دعت منظمة “أوكسفام” التي تعد من أكبر المنظمات الخيرية الدولية المستقلة في مجالي الإغاثة والتنمية في تقرير حديث “الإتحاد الأوروبي إلى التوقف عن سياسة إنتاج الوقود الحيوي المستمد من الكائنات الحية بنوعيها النباتي أو الحيواني، والذي يعتبر أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة، لما لهذه السياسة من آثار على المناخ والإنسان في أوروبا والدول النامية”.
وأشارت المنظمة في تقريرها بعنوان “إحراق الأرض… إحراق للمناخ” Burning Land, Burning The Climate،
A change of course in EU #bioenergy is needed: it’s time to break free of powerful #biofuel lobby. New report: https://t.co/EAzb0waLss pic.twitter.com/8c7ENHREiu
— Oxfam International (@Oxfam) October 26, 2016
إلى أن هناك “لوبي” قد سيطر على الإتحاد الأوروبي ويقاوم الإصلاح، غامزة من قناة منتجي الوقود الحيوي الأوروبيين The lobby of European biofuel producers الذي تتبعته المنظمة في ثلاث قارات، وتوظف 121 من جماعات الضغط، أي أن هناك لكل شخص مدني يعمل في مجال استدامة الوقود الحيوي الأوروبي، 7 أشخاص يعملون على كبح جهوده، وأن أوروبا بدأت باستبدال استخدام الأراضي الزراعية بهدف انتاج الغذاء إلى إنتاج المحاصيل المنتجة للطاقة الحيوية، ما يقلل إنتاج المحاصيل الزراعية، وقد تسبب هذا الأمر في طرد الآلاف من أراضيهم لصالح المستثمرين في هذه الطاقة، الذين يستأجرون الأراضي من الحكومة لجني الأرباح، فضلاً عن زيادة التلوث التي يسببها الوقود الحيوي.
وقال كاتب التقرير مارك أوليفييه هيرمان Marc-Olivier Herman، ويشغل منصب رئيس سياسة العدالة الإقتصادية في الإتحاد الأوروبي the European Union Economic Justice Policy Lead “لقد أطلق الاتحاد الأوروبي العنان لقوى السوق القوية التي تترك وراءها آثار الدمار حول الكوكب”، وأضاف أنه “غالباً ما يحدث هذا بسبب ضعف القوانين المحلية، والسلطات التي لا تعترف بحقوق الأراضي للمجتمعات المحلية”.
تدمير الغابات
وقالت مسؤولة المناخ والوقود الأحفوري في منظمة “أوكسفام” في فرنسا، أرميل لو كومت Armelle Le Comte أنه “أصبح من اللافت للانتباه أن بعض المحاصيل، التي كانت تُستهلك للغذاء مثل بذور اللفت والقمح والشعير، أصبحت الآن تُستَهلك لاستخراج الوقود الحيوي”.
ورصد التقرير أثر هذه السياسة وتفاصيل حالات المجتمعات التي تعاني من انتهاكات وخسائر في حقوق الأراضي، في تنزانيا وبيرو واندونيسيا، والتي ترتبط بالطلب المتزايد من أوروبا للمحاصيل المستخدمة لإنتاج الطاقة.
وتابع التقرير أنه في سجل الشفافية، فإن جميع الأطراف الفاعلة في سلسلة الوقود الحيوي انفقت في العام السابق ما يزيد عن 14 مليون يورو، وعملت على توظيف ما يقرب من 400 من جماعات الضغط للتأثير على سياسة الاتحاد الأوروبي، وجنبا إلى جنب مع حلفائها، فإن 600 من جماعات الضغط تتحد معا، وهو عدد يفوق عدد جميع موظفي المديرية العامة للجنة للطاقة.
ويقاوم هذا اللوبي دعوات الإصلاح، وبدلا من هذا يقوم بالضغط على المشرعين لتوسيع هذه السياسة، والتي وفقا للتقديرات تكلف المواطنين الأوروبيين ما بين 5.5 مليار إلى 9.1 مليار يورو سنويا، فضلا عن الأضرار المتعلقة بحياة الناس والطبيعة والمناخ.
