تتسارع وتيرة الابتكارات في مجال الطاقة المتجددة، وتتجه نحو التنويع في المصادر والاستعمالات والجدوى الاقتصادية، وتمكنت الأبحاث المستمرة، وفي ووقت وجيز، من منافسة مصادر طاقة اقتصادية للغاية مثل الغاز، والفحم وغيرها، وشكلت في هذا المجال نقلة نوعية، لا سيما للدول التي تضطر لاستيراد المواد النفطية والفحم بهدف توليد الكهرباء، لجهة خفض الديون، وزيادة الناتج القومي واستعمال هذه الأموال في مجالات هامة من التنمية المحلية.
وفي هذا السياق، يأتي الابتكار المشترك الفنلندي – الألماني المتمثل بتحويل ثاني أوكسيد الكربون الجوي، إلى “سائل طاقوي” يستعمل كوقود لتوليد الطاقة باستعمال الطاقة الشمسية، ليشكل خطوة استثنائية، ويحقق ثلاثة أهداف في آن واحد، فهذا الابتكار، فضلا عن امتصاصه لثاني أوكسيد الكربون من الجو، فإنه يستعمل الطاقة المتجددة من الشمس ويولد الكهرباء، وبذلك فالمواد الخام لهذا المشروع التجريبي الأولي هو ثاني أوكسيد الكربون، أشعة الشمس والماء.
ولهذا المعمل المعروف باسم SOLETAIR مزايا هامة، فهو يتسع في حاوية لشحن السفن، وتم تجميعه في جامعة “لابينرانتا للتكنولوجيا” The Lappeenranta University of Technology الفنلندية وتعرف اختصارا بـLUT، وبالتعاون مع “مركز فنلندا للأبحاث” Technical Research Centre of Finland المعروف بـVTT، باستخدام مبدأ REFLEX، وهو اختصار لـ “إعادة تدوير الكربون في نظام طاقوي تنافسي ومرن ” Recycling carbon in a flexible competitive energy system، باستخدام الكربون الجوي ليس كمادة خام فحسب، بل كناقل للطاقة، وتتمحور المرونة من خلال تقنيات مختلفة للتخزين والاستجابة للطلب على الطاقة.
فالطلب على إنتاج السوائل الطاقوية من مصادر الطاقة المتجددة هو أمر أساسي في عملية تدوير الطاقة، وهو هدف هذا المشروع من خلال استخلاص الطاقة من ثاني أوكسيد الكربون باستعمال طاقة الشمس، والذي بدأت به شركة “إنتراتك” INERATEC الألمانية المختصة بالتقنيات المبتكرة للمفاعلات الكيميائية، وهي فرع من “معهد كارلسروهي للتكنولوجيا” Karlsruhe Institute of Technology (KIT) الألماني، بالتعاون مع شركاء فنلنديين، بدأوا يحضرون للخطوة التالية للطواف في كافة أنحاء العالم بهذ المعمل المتنقل التجريبي للمشاركة مع دول العالم في خبراتهم، في أول عملية كيميائية لإنتاج الميثان والبنزين والديزل والكيروسين من الهيدروجين (المستخلص بالتحليل الكهربائي للماء) وثاني أوكسيد الكربون والطاقة المتجددة، وقد يعمل المعمل المصغر لتزويد المركبات التي تعمل على الوقود الحيوي أو الهيدروجين.
ويتكون المصنع من ثلاثة عناصر، وحدة التقاط الهواء مباشرة التي ابتكرها “مركز الأبحاث التقنية الفنلندية” والمسجل ببراءة اختراع ويستخلص ثاني أوكسيد الكربون من الهواء، ووحدة التحليل الكهربائي التي ابتكرتها جامعة LUT وتنتج هذه الوحدة الهيدروجين المطلوب باستخدام الطاقة الشمسية، والمفاعل الكيميائي المصغر وهو المكون الرئيسي للمصنع، ويعمل على تحويل الهيدروجين المنتج من الطاقة الشمسية جنبا إلى جنب مع ثاني أوكسيد الكربون إلى وقود سائل، وقد تم تطوير هذا المفاعل والمصنع الصغير في معهد كارلسوهي، ويتم تسويقه من قبل شركة “إنتراتك” INERATEC التابعة لجامعة KIT الألمانية.
وقال نائب رئيس جامعة KIT لشؤون الابتكار والعلاقات الدولية البروفسور توماس هيرث Thomas Hirth “إن مشاريع مثل SOLETAIR ضرورية، وهذا المصنع التجريبي هو مثال على النجاح في نقل ابتكارات البحوث في KIT إلى صناعة”.
كما تقوم INERATEC أيضا بتطوير وبناء وبيع المصانع الكيماوية المصغرة لمختلف تحويلات الغازات إلى سائل طاقوي ومن سائل طاقوي إلى طاقة وتطبيقات لهذه التحولات، وهذا المشروع مدعوم من الوزارة الاتحادية للشؤون الاقتصادية والطاقة في إطار برنامج الأبحاث EXIST، ويهدف هذا البرنامج إلى تحسين بيئة ريادة الأعمال في الجامعات ومعاهد البحوث، كما يهدف إلى إنجاح التكنولوجيا والأعمال التي تقوم بها الشركات المبتدئة.
ويؤكد مؤسس شركة INERATEC الدكتور تيم بولتكن Tim Böltken “نحن فخورون بمشاركتنا في هذا المشروع العالمي الواعد”، وأضاف أن “لدىKIT، INERATEC في المستقبل، العديد من الخطط لتوسيع مجالات التعاون بينهما وبالمشاركة في التحالفات البحثية الوطنية مع ” مختبر الطاقة 2″ Energy Lab 2.0 التابع لجامعة KIT ومشروع “النيو كربون للطاقة” NEO-CARBON ENERGY project الفنلندي، وسيتركز العمل على تحقيق وتطوير نظم الطاقة المبتكرة التي تعتمد على الطاقة المتجددة، ومنها، تقنيات التخزين الجديدة، وتحويل الطاقات المتجددة إلى ناقلات طاقة كيميائية، بالإضافة إلى ذلك، فإن KIT وINERATEC تقدم خبراتها لمشروع Power-to-X” HYPERLINK “https://www.kopernikus-projekte.de/projekte/power-to-x”Kopernikus الممول من قبل الوزارة الاتحادية للتعليم والبحث العلمي”.
وقال الباحث الرئيسي والمسؤول عن تنظيم المشروع، وكذلك عن جزء VTT من الأبحاث بيكا سيمل Pekka Simell “إن هذا المشروع سيوفر الخبرة للمؤسسات في مختلف المجالات، ويؤدي إلى التكامل الصناعي المتعدد الاختصاصات الذي لا يمكن لشركة واحدة أن تحققه من تلقاء نفسها، ويعزز هذا التعاون الخبرة للصناعة الفنلندية في هذا القطاع”، وأضاف أن “مشروع (تحويل الطاقة) energiewende لا يمكن إلا أن يكتب له النجاح، إذا جمعنا الدراية والعمل معا لتعزيز كفاءات الصناعة الأوروبية في قطاع الطاقة”.
وبهدف العمل في المستقبل على خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، على كافة قطاعات الصناعة أن تكون ضمن نطاق إنتاج طاقة خالية من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وفي الممارسة العملية، فإن هذا يعني أن أهم أسواق الطاقة في المستقبل سيتمثل في سوق الكهرباء، حيث ستعمل مختلف قطاعات الصناعة بالكهرباء المنتجة من مصادر طاقة خالية من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، لا سيما الجمع بين نظام الكهرباء وأنظمة الطاقة الأخرى الناجحة المدعومة بالأساليب البحثية.
ويهدف البحث إلى بناء الخبرات التي من شأنها تسهيل تنفيذ الحلول على نطاق صناعي، والهدف الرئيسي الثاني للمشروع يتمثل في خلق فرص عمل جديدة للصناعة الفنلندية ونقل هذه الخبرات إلى كافة أنحاء العالم.
وسيبدأ المصنع الجديد بتحويل الطاقة إلى سائل طاقوي في مركز الأبحاث التجريبية BHYPERLINK “http://www.vttresearch.com/services/bioeconomy/key-technology-platforms-for-bioeconomy/bioruukki-piloting-centre”ioruukkiHYPERLINK “http://www.vttresearch.com/services/bioeconomy/key-technology-platforms-for-