لم يكن من قبيل الصدفة أن تطلق شركات النفط والغاز مبادرة بشأن المناخ، قبيل يومين من موعد التئام القمة المناخية في مدينة مراكش المغربية من 7 إلى 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وبدت (المبادرة) كخطوة استباقية لتؤكد من خلالها الشركات أنهها معنية ليس بصفتها الأكثر تلويثاً، والأكثر تهديدا للمناخ (وهذه حقيقة ثابتة طالما أن مؤتمر مراكش “كوب 22” سيكون معنيا، في رسم سياسات تمكن الدول، ولا سيما النامية منها، في مجال التحول نحو الطاقات المتجددة)، وإنما هي معنية أيضا في هذا التحول، بهدف تلميع صورتها، ونقض الحقائق العلمية.
وقد أعلنت هذه الشركات رصدها مبلغ مليار دولار أميركي لإنشاء صندوق للاستثمار على مدى السنوات العشر المقبلة، من أجل التصدي لمشكلة تغير المناخ، في مؤتمر “حوار الطاقة” بمركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية، في العاصمة السعودية الرياض.
الإلتزام بمستقبل منخفض الكربون
قد يبدو المبلغ المرصود كبيرا، لكن إذا ما قورن بما تجنيه هذه الشركات من أموال تقدر بتريليونات الدولارات سنويا، يتأكد أن هذا الإعلان لا يتعدى كونه محاولة لتضليل الرأي العام، خصوصا وأنها تمثل كارتيلات مالية ضخمة، ما تزال في حدود معينة تتحكم بسياسات الدول، فضلا عن أن النفط يعتبر المتهم الأول في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
وكانت شركات النفط والغاز قد روجت منذ سنوات إلى انها تعالج مشكلة الاحتباس الحراري بطرق عدة، منها التركيز على كفاءة الطاقة وتطوير تكنولوجيات تساهم في خفض الكربون، إلا أنه بعد اتفاق باريس (2015)، تأكد لهذه الشركات أن العالم بعث برسالة قوية لها مدلولاتها، بأن ثمة التزاما بمستقبل منخفض الكربون، عبر الانتقال إلى الإقتصاد الأخضر، لا بل أرسل إشارات قوية إلى الأسواق المالية وأسواق الطاقة العالمية، ما يدفعها إلى تحول جذري بعيداً عن الاستثمار في الفحم والنفط والغاز كمصادر للطاقة الأولية، وهذا ما سيتم تعزيزه في مؤتمر مراكش.
الدول النفطية
وفي السياق عينه، تعهدت شركة “أرامكو” السعودية باستثمار 100 مليون دولار لحماية المناخ، يوم أمس الأول الجمعة 4 تشرين الثاني (نوفمبر) بهدف تطوير تقنيات مبتكرة، وتسريع وتيرة الاستثمار التجاري لها، بما يسهم في خفض الانبعاثات.
وقال بيان للشركة صادر عن رئيسها، أمين الناصر، أثناء مشاركته مع الرؤساء التنفيذيين للشركات الأخرى الأعضاء في مبادرة شركات النفط: “إن الحلول القائمة على التقنية تشكل عنصراً أساسياً في إدارة تغير المناخ، والتقنية المبتكرة تشكل توجهاً استراتيجياً لنا، وهي مفتاح المستقبل”.
وأضاف الناصر: “يشكل إعلان هذا الاستثمار الجماعي بقيمة مليار دولار بشأن تغير المناخ عنصراً محورياً في التزامنا طويل الأمد بتلبية الطلب المتزايد على الطاقة”.
إلا أن بيان “أرامكو” لا قيمة له، حتى وإن تعهدت بأكثر من مليار دولار، خصوصا وأن الجميع واكب الدور المعرقل لمفاوضات المناخ في مؤتمرات سابقة، من قبل الدول النفطية، خصوصا وأن اقتصادات بعض هذه الدول قائمة أساسا على النفط.
تدرك الدول النفطية أن العام 2050 سيكون عاما مفصليا، بحيث أن العالم يكون قد خطا خطوات مهمة في مجال الطاقة المتجددة، قد تصل إلى نحو 100 بالمئة في بعض الدول، إلا إذا كانت الشركات النفطية تراهن على أبعد من هذا التاريخ، وهذا ما ستؤكده السنوات المقبلة، لجهة ما إذا كانت هذه الشركات تناور، أم أنها تستدرك خطرا يحتم عليها التوظيف في مصادر الطاقة النظيفة.