بفرح عارم تلقى أبناء بلدة شكا إعلان بلديتهم عن تقدم شركة الترابة الوطنية (السبع) بطلب ترخيص لانشاء مستودع تخزين لمادة البتروكوك المستخدمة في محارق تصنيع الاسمنت منذ عقود، دون أي مراعاة لشروط التخزين والاستعمال الآمن.

ويعرف البتروكوك على انه فضلات بترولية جافة مصنفة في خانة “الوقود الرديء” وتسبب أضراراً صحية عالية، خصوصاً إذا كانت نسبة الكبريت الموجودة فيها تتجاوز 6 بالمئة. ويتسخدم البتروكوك في عملية الحرق في افران مصانع الاسمنت.

ويعد تغطية باحة تخزين البتروكوك واحدة من بديهيات شروط التخزين التي ينصّ عليها القرار رقم ISIC- 2651 والصادر عن المديرية العامة للتنظيم المدني في لبنان. وعدم تطبيقه يستدعي تحركاً فورياً من قبل وزارة البيئة التي من واجبها أن تراقب وتحاسب كل مخالفات المصانع، لكنها للاسف لم تتخذ اي اجراءات رادعة بحق مصانع الاسمنت، التي تعتبر واحدة من اكبر التكتلات الاحتكارية في لبنان.

ورغم صدور مذكرة إرشادية عام 1997 عن وزارة البيئة تحدد شروط التخزين الآمن للبتروكوك في مصانع الاسمنت في لبنان، تتغاضى الوزارات المعنية (البيئة، الصناعة، الأشغال العامة والصحة) عن إهمال “شركة ترابة السبع” لشروط تخزين البتروكوك الآمنة في مستودعاتها، وأهمها “أن يكون مكان التخزين مغلقاً من كل الجوانب ومسقوفاً منعاً لتكوّن تيارات هوائية”.

إعلان بلدية شكا الموقع من رئيس البلدية فرج الله كفوري، تضمن فتح تحقيق “الموافقة على أو عدمها” على طلب شركة ترابة السبع بتاريخ 29 تشرين الأول (أكتوبر) وينتهي بتاريخ 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، فمن كان له اعتراض ما، عليه ان يقدمه حسب الاصول خلال المهلة المذكورة الى البلدية أو القائمقامية أو الى قلم دائرة محافظة لبنان الشمالي.

Farajallah Kfoury

Farajallah Kfoury

ومعلوم ان “الريس فرج الله”، الذي اعيد انتخابه قبل اشهر لرئاسة المجلس البلدي للمرة الرابعة، كان من غلاة المعارضين لطلب الترخيص الذي تقدمت به الشركة قبل عقدين من الزمن، بحجة ان العقار الذي اقيم عليه المخزن والذي يحمل الرقم 1887 مخالف لاصول الترخيص المحددة للمؤسسات المصنفة فئة أولى، وكان المطلب “التاريخي” لبلدية شكا ان يتم نقل مستودع تخزين البتروكوك الى عقار آخر مجاور، بذريعة قربه من الأماكن السكنية ومدافن البلدة، لكن البلدية لم تقم يوماً بأي اجراء لمنع التخزين غير الآمن للبتروكوك!

وتشير المعلومات الى أن الكفوري تعاقد خلال فترة توليه المجلس البلدي مع شركات الاسمنت لنقل مادة البتروكوك عبر سفن يملكها، الامر الذي يتعارض مع المادة 22 من قانون البلديات والتي تنص على “عدم جواز الجمع بين رئاسة أو عضوية المجلس البلدي وبين ملكية امتياز أو وظائفه في نطاق البلدية”. لكن ذلك لم يمنع الكفوري عن الترشح والفوز برئاسة بلدية شكا لاربع دورات متتالية.

يؤكد رئيس “هيئة حماية البيئة في شكا” بيار أبي شاهين، ان جميع المذكرات التي رفعتها الهيئة الى الوزارات المعنية والادارات لم تؤد الى وقف التخزين غير الآمن للبتروكوك في هذا العقار، وكان يرد على شكوى الأهالي من التلوث بالغبار الاسود القاتل الذي اصاب منازلهم واجسادهم، بأن تقوم شركة الاسمنت بتوزيع مواد التنظيف مجاناً!