ويجازف الاتحاد الأوروبي بخرق التزاماته الدولية في مجال التنمية المستدامة التي تعهد بها في COP 21، خصوصا لجهة تغير المناخ، وفي المتوسط، فإن الوقود الحيوي القائم على الغذاء ينبعث منه 50 بالمئة أكثر من غازات الدفيئة من الوقود الأحفوري، بينما ذلك الناتج من استخدام زيت النخيل ينبعث منه 3 أضعاف ما يصدره الوقود الأحفوري، لأنه يتم نقله من الغابات الاستوائية والمستنقعات.
وأشار التقرير إنه نظراً لقلة الأراضي الزراعية المتاحة في الدول الأوروبية، فإنه يتم استخدام أغلب الأراضي المتوفرة في أوروبا في إنتاج الوقود الحيوي، ما سيساهم في تدمير الغابات وزيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون، كما يجري هدم للمجتمعات الزراعية، وأعطى التقرير مثالا، ففي أفريقيا وبالتحديد تنزانيا، حصلت الشركة الهولندية BioShape القابضة على 34،000 هكتار من الأراضي في العام 2008، لزراعة نبتة الغاتروفا jatrophaالمنتجة للوقود الحيوي لتزويد الأسواق الهولندية والبلجيكية بالكهرباء والديزل الحيوي، وتم حرمان أربعة مجتمعات من حقوقها في الأرض، وقد فشل المشروع، ورحل المستثمرون، ولكن المجتمعات المحلية لا تزال تكافح من أجل استعادة أراضيها وإعادة بناء حياتها.
التحرر من قبضة اللوبيات
والأمر عينه يطاول في إندونيسيا، فهي تساهم بتعزيز واردات الاتحاد الأوروبي من زيت النخيل كوقود للسيارات الأوروبية ولتوليد الكهرباء، ونتيجة لذلك، فقد ساهمت السياسة المفترض منها التخفيف من تغير المناخ في تدمير البيئة في إندونيسيا إلى حد يصل إلى مستوى الكارثة المناخية، في نفس الوقت، فإن الممارسات المسيئة للشركات العاملة في سلسلة التوريد لمنتجي الوقود الحيوي الأوروبي هددت سبل العيش للمجتمعات المحلية في المناطق النائية من البلاد، حيث حصلت شركة PT Sandabi Indah Lestari في جزيرة سومطرة، بحقوق على امتياز 2812 هكتارا في العام 2011، لإنتاج وقود الديزل الحيوي، ومنعت منذ ذلك الحين وصول المجتمعات المحلية إلى 1000 هكتار مخصصة من الحكومة المحلية لاستخدامها.
ويذكر التقرير نمطا مماثلا من الدمار في أميركا اللاتينية طاول مجتمعات المزارعين الأصليين وأصحاب الحيازات الصغيرة “في منطقة الأمازون في بيرو، الذين يعيشون على حدود مزارع زيت النخيل، ويجري طردهم من أراضي وغابات أجدادهم من قبل بعض الجهات المسؤولة عن تدمير البيئة في جنوب شرق آسيا، وأعلنت الحكومة البيروفية عن توفير 1.5 مليون هكتار لزراعة الأراضي لانتاج زيت النخيل لتلبية الطلب العالمي المتزايد.
وفي أوكايالي Ucayali، وهي منطقة تغطي الجزء المركزي من منطقة الأمازون في بيرو، و”مجموعة ملكا” the Melka Group وهي تكتل شركات ارتبط مؤسسها بعمليات ضخمة لإزالة الغابات وصفقات أراض لها علاقة بالفساد في ماليزيا، كما حصل ودمر أكثر من 5000 هكتار من الغابات، وأغلبها من الغابات الأولية (التي لم تقطع أو يتم المس بها من قبل) تطالب بها المجتمعات الأصلية من الشيبيبو كأراض أجدادهم، وتعرض أصحاب الحيازات الصغيرة في المنطقة الشمالية الشرقية لضغوط لبيع أراضيهم إلى “مجموعة ملكا”.
ودعت المنظمة الاتحاد الأوروبي إلى التحرر من قبضة هذه اللوبيات، ومتابعة الاستثمار في كفاءة استخدام الطاقة وفي مصادر الطاقة المستدامة بصورة حقيقية، دون التسبب بتلويث البيئة وطرد الناس من أرضهم، وأن تحصل شركات الطاقة الحيوية الأوروبية على موافقة مسبقة وحرة من المجتمعات المحلية في سلاسل التوريد الخاصة بها.