يبدو ان انعكاسات التغير المناخي والاحتباس الحراري بدأت تتوالى بشكل متسارع، وفضلاً عن التغيرات الملحوظة بدرجات الحرارة من جهة والتبدلات المناخية بين موسم وآخر كما ارتفاع شدة الاعاصير وازدياد نسبة حدوث الزلازل من جهة ثانية، بدأت أعداد الحياة البرية بالانحفاض الى مستوى لا مستقبل متفائل له على الاقل لعام 2020.
وتراوحت التقديرات حول أعداد الكائنات الحية على وجه الكرة الارضية بين 5 و 80 مليون، الا ان الرقم الاكثر احتمالاً هو 10 مليون نوع، منتشرة في الصحاري والمحيطات والانهار والبحيرات والغابات، الا ان هذه الاعداد باتت مهددة بشكل كبير، ورصد الصندوق العالمي للحياة البرية في تقرير له أن أعداد الثدييات والطيور والأسماك والبرمائيات والزواحف في أنحاء العالم تراجعت بحوالي 60 بالمئة منذ عام 1970، بسبب الأنشطة البشرية التي تؤثر على البيئة.
متابعة نتائج هذا التقرير الذي يصدر كل عامين تدعو الى القلق الجدي، ففي العام 2014، أوضح الصندوق العالمي للحياة البرية أن عدد الأسماك والطيور والثدييات والبرمائيات والزواحف في العالم تراجع بنسبة 52بالمئة في الفترة ما بين 1970 و2010 وهو معدل أسرع بكثير مما كان متوقعا. وارتفعت هذه النسبة الى 60 بالمئة في العام 2016، والسبب يعود للانشطة البشرية التي تؤثر على البيئة.
الزيادة في أعداد البشر تمثل تهديدا للحياة البرية من خلال إزالة الغابات لإقامة مزارع ومدن، فضلاً عن التلوث والأنواع الدخيلة والصيد وتغير المناخ. وبالتالي فإن حاجات البشر التي أصبحت الآن تفوق قدرة الطبيعة بأكثر من 50بالمئة يقابلها قطع الأشجار وضخ المياه الجوفية وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بمعدل أسرع مما تستطيع الأرض تعويضه. ويقول مدير العلوم بجمعية الحيوان في لندن كين نوريس “إن هذه الأضرار ليست حتمية لكنها نتيجة للطريقة التي اخترنا العيش بها”.
خلصت نتائج التقرير في العام 2014 بشأن عدد الفقاريات في الحياة البرية إلى أن أكبر انخفاض لها كان بالمناطق الاستوائية، خصوصا في أميركا اللاتينية. واشار الصندوق العالمي لحماية الحياة البرية الى أن متوسط الانخفاض البالغ 52 بالمئة هو أكبر بكثير مما ورد في تقارير سابقة.
يذكر أن أعداد أنواع الكائنات الحية في المياه المتجددة سجلت أسوأ هبوط مع تراجعها بنسبة 76 بالمئة على مدى العقود الأربعة حتى 2010، بينما انخفضت الأعداد في كل من البيئتين البحرية والبرية بنسبة 39 بالمئة، وكان السبب الرئيسي لتراجع الأعداد فقدان بيئات طبيعية حاضنة والاستنزاف عن طريق الصيد البري أو البحري والتغير المناخي.
في هذا الاطار، وفي جوّ التخلّص من الغابات خدمة للتطور العمراني، حذّر باحثون في دراسة نشرت نتائجها في دورية “ساينس” العلمية من أن الغابات الاستوائية الجافة من بين المعالم الطبيعية المعرضة للتهديد على الأرض، وأفادت الدراسة بأنه بالرغم من أن الغابات الاستوائية الجافة هي موطن لأنواع كثيرة من الأحياء لا توجد في أماكن أخرى من العالم، فإن عددا قليلا من هذه الغابات فقط يحظى بالحماية.
وقال معدو الدراسة إن “الغابة الاستوائية الجديدة الموسمية الجافة (أميركا الجنوبية والوسطى) هي منطقة إحيائية (وهي منطقة طبيعية شاسعة من النباتات والحيوانات)، وتتمتع بتوزيع واسع ومجزأ وتوجد من المكسيك إلى الأرجنتين وفي جميع أنحاء منطقة البحر الكاريبي”.
ومن خلال الاستعانة بأكثر من 1600 قائمة من أنواع الأحياء وجدت في هذه المناطق، أشار العلماء إلى أن هذه المعالم الطبيعية تحتوي على 6958 نوعا مذهلا من نباتات الغابات، العديد منها لا يوجد في أماكن أخرى من العالم. وبالرغم من الأهمية الحيوية والجينية لهذه الأنواع، فإن معظم الغابات الجافة لم تحظ بالحماية.
ورأى العلماء أنه “في ظل أنماط المناخ التي من المحتمل أكثر دفئا في المناطق الاستوائية، فإن الحفاظ على أنواع الغابات الجافة الفريدة والتي يمكنها التكيف مع الحرارة والجفاف يجب أن تحظى بأولوية عالمية”.
وفي نظرة على تطوّر الامور منذ عامين، اشار الصندوق في تقرير الى إن مؤشرا أعده باستخدام بيانات من جمعية علم الحيوان في لندن لقياس وفرة التنوع البيولوجي تراجع بنسبة 58 بالمئة خلال الفترة بين عامي 1970 و2012، وإنه سيهبط 67 بالمئة بحلول عام 2020 في ضوء الاتجاهات الحالية.
وهذا التراجع ليس الا علامة أخرى على أن البشر باتوا القوة المحركة للتغير على كوكب الأرض، في حين ان الجهود المبذولة للحفاظ على البيئة لا تحقق الا تأثيرات ضئيلة على ما يبدو، لان المؤشر أظهر تراجعا أكبر في أعداد كائنات الحياة البرية مقارنة بما كان قبل نحو عامين.
وقال ماركو لامبرتيني المدير العام بالصندوق: “يشكّل التنوع البيولوجي أساس سلامة الغابات والأنهار والمحيطات، نحن نصدد دخول عصر جديد من تاريخ الأرض بينما تختفي الحياة البرية في زمننا بمعدل لم يسبق له مثيل.”
يتتبع المؤشر 14200 مجموعة من 3700 نوع من الفقاريات – وهي مخلوقات تتراوح أحجامها بين ضفادع في حجم حبة البازلاء إلى حيتان يصل طولها إلى ثلاثين مترا.
رغم الارقام المخيفة، ترك التقرير مساحة لفسحة الامل في ان اتخاذ الساسة ورجال الأعمال الخطوات الصحيحة لحماية الطبيعة، وشدّد لامبرتيني على أنه “من المهم أن ننتهز الفرصة بينما لا يزال ذلك في مقدورنا للتنمية المستدامة وخلق مستقبل يستطيع الناس العيش والازدهار في تناغم مع البيئة”.
واعتبر ان من بين العلامات التي تبعث على التفاؤل الاتفاق العالمي الذي توصّلت إليه نحو 200 دولة لكبح تغير المناخ والذي يمكن – على سبيل المثال – أن يحمي الغابات الاستوائية ويبطئ ظاهرة التصحر ويكبح ارتفاع مستوى حموضة البحار الناجم عن زيادة انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.