال: “في بلادنا وحتى اليوم، ليس لدينا القدرة على القيام بعملية الفرز السليم، لكن الدولة رمت على البلديات عبئا أكبر من قدرتها، فالدولة ليس لديها قرار واتجاه لحل المشكلة، فكيف الحال بالبلديات وتحميلها فوق حملها، ومن جهة ثانية، فشركة رامبول RAMBOLL الدنماركية، التي استشارها مجلس الإنماء والإعمار، أكدت أن النفايات في لبنان غير قابلة للحرق وقيمتها الحرارية calorific value هي 9 ويجب أن تصل إلى 7، أي يجب فرزها، وتشكل النفايات العضوية 30 بالمئة منها، وهي وليست قابلة للحرق، وتحتاج للوقود لحرقها، وليس هدفنا الحرق، من جهة ثانية، فالكوستابرافا حل إجباري، على الرغم من كونه غير سليم تماما، ولكن ليس لدينا خيار، وإلا سنغرق في النفايات، فعلى الدولة تقديم الحلول والمعالجات، وقد اختصرت الموضوع في لقاء مع لجنة المال والموازنة مع النائب ابراهيم كنعان في ذلك الوقت، بأننا نستمر في الحل المؤقت، ونطلب من الدولة اللبنانية السعي لإيجاد حلول، ومن ضمنها معامل للتفكك الحراري وتعديل المراسيم المطلوبة لاستخدام الطاقة الناتجة وربطها على الشبكة ولكن هذا الامر يتطلب مراسيم، واعطت الدولة الكوستايرافا فترة 4 سنوات، ولكن ماذا سيحصل بعد 4 سنوات، وإن لم تبدأ الدولة اللبنانية باختيار وانتخاب الحلول الأفضل فسنغرق في النفايات من جديد؟”.
وأضاف درغام: “انا مهندس وعملت مع جهات مانحة مثل صندوق التنمية الكويتي، ومتعهد من أيام الوزير إيلي حبيقة، فالجهات المانحة، تدعم بناء محطة تكرير مثلا في الفرزل، وهذا الأمر حصل فعلا وقدمتها USAID، وقد سعرتها ونفذتها، ولكن هل لدى البلدية إمكانيات لتشغيلها وصيانتها؟، لذا هذه المحطة لا تعمل اليوم، لأن حتى الجهات المانحة لا تعمل بالتنسيق مع الدولة اللبنانية، والكل يحاول الدخول إلى منطقة الضاحية، ولكن عليَّ أن أحدد حاجاتي أولا، وقد تعلمت أمرا من صندوق التنمية الكويتي، أن أرى النور بعد كل مشروع، فبعد إنهائه علي متابعته وأن أؤمن له عمليتيْ التشغيل والصيانة، وهذه أهم أهداف أي مؤسسة لتنجح”.
لماذا برشلونة؟
أما زهر الدين، فأشار إلى أنه “بدأنا ببرشلونة إلا أنه في المستقبل هناك مجال للتوسع إلى أماكن أخرى في أوروبا بهدف الاستفادة من خبرتها في هذا المجال، ومنها Montepelier في فرنسا Alicante وValencia في إسبانيا وغيرها، أما السبب فهو وقوعها على الممر المتوسطي، فضلا عن أنه يوجد في برشلونة اتحاد من أجل المتوسط واتفاقية برشلونة، فهي عاصمة كاتالونيا لناحية التكنولوجيا وعاصمة الشراكة الأوروبية المتوسطية، فضلا عن أنها منطقة Buffer Zone بين إسبانيا وفرنسا، كما أن شعب برشلونة يشبه اللبنانيين”.
وقال زهر الدين: “أطلقت (مجموعة معرفة) وبالتعاون مع شركائها Media & Advocacy for Sustainable Development، وهو برنامج متخصّص في بناء القدرات في القضايا البيئيّة، من خلال المنهجية العنقودية للتنمية الإقتصادية المحلية المستدامة Cluster-Based Approach for Local Sustainable Economic Development والتي تحتضن Triple Helix Thesis، ومن هذه القضايا حوكمة ومعالجة والتخلّص من النفايات الصلبة والسائلة. وهو عبارة عن أنشطة التواصل والتدريب من أجل التنمية المحلية المستدامة، بهدف تعزيز الولوج للمعلومة العلمية والعملية، فضلا عن بناء القدرات وتوفير الموارد اللازمة لنشطاء المعرفة من صناع القرار ومن واضعي السياسات، ومن شركات وجامعات متخصصة وإعلام متخصص، وذلك من خلال الوقوف على أفضل الإنجازات في مجال الإقتصاد الأزرق والأخضر، في مجتمع قائم على المعرفة والعلوم والتكنولوجيا، ويستهدف البرنامج خصوصا إتحادات البلديات في لبنان، لدور هذه الاتحادات كسلطات لامركزية (مدنية) وكونها تشكل صلة الوصل مع السلطة المركزية، بالإضافة إلى قدراتها في التواصل مع الشركات والجامعات ومراكز البحوث”.
وقال زهر الدين إن “هذه الحملة ليست الوحيدة، وقمنا بالجزء الأول في تموز (يوليو) وسنقوم بنشر النتائج في تشرين الثاني (نوفمبر)، ونحضر للجزء الثاني منها في تشرين الأول (أكتوبر)، فضلا عن نشاطات وأجزاء أخرى لهذه المبادرة تعلن في حينه”.