Pierre Abi Chahin

Pierre Abi Chahin

أبي شاهين واحد من الشهود الأحياء على تاريخية هذا الملف، منذ أن كان عضواً في اللجنة السداسية التي شكّلها وزير البيئة أغوب جوخادريان عام 1991 لتحسين الوضع البيئي في المصانع في شكا وسلعاتا. كان أبي شاهين ممثل الأهالي، وأيامها أنجزت مطالب عدّة، والباقي لا يزال ينتظر حتى اليوم.

يقول أبي شاهين: “بالنسبة للبلدية، فإن اعتراضها على الترخيص بإنشاء سقف آمن لتخزين البتروكوك في هذا العقار، لم يستتبع بقرار حاسم بمنع أعمال التخزين غير الآمن، بل استمر الأمر على ما هو عليه طيلة عقدين من الزمن”.

ويردف: “اتقنت الشركة والبلدية لعبة توزيع أدوار بشكل محترف. تبرز الشركة دائماً طلب الترخيص الذي تقدمت به مع خرائط مفصله للمشروع، اما البلدية فتبرز شكواها التي تنقلت من محكمة البداية الى الاستئناف وصولاً الى محكمة التمييز، وهي تعلم سلفاً انها دعوى خاسرة لا محال، الجميع كان يشتري الوقت، على حساب صحة اهالي شكا والجوار”.

يلفت أبي شاهين الى ان بدء تنفيذ مشروع تغطية مخزن البتروكوك هو إنتصار لهيئة حماية البيئة التي طالما سعت من أجل انجاز هذا المشروع بأسرع وقت، وبعد ان بدأ انجازه، ولو متأخراً، فإن المطلب الرئيسي للهيئة هو تفكيك وإزالة مخزون الامينات في معمل الاترنيت المغلق منذ سنوات والخاضع للحراسة القضائية، لأن هذا المعمل يمثل الموت البطيء لجميع سكان شكا والجوار، ولن نقبل باستمرار الوضع على ما هو عليه.

بدوره أكد رئيس بلدية شكا فرج الله كفوري، في مقابلة مع موقع greenarea.info ان الفحم الحجري الذي كان يستخدم قديماً في محارق الاسمنت في شكا، اقل ضرراً من البتروكوك، ونحن سعيناً منذ عشرين عاماً الى نقل مستودع تخزين البتروكوك الى مكان يبعد عن السكان الذي يقطنون على بعد عشرات الامتار من هذا المخزن المهدد بالاحتراق في اي لحظة، اضف الى ذلك ان التيارات الهوائية تنقل كميات كبير من مادة البتروكوك السوداء الى منازل وغرف السكان وهذا امر غير مقبول.

يحمل كفوري مسؤولية خسارة البلدية لمعركة نقل موقع مخزن البتروكوك الى مدير عام وزارة البيئة بيرج هاتجيان الذي تولى بالوكالة مديرية التنظيم المدني، ونجح في إعادة تصنيف المنطقة القريبة من المصنع من سكنية الى صناعية دون أي مراعاة للاصول المرعية الاجراء، للاسف حصل كل ذلك بالرغم عن ارادتنا وصدر مرسوم تصنيف صناعي للمنطقة. وكنا نحن كبلدية الحلقة الاضعف.

واضاف كفوري: “رغم عدم قناعتنا بتثبيت مستودع البتروكوك في المكان الوجود فيه حالياً، لكننا سنرضخ لقرار القضاء، ولذلك سنمنح الترخيص البلدي للشركة لتحويل هذا المستودع الى مستودع آمن فعلاً لتخزين البتروكوك، شرط ان تكون عملية التنقل والتخزين آمنة، وذلك يحتاج الى اجراءات عديدة منذ لحظة وصول السفينة المحملة بالتروكوك الى الميناء وصولاً الى التفريغ والنقل للمستودع، الذي يجب ان يتم عبر نفق تحت الارض وليس كما يحصل حالياً عبر جرار مرفوع فوق الارض”.

ولفت كفوري الى ان المجلس البلدي الجديد وضع خطة للتحسين والتدقيق البيئي التي يتوجب على شركة ترابة السبع تطبيقها، وهذه الخطة تحتاج الى موازنة تزيد عن 150 مليون دولار أميركي، وتشمل تحسينات في الفيلتر والمطاحن والافران، ولقد وضع جدول زمني لتطبيق هذه البنود يمتد لعدة سنوات، وليس المطلوب ان يتم تنفيذ جميع البنود في سنة واحدة.

المدير الاداري في شركة الترابة الوطنية، روجيه حداد، أكد في مقابلة مع موقع greenarea.info ان الشركة عملت في المحاكم طيلة عشرين عاماً من أجل تثبيت حقها بتأهيل وتجهيز مستودع البتروكوك بشكل آمن يراعي المواصفات التي وضعها التنظيم المدني، وما تضمنته المذكرة الارشادية الصادرة عن وزارة البيئة. ولفت حداد الى ان الشركة لم تتهرب من تنفيذ المشروع، وكنا عندما يصدر حكم عن المحكمة نحاور البلدية ونطلب منها وقف النزاع القضائي وعدم رفعه الى درجة تقاضي اعلى، لكن للاسف حصل ما حصل، والآن صدر حكم عن اعلى مرجع قضائي، وبناء عليه تقدمنا بطلب الترخيص الى البلدية، لمشروع انشاء سقف لمستودع البتروكوك ومجموعة من اجراءات السلامة البيئية لتفريغ ونقل وتخزين البتروكوك في مستودعات الشركة وذلك سيشمل شفاط للتفريغ من السفينة دون احداث اي تسرب لمادة البتروكوك في الهواء الطلق، اضافة الى نقل المادة المفرغة تحت الارض وصولاً الى سقف للمستودع مصمم من قبل شركة المانية وباشراف شركة اميركية مختصة، ويراعي اعلى المواصفات المطبقة في مستودعات مماثلة، وستصل كلفة المشروع الى 10 ملايين يورو”.

Roger Haddad

Roger Haddad

التزام “شركة ترابة السبع” بتأهيل مستودع البتروكوك وتغطيته، لا يعفيها من مسؤولية تأهيل مختلف المرافق التي تملكها من المقالع والكسارات التابعة للشركة، مروراً بجميع مراحل نقل وتصنيع مادة كاربونات الكالسيوم الموجودة في الطبقات الجيولوجية الرسوبية الكلسية لمنطقة شكا، وهي نعمة البلدة على المصانع والنقمة الكبرى على سكانها.

وتوصي المذكرة الارشادية الصادرة عن وزارة البيئة بضرورة توضيح إدارة مصانع الترابة في لبنان مراحل التصنيع المتّبعة بالتفصيل، مع ذكر المواد الخام المستعملة والوقود وتوضيح مكوّناتها وكمياتها وإرفاق هذه المعلومات بنشرة عن سلامة المواد، وتحديد أماكن تسرب وانبعاث الملوّثات البيئية، ولائحة بالأجهزة المستعملة لضبط التلوث وتاريخ تركيبها، وبدء استعمالها، وفعاليتها لتحقيق ذلك. وبدون هذه المعلومات لا يمكن تحديد مصادر التلوّث ومعالجتها. كما تطالب المذكرة بالحد من الملوثات الناتجة من العمليات الفرعية في داخل المصنع، مثل السفع الرملي المستعمل لتنظيف المعادن، ودراسة استعمال طرق بديلة، وضمان عدم تسرّب الوقود السائل الناتج من حوادث سفن الشحن.

ورغم وعود شركات الاسمنت في شكا وسبلين بأنها ستجري دراسة “التدقيق البيئي”، لم يعلن عن قيام الشركات بمثل هذه الدراسات، خصوصاً أن هذه العملية باتت ملزمة لجميع المنشآت الصناعية بعد صدور المراسيم التنظيمية في العام 2012 لقانون البيئة رقم 444 الصادر عن 2002، وأبرزها مرسوم الإلتزام البيئي للمنشآت رقم 8471/2012، والذي يفرض إعداد دراسة للمنشآت القائمة والمصنفة خطرة ومضرة بالبيئة والصحة العامة للتأكد من التزامها المعايير البيئية.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This