مع ما شهده قطاع الطاقة المتجددة من تطور هائل وغير مسبوق، وفي فترة زمنية قياسية، باتت طاقة الرياح بالمجمل الأقل كلفة بين أنواع الطاقة المتجددة، لكن في ألمانيا، وللمرة الأولى يتمكن المهندسون من جمع تقنيتين معا بهدف توليد الكهرباء، في خطوة تصنف بأنها ثورية في مجال توليد الطاقة من مصدَري الرياح والمياه في ثنائي فريد من نوعه، ومن شأنه أن يقدم نموذجا واعدا في مجال الطاقة الخضراء.
فقد حققَ المهندسون طريقة مبتكرة جمعوا خلالها الطاقة المتولدة من أحد هذين المصدريْن ليكون بمثابة محرك للآخر، بحيث أن كل من الرياح والمياه يولدان الطاقة وتدعم إحداهما الأخرى، والفكرة الهامة، أن الرياح متقلبة والطاقة لا تتولد باستمرارية، ففي هذه الحالة أمكن توظيفها واستمراريتها عبر البطارية المائية، فقد عمل فريق من التقنيين على تخزين الطاقة الكهرومائية داخل توربينات الرياح، واعتماد الأبراج كبطاريات ضخمة لتوليد الطاقة، بمجرد ان تتوقف الرياح عن الهبوب.
ويعتبر هذا النوع من المشاريع المتكاملة من التكنولوجيات الرائدة لتزويد الطاقة الكهربائية، من خلال الجمع بين طاقتي الرياح والمياه وبشكل يمكن الاعتماد عليه، ويضمن استمرارية في توليد الطاقة.
مبادرة نوعية
ويعود الفضل لشركتين رائدتين في هذا المجال، فقد بادرت شركة Max Boegl Wind AG الألمانية بالتواصل والتعاون مع شركة جنرال إلكتريك للطاقة المتجددة GE Renewable Energy في آذار (مارس) من العام الماضي، بهدف إنشاء أول مزرعة رياح متكاملة مع توليد الطاقة الكهرومائية، وتقوم شركة GE بإنشاء التوربينات وبرمجتها، ما سيجعل من محطة الرياح هذه أكثر كفاءة، بالإضافة إلى ربطها بالإنترنت الصناعي باستعمال “سحابة” Cloud، وبنظام يجمع البيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك توربينات الرياح، والشبكة والخدمات وحتى توقعات الطقس ليتم تحليلها في السحابة Cloud.
ويساعد هذا النظام مشغلي المنشأة في توقع احتياجات الصيانة وفي تحسين الإنتاج على مدار اليوم، فضلا عن التحكم في مقدار الطاقة التي يمكن أن تتدفق بالشبكة في أي وقت من الأوقات، وبعدها سيتم ربط هذا المشروع الرائد المكون من أربعة توربينات إلى الشبكة الكهربائية بحلول العام 2017، ويجب أن تكون هذه المحطة الكهرومائية مع الرياح عاملة بشكل كامل بحلول العام 2018.
إلا أن توربينات الرياح هذه لن تكون عادية، بل ستكون الأطول في العالم، بارتفاع 584 قدما (167 مترا)، أما أسفل قاعدة التوربينات وهي 131 قدما، فسيتضاعف حجمها لتشكل خزانا للمياه يتسع لـ 1.6 مليون غالون، كما أن كل توربين سيتصل بخزان آخر إضافي يتسع لـ 9 ملايين غالون من المياه.
فكرة رائدة
والبنية الأساسية للمشروع تتمثل في محطة الضخ المائية، وعندما يكون هناك حاجة للطاقة الكهربائية، فإن طاقة تساقط المياه المتدفقة إلى أسفل الخزانات تشغل محطة توليد الكهرباء من الطاقة المائية، وعندما تكون الحاجة للطاقة مرتفعة، فإن محطة الطاقة المائية تضخ المياه إلى الأعلى والتي تمثل بطارية عملاقة، وبهذا يستفيد المعمل المائي من هذه المعادلة، بتوليد الطاقة عند السعر المرتفع واستخدام الطاقة عند السعر المنخفض، وبالتكامل مع مزرعة الرياح، وعملية الجمع بين مصدري الطاقة (واللذان يعملان بالتوازي مع بعضها البعض) تضمن أن تتدفق الكهرباء دائما من هذا المصنع.
ولتعمل المنشأة بشكل جيد على توربينات الرياح، فيجب أن تكون على قمة تلة، فضلا عن أن يكون هناك مساحة في وادٍ لتشكيل بحيرة من صنع الإنسان، وفي هذه الحالة فإن البحيرة تقع تحت مزرعة الرياح بـ 600 قدم (183 متر) حيث يتم تخزين المياه عندما لا يتم استخدامها من قبل التوربينات.
ووفرت غابات شفابن الفرانكونية الألمانيةThe Swabian-Franconian Forest المكان المثالي للمشروع، حيث بني معمل الطاقة المائية بقدرة كهربائية تصل إلى 16 ميغاواط من الكهرباء، بينما تولد طاقة الرياح 13،6 ميغاواط.
وعادة، فإن مزارع الرياح لا تخزن الطاقة الزائدة، كون عملية التخزين مكلفة للغاية وبالتالي لا يمكن تطبيقها بشكل عملي، وتحول الطاقة الزائدة من الرياح بصورة مباشرة إلى الشبكة (ما يخفض أسعار الطاقة إلى درجة كبيرة تصل إلى ما دون الصفر) أو يتم إيقاف عمل التوربينات، أما هذا المشروع فيسمح بإيجاد وسيلة معقولة لجهة التكلفة في مجال تخزين الطاقة الزائدة في مستودع طبيعي، كما يدمج مصدري الطاقة والتخزين في نظام واحد.
وتسعى ألمانيا في خضم عملية تحول كلي في مجال الطاقة energiewende في محاولة للوصول إلى الإستغناء عمليا عن الوقود الأحفوري، وقد أشار المسؤولون إلى أهدافهم بالوصول إلى تأمين 45 بالمئة من احتياجات المانيا من الطاقة من مصادر متجددة بحلول العام 2030، والوصول إلى 100 بالمئة بحلول العام 2050.
وفي العام الماضي، وفقا لتقرير أغورا انيرجيفندي Agora Energiewende (وهي مؤسسة بحثية للطاقة النظيفة في ألمانيا أُنشئت كمبادرة مشتركة بين مؤسسة ستيفتونغ مركاتور Stiftung Mercator ومؤسسة المناخ الأوروبية the European Climate Foundation) كان متوسط مساهمة مزيج الطاقة المتجددة 33 بالمئة من الطاقة الكهربائية.
مشاريع أخرى
هذه الفكرة الرائدة ليست جديدة فثمة نظام هجين من الرياح والمياه wind/hydro hybrid system في جزيرة الهييرو El Hierro البركانية، إحدى جزر الكناري الإسبانية، وقد أعلنت هذه الجزيرة كمحمية محيط حيوي لليونسكو في العام 2000 لما تحفل به من نباتات وحيوانات نادرة، ما دفع المسؤولين إلى استبدال مولد الكهرباء على طاقة الديزل بهذا النظام الهجين، ويوفر هذا النموذج، فضلا عن توليد الكهرباء للإستعمال المنزلي، الطاقة لثلاثة معامل لتحلية مياه البحر، فضلا عن التوفير في توليد الطاقة الكهربائية من الوقود الأحفوري وبالتالي تلويث الجو في هذه المحمية.
وبالعودة إلى ألمانيا، وفي حال نجاح التجربة، فقد تكون نموذجا أوليا لمشاريع أخرى، وأفادت شركة بوغل Boegl أنها تخطط لإضافة المزيد من مشاريع الرياح المائية الجديدة، بمعدل مشروع إلى مشروعين في ألمانيا سنويا بعد عام 2018، ويمكن التوسع إلى مواقع جديدة في كافة أنحاء العالم، خصوصا أن هذه التكنولوجيا تسمح باستخدام المياه العذبة والمالحة.