“إن لم تستيقظ الشركات من سباتها المناخي، فإنها تخاطر بالسير في طريق شركة (كوداك)”، هذا ما حذر منه الرئيس التنفيذي لشركة Sindicatum المعنية بالطاقة النظيفة والتدوير أسعد رزوق في مقالة لموقع  Huffington post، علما أن “شركة كوداك” العملاقة المعروفة، كانت قد أعلنت إفلاسها في العام 2012.

وبنى رزوق تحذيره على تقرير منظمة CDP، وهي منظمة غير حكومية، تعنى بالأبحاث حول المناخ، وتدير نظام الكشف العالمي the global disclosure system حول المناخ وتعتبر مرجعا عالميا لإدارة الآثار البيئية للشركات، والمدن والدول والمناطق والمستثمرين والمشترين بهدف الحصول على المعلومات البيئية لاستخدامها في اتخاذ القرارات المالية، أما تقريرها الأخير بعنوان “ابتداء من وحدات البناء الأساسية، تتبع التقدم في عمل الشركات لجهة المناخ”Out of the Starting blocks,Tracking progress on corporate climate action والذي شمل بيانات من حوالي 827 من المستثمرين في كافة القطاعات، بأصول تقدر بمئة تريليون دولار، وتشمل 1839 شركة، فقد وجد التقرير أن 15 من هذه الشركات فقط، لديها أهداف لخفض الانبعاثات على أساس علمي، ويمكن أن تصمد أمام التمحيص والرقابة البسيطة.

 

مزوار و COP22

 

وقال رئيسCOP22 ، وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي صلاح الدين مزوار Salaheddine Mezouar، في مساهمته في هذا التقرير أن “تقدما كبيرا أُحرز من حيث

تعبئة كل من الحكومات والمنظمات غير الحكومية والجهات الفاعلة لمواجهة تغير المناخ، ومع ذلك، فإن التحدي يبقى لجهة الموارد، فثمة مخزونات هائلة من رأس المال متوفرة في كافة أنحاء العالم، ولكن لا توجه التدفقات المالية إلى الأماكن الصحيحة، وتحتاج هذه التدفقات إلى إعادة توجيه للحد من خطر تغير المناخ، ولضمان التنمية المستدامة بهدف تحقيق الرفاهية في عالم آمن”، وأضاف أن “الهدف النهائي هو أن يكون هناك تواصل واعٍ بين الالتزامات الوطنية مع الرساميل بكافة أنواعها، لذلك يمكن للسياسة والتكنولوجيا والتمويل أن تسير بمحاذاة بعضها البعض وبشكل واضح”.

وجمع التقرير ملفات لشركات كبرى تتبع عدة قطاعات، منها: مرسيدس بنز Mercedes Benz عن قطاع المواصلات، فيليبس Philips عن قطاع المواد الكهربائية،  دويتشه تيليكوم Deutsche Telekom عن خدمات الإتصالات السلكية واللاسلكية، سانتادير البرازيل Santander Brazil عن قطاع التمويل، وغيرها من الشركات من كافة القطاعات ومن مختلف أنحاء العالم، فضلا عن خططها للوصول إلى التقليل من الانبعاثات والحيادية لجهة الكربون، والتحول إلى الطاقة المتجددة وغيرها من الأمور للوصول إلى الحد من تغير المناخ، فضلا عن متابعة دورية للمدة التي تتطلب منها هذا الأمر، وعملية المحاسبة لجهة تسعير الكربون والإنبعاثات مع الفصل بين “النمو المناخي” والنمو المالي.

وذكر التقرير أن 11 بالمئة من عينة الشركات المنتقاة من CDP لها أهداف لاستهلاك الطاقة المتجددة، في حين أن أكثر من ثلثي شركات الطاقة الكهربائية مثلا ليس لديها أي أهداف لتوليد الطاقة من المصادر المتجددة على الإطلاق.

 

الأمم المتحدة ومؤتمرات المناخ

 

في المقابل يؤكد رزوق أن “الأمم المتحدة تقود سباقا لا مثيل له في التطورات الإيجابية الرئيسية في الكفاح العالمي ضد تغير المناخ، وسيتبلور ذلك في غضون الأيام التالية ومن كافة هيئات الأمم المتحدة”.

وتترجم هذه الخطوات بداية، بأن معاهدة المناخ الموقعة في باريس في COP21 تلقت بما فيه الكفاية من الدعم وفي كافة أنحاء العالم لتدخل حيز التنفيذ، وليس ذلك فحسب، بل  في وقت قياسي من أجل التصديق على أي معاهدة سبقت، وهو الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2016.

وأضاف رزوق “خلال بضعة أسابيع من هذا الإتفاق، وافق ما يقرب من 200 دولة على معاهدة أخرى للحد ومن ثم التخلص وحظر المركبات الكربونية الفلورية HFC تماما، وتعتبر غازات HFC أكثر بآلاف المرات تدميرا للمناخ من ثاني أوكسيد الكربون، وتستخدم كمبرد في الثلاجات ومكيفات الهواء، وساهم الاستخدام المتزايد لهذه الغازات بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري”.

وأشار رزوق إلى أنه “تبع ذلك اتفاق بارز آخر للأمم المتحدة، تم توقيعه من قبل 191 دولة للحد من الانبعاثات من رحلات الركاب والبضائع الجوية، وكانت صناعات الطيران والشحن متقاعسة (وإن لم تكن الوحيدة) في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، لذلك فإن متابعة الأمم المتحدة تعد محاولة جادة لدفعهم للتحرك”، وعلق رزوق “إن كل هذا يعتبر زخما كبيرا في وقت قياسي، ولكن ليس هذا كل شيء، فخلال بضعة أيام ينطلق مؤتمر المناخ العالمي المقبل، Cop22، في مدينة مراكش المغربية، وينوي أعضاء الوفود الإتجاه للعمل الجاد للبناء على الزخم الذي أوجده اتفاق المناخ في باريس، فضلا عن اتفاقي حظر مركبات الكربون الكلورية الفلورية وذلك الخاص بصناعة الطيران، وتحويل كل هذا تقدما باتجاه التنفيذ وبصورة قابلة للتحقق وبشكل كبير”.

 

دعوة للشركات والمستثمرين

 

وحذر رزوق “الشركات التجارية الكبرى والأسواق المالية”، داعيا إياها إلى أن “تتوقف وتتنبه وتستيقظ من سباتها المناخي، وإلا فإن هذا سوف يؤدي إلى تدمير قيمة كبيرة لأموال المساهمين فيها (وبالتالي معاشات التقاعد لعشرات الملايين)”، وأضاف: “إن عمل الأمم المتحدة يتسارع، لا سيما في مجال توليد الطاقة، لذا فإننا سنودع الفحم تقريبا، وقد ألغت الصين خلال الأسابيع الماضية، قدرة توليد الكهرباء من الفحم، بمقدار نصف قدرة بريطانيا الكهربائية بأكملها، وعلى الرغم من هذا تستمر أسعار الفحم الحراري في سباق مجنون في الإرتفاع في الأسواق المالية”.

وتابع: “بالمقابل، فإن أسعار النفط تتجه للارتفاع في خضم انطلاق ثورة السيارات الكهربائية، ومع وجود علامات واضحة على أنه من المحتمل أن تكون إحدى هذه الدول السباقة في حظر بيع السيارات العاملة بالوقود الأحفوري وهي الصين، الهند، النرويج، ألمانيا أو هولندا، (ويشكل قطاع النقل أكثر من 50 بالمئة من الطلب على النفط)، لذا على المستثمرين أن يستفيقوا ويتنبهوا إلى الواقع الجديد والنظيف”.

 

كيفية عدم سلوك طريق “الكوداك”

 

وتابع رزوق: “يتعين على المؤسسات التجارية التي لا تريد أن تصل إلى مصير شركة (كوداك) أن تلقي نظرة فاحصة على كيفية انضمام الصناعة الكيميائية إلى موجة مكافحة تغير المناخ، فعلى الرغم من أن بعض المواد الكيميائية المستخدمة في تكييف الهواء والتبريد والمكونة من مركبات الكربون كانت أكثر ربحية، إلا أنه عندما بدأت الحكومات العمل على حظر المركبات الكربونية الفلورية الهيدروجينية HFC، لم تستطع الصناعة المقاومة، بدلا من ذلك، تبنت الشركات الكيميائية المهمة اتجاها تنافسيا بشكل مكثف بالابتكار لإيجاد أفضل مواد كيميائية جديدة للاستخدام، ولم تكن محاولاتها في هذا الإتجاه تنبع من المثالية، وإنما حاجتها لتظل في الطليعة”.

ولفت رزوق إلى أنه “على عكس ذلك فلا تحذو القطاعات الأخرى قطاع الصناعة الكيميائية، فصناعات استخراج الوقود الأحفوري والطاقة والنقل، وكذلك الصناعة المالية العالمية (صناديق التقاعد وإدارة الصناديق والبنوك)، وحتى الشركات والتمويلات المختلفة لا تلحظ في تقييم مشاريعها مخاطر المناخ، ولا تشمل القرارات التجارية الخاصة بها مخاطر الكربون،  وإلا فإن الأسواق المالية لن تدفع بأسعار الفحم والنفط إلى الأعلى، وهي تعرف مسبقا بأن الوقود الأحفوري لن يبقى لفترة طويلة، ولكنها اختارت تجاهل الحقائق المادية بشكل لا يصدق”.

وختم: “إن هذا الجهل المتعمد هو هام للغاية، فالقطاع الخاص يشكل أكثر من ثلثي الناتج الإجمالي المحلي العالمي GDP، وهذا القطاع أكثر ثراء وأكثر غنى بالسيولة من الحكومات، ولا يمكنه تجاهل انبعاثات الكربون ومخاطر المناخ لفترة أطول، وعلى الشركات أن تدرك ذلك بأسرع وقت وكلما كان الوقت مبكرا، كان ذلك أفضل، فثمة الكثير على المحك بالنسبة لهم وبالنسبة لنا جميعا في هذا الكوكب”.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This