تحفل فلسطين بالكثير من الطاقات الشابة الواعدة، تعوض، عبر مبادرات فردية، بعضا من إهمال، وسط ما تعاني من ظروف صعبة، تعيق إلى حدود كبيرة جهود الحفاظ على البيئة وحماية التنوع الحيوي، إلا أن ثمة إرادة وتصميما لمواجهة واقع الحال، من خلال طاقات شابة وحالمة، بدأت تعمل وتخطط لتكون فلسطين حاضرة دائما في كافة نواحي الحياة.
في هذا السياق، تشكل تجربة المحاضر في كلية الطب وعلوم الصحة في “جامعة النجاح الوطنية” An-Najah National University في مدينة نابلس وليد الباشا علامة مضيئة، مع ما حققه إلى الآن من إنجازات بجهود فردية، إذ استطاع أن يؤسس ويطلق بإمكانيات ذاتية ومتواضعة واحدا من أهم المراكز البحثية في فلسطين، المعنية بالتنوع الحيوي، وهو تمكن من تخطي ثغرة في هذا المجال، خصوصا في مدينة جنين، نظرا لما تملكه من ثروات بيئية وأماكن تراثية وسياحية.
الواقع البيئي في شمال فلسطين
بدأ الباشا بعد إنهاء تخصصه ودراسته في الأحياء الدقيقة الجزيئية في اليابان، والعودة إلى فلسطين في العام 2005 بدراسة ورصد الحياة البرية وتوثيق كائناتها من طيور وحيوانات برية، بعضها يعتبر من الأنواع النادرة، وقد يكون مصيرها الانقراض إن لم تكون هناك خطة لحمايتها والحفاظ عليها، وتمثل جميعها أهمية في النظم الإيكولوجية في مناطق فلسطينية عدة، ومن ثم بادر إلى إنشاء “مركز الباشا العلمي للدراسات والأبحاث” في جنين، بإمكانيات ذاتية، إلا أنه تمكن من تخطي الكثير من العقبات.
في حديث لـ “وكالة الصحافة الفلسطينية” Palestinian Press Agency (صفا) يقول الباشا إن رغبته في متابعة التنوع الحيوي ودراسته بدأت منذ طفولته، لكن الفرصة لم تسنح له بذلك في البداية.
وتبلورت لديه فكرة إنشاء المركز بعد عودته من اليابان عام 2005، وكان همه إيجاد وتأمين مركز أبحاث يتخصص في مجال التنوع الحيوي، وتمكن من إنجاز هذه الخطوة بعد عام واحد، أي في العام 2006، وفي غضون سنة من العمل الشاق، بالرغم من متابعة عمله محاضرا في كلية الطب.
لكن هاجسه كان دائما الاهتمام بالواقع البيئي في شمال فلسطين، والسعي إلى حماية التنوع الحيوي، وبشكل خاص في مدينة جنين، والتي كانت – كما يقول – مغيبة في الدراسات المحلية، كما يهتم بالدراسات البيئية، والأمراض السارية المرتبطة بوجود الكائنات الحية.
رصد خمسة أنواع من طائر الصرد
في أيلول (سبتمبر) أواخر الصيف الماضي، تمكن الباشا، من رصد وتوثيق 5 أنواع من “طائر الصرد” Shrike في “جبال عز الدين” في مدينة ومحافظة جنين، خلال دراسة المسحية أجراها المركز في منطقة شمال فلسطين، والصرد من الطيور الجارحة الصغيرة (راجع greenarea.info)، تتواجد في مناطق الشجيرات الشوكية التي تستخدمها في تعليق فرائسها بعد صيدها لتبدأ بتمزيقها والتهامها، وأكد تكاثر الصرد أحمر القنة وأحمر الظهر والمقنع، بالإضافة إلى تواجد الرمادي الكبير والرمادي الصغير.
ويتغذى الصرد على الحشرات والطيور والزواحف والثديات الصغيرة، ويعد نجاح تكاثره في المنطقة نتيجة توفر الغذاء وهذا يبشر بالخير بسنة جيدة لمراقبي الطيور في المنطقة. ودعا الباشا المهتمين لزيارة المنطقة لمراقبة الطيور خلال فترة الهجرة، مؤكدا أنه تم توثيق العديد من أنواع الطيور الجارحة هذا العام في محافظة جنين، مثل الحدأة السوداء وباز العسل والشويهن وصقر العصافير والحدأة سوداء الأجنحة، والعوسق ومرزة البطائح ومرزة مونتاجو بالإضافة إلى العديد من الطيور المهاجرة الأخرى.
إنجازات
وثق المركز على مدار عشر سنوات من العمل ما يزيد عن 150 نوعا من الطيور في شمال فلسطين، وكان أبرزها التوثيق الأول لظهور النسر الأسود في جبال عزالدين بمنطقة جنين، واللقلق أصفر المنقار في وادي قانا بمحافظة سلفيت، وكان للمركز التوثيق الأول في العام 2010 لدخول طائر المينا الشائع أو البلبول العراقي كما يسمى شعبيا في جنين.
وكان للمركز دور في وضع وادي المقطع في سهل مرج ابن عامر بجنين على خارطة التنوع البيولوجي في فلسطين، حيث كان الأول في دراسة التنوع الحيوي بالوادي، وتم توثيق أكثر من 38 نوعا من الطيور فيه، وتوثيق تكاثر طائر الكرسوع “أبو مغازل”، إضافة إلى أعداد كبيرة من دجاجة الماء التي تتواجد في المجرى.
وشارك المركز إلى جانب باحثين محليين في توثيق سلحفاة المستنقعات في وادي قانا، وتكاثر دجاجة الماء في الوادي.
ويوضح الباشا أنه تم تسجيل 340 نوعا من الطيور المهاجرة في فلسطين، ومن ذلك الطيور الجارحة مثل “حوام العسل، وحوام طويل الأرجل، وعقاب أسبع، وعقاب السهول”، والعديد من الطيور المائية مثل “الحدث الشتوي، وأبو جاروف، والغرنوق”، والطيور الهازجة مثل “أزرق الصدر، والخرشنة”، والمقيمة مثل “دجاجة الماء، والقيق، والغراب الأبقع، والعوسق”.
كما تم رصد الثعلب الأحمر في العديد من المناطق في شمال فلسطين، ولا سيما في المناطق المجاورة لمحافظة جنين، والخنزير البري، والقاقم، إضافة للقوارض الصغيرة، وسلحفاة المستنقعات، والغريري، وغزال الجبل الفلسطيني الذي رصد في وادي قانا ومناطق أريحا.
ويشير الباشا إلى أنه يجري العمل حاليا على دراسة الطفيليات في القوارض الموجودة في المنطقة، وخصوصا الفأر الشوكي، الذي ينتشر في المناطق الصخرية المحيطة بمحافظة جنين.
ويرى الباشا أن هناك بداية اهتمام بالتنوع البيولوجي من بعض المسؤولين وجماعات شبابية، إذ وُجدت مجموعات شبابية استكشافية، ومسارات بيئية، من شأنها تعزيز يعزز الوعي البيئي وحماية الموروث البيئي الموجود في المنطقة.