باتت الكماليات في مجتمعنا الحديث “حاجات أساسية”، وأصبحت تشكل جزءا من السلع الإستهلاكية المطلوبة بشكل كبير، ما دفع التجار إلى التنافس في مجالات الإعلان لتسويق منتوجاتهم بشتى الوسائل لجذب المستهلك، ليس لشراء هذه المنتجات فحسب، بل لشراء المزيد من مواد قد لا يحتاجها، أو يستطيع الإستغناء عنها، ومن هذه المنتجات المناديل أو المناشف الرطبة (المبللة) أو Wet Wipes أو Wet Towels.
وفي هذا المجال، سلط مدير الأعمال التجارية لأبحاث السوق سميثرز أبيكس Smithers Apex آدم بيج Adam Page، الضوء على هذا الموضوع، قائلا: “ان سوق المناديل الرطبة تقدر قيمته حاليا بنحو 13.2 مليار دولار سنويا، ونمت بنسبة بين 6 و7 بالمئة في العام خلال العقد الماضي، ومن المتوقع أن ينمو هذا السوق بمعدل سنوي مركب قدره 6.8 بالمئة على الأقل حتى العام 2019”.
المناديل الرطبة
يعود ابتكار المناديل (الفوط) الرطبة إلى الأميركي آرثر جوليوس Arthur Julius في العام 1958، وكان يعمل بالصناعات التجميلية، وأسماها Wet-Nap وأقنع بها مؤسس مطاعم Kentucky Fried Chicken أو KFC الكولونيل هارلان ساندرز Harlan Sanders، فقام بوضعها مع الوجبات في العام 1962، لتنال المناديل رواجا واسعا في العديد من المطاعم وبأسماء مختلفة، وأسس بعدها شركة Nice-Pak والتي تعد من الشركات الكبرى في صناعة هذه المناديل ولاستخدامات عدة.
وتفتقت أفكار المصنعين عن وسائل لتنويع استعمالها داخل المنازل، في تنظيف وتعقيم المراحيض والمستشفيات، وكمنديل صحي للأطفال وللأماكن الحساسة، ولإزالة المواد التجميلية عن الوجه وغيرها من الاستعمالات، فضلا عن تسويقها بأنها يمكن أن ترمى في المراحيض flushable بعد استعمالها.
الشرير الأكبر!
أطلق موقع صحيفة الغارديان the guardian على الفوط الرطبة تسمية “الشرير الأكبر للعام 2015″، Wet wipes: the biggest villain of 2015، بناء لدراسة من “جامعة كارديف” Cardiff University قام بها البروفسور جان إيف مايارد Jean-Yves Maillard وفريقه العلمي، ونشرت في “المجلة الأميركية للسيطرة على الإلتهابات” the American Journal of Infection Control أثبتت أن المناديل الرطبة المعقمة المستعملة في المستشفيات، قد تكون مصدرا للعدوى الخطرة، كونها تتفاوت في قدرتها على إزالة أبواغ spores البكتيريا، ما يساعد في انتقالها من سطح إلى آخر.
وقال مايارد: “تعتبر المناديل الرطبة عموما منتجات جيدة، إلا أن فعالية هذه المنتجات يمكن تحسينها، ويجب تثقيف العاملين في المستشفيات حول كيفية استخدام هذه المنتجات بشكل صحيح، وبشكل لا يسبب مخاطر غير ضرورية للموظفين والمرضى، فلا ينبغي أن تستخدم فوطة واحدة على أسطح متعددة”.
كما أن عددا من الدراسات العلمية الحديثة، ربطت بين المواد الكيميائية في المناديل الرطبة، وتفشي مشاكل خطيرة من حساسية الجلد، وأبرزها التهاب الجلد والإكزيما، وقد تم الإبلاغ بالفعل عن العديد من حالات الطفح الجلدي لدى الأطفال والكبار أيضا، خصوصا لجهة وجود مادة methylchloroisothiazolinone، وهي مادة حافظة لها خواص مضادة للبكتيريا والفطريات، تثير التحسس الجلدي لدى بعض الأشخاص بالتركيزات المنخفضة المسموح بها، وهي دون 15 جزء في المليون، كما تعمل على تغيير لون الجلد بتأثير أشعة الشمس.
مشاكل في الصرف الصحي
وفقا لبحث جديد في المملكة المتحدة، فإن هذه المناديل المبللة تسبب مع مواد أخرى إنسدادا في شبكات الصرف الصحي، بسبب تكوين ما يسمى fatbergs، حيث تتصلب الدهون والشحوم المرمية في البالوعات، وخصوصا في موسم الأعياد.
وقد اشتكت شركات المياه البريطانية من وجود انسداد ناجم عن هذه المواد، وبأحجام هائلة قد تصل إلى حجم طائرة بوينغ منها في شارع Shepherds Bushغرب لندن، كما أن انسدادا في شارع Kingston سجل في العام الماضي وزنا قياسيا وهو 15 طنا، وأعلنت شركة أخرى في منطقة Bedfordshire عن وجود انسداد بطول 100 متر، كما تطلب انسداد في مجارير الصرف الصحي في منطقة Houghton Regis استقدام روبوت متخصص من هولندا يضخ المياه بضغط عال لفتحه، ما دعا مسؤولين في شركة مياه Anglian Water إلى إرسال تغريدة تحث المواطنين على رمي الدهون في سلة القمامة، وليس في البالوعة، مؤكدة أن حالات الإنسداد التي وصلت أعدادها إلى 366 ألف حالة، و50 إلى 80 بالمئة منها بسبب الدهون والفوط الصحية والمناديل الرطبة ومواد أخرى، تكلف المواطنين سنويا أكثر من 88 مليون جنيه استرليني إضافية.
ولا تقتصر هذه المشكلة على بريطانيا فحسب، بل إن مدنا كبرى تأثرت بموجة استعمال هذه المناديل، ما أدى إلى مشاكل مماثلة في شبكات الصرف الصحي مثل نيويورك، واشنطن، سان فرانسيسكو، تورونتو، سيدني وأماكن أخرى.
تلويث الشواطىء
وليس هذا فحسب، بل إن متطوعين من الحملة السنوية لتنظيف الشاطئ البريطاني The Annual Great British Beach Clean تنظمه “جمعية المحافظة على البيئة البحرية” Marine Conservation Society المعروفة بـ MCS، وجدوا 4000 منديلا رطبا على الشواطئ بنسبة ارتفعت إلى 30 بالمئة عن العام 2014، وارتفاعا بنسبة 400 بالمئة خلال العقد السابق، محذرة مما تشكله هذه المناديل الرطبة من تهديد للحياة البحرية، كونها تحتوي على البلاستيك، لذا لا تتحلل كليا، بل تتحول إلى جزيئات متناهية في الصغر من البلاستيك micro plasticsتبتلعها أصغر الكائنات المجهرية، كالعوالق البحرية plankton فضلا عن الحيتان وحتى البلح البحري Mussels الذي يستهلكه الانسان.
تلوث يمكن التخلص منه
وقالت رئيسة قسم التلوث في MCS الدكتورة لورا فوستر Laura Foster “لم تصمم شبكات الصرف الصحي في بلادنا للتعامل مع المناديل الرطبة، وعندما ترمى في المراحيص فهي لا تتفكك كليا مثل ورق التواليت، لأنها تحتوي عادة على البلاستيك، وبمجرد وصولها إلى البحر، فهي تبقى لفترة طويلة جدا”، وأضافت: “هذا المصدر من البلاستيك الدقيق microplastic من السهل منعه من الوصول إلى البيئة البحرية، ومن المفضل عند تصميم أي منتج ليتم رميه في المراحيض أن يكون خاليا من مادة البلاستيك”.
وأشارت إلى أنه “من الضروري وضع الإرشادات كي يتخلص المستهلكون من المناديل الرطبة بالطرق الصحيحة للحد من كميات البلاستيك في البحار”.
مواد كيميائية وغيرها
قد يبدو الحل المنطقي للتخلص من هذه المناديل، هو رمي المستخدم منها في سلة المهملات، إلا أن هذه الفوط ليست مجرد منشفة ورقية، بل عادة ما تكون مصنوعة من مزيج من البلاستيك ولب الخشب والقطن، ومغمسة بسوائل عدة، عبارة عن مزيج من المواد الكيميائية وهي الكحول والمواد الحافظة والعطور ومواد التنظيف والترطيب، وحتى في مكبات النفايات، فإنها تتسبب بمشاكل كثيرة، فالكحول الموجود في هذه المناديل مثلا يقتل الجراثيم والبكتيريا والانزيمات التي يعتمد عليها لتحلل النفايات الصلبة في مواقع طمر النفايات وفي خزانات الصرف الصحي أيضا، كما أن فكرة استعمالها كسماد ليست فكرة جيدة أيضا، فالألياف الصناعية فيها لا تتفكك، فيما المواد الكيميائية والمواد الحافظة تلوث النباتات وتلوث البيئة والتربة.
التخفيف
أما ما يجب القيام به فهو ما يمليه علينا المنطق والأسلوب العملي، فليس هناك حاجة ملحة لاستخدام هذه المناديل، لذا فعلينا اتباع إحدى أهم القواعد البيئية، وأهمها التخفيف، أي تخفيض إستعمال لهذه المناديل إلى الحد الأدنى، وأن تقتصر الإستعمالات في الحالات الضرورية، والعودة إلى طرق صحية أكثر مثل غسل اليدين بالماء والصابون، وإن لم يتوفر، الإحتفاظ بمنديل مصنوع من القطن مبلل بالماء والصابون ضمن عبوة بلاستيكية في الحقيبة الخاصة لكل منا، كما يمكن للأمهات استعمال الماء والصابون لأطفالهن خلال وجودهن في المنزل، أو استعمال منشفة من القطن النظيف، واستعمال هذه المناديل في حال وجودهن خارج المنزل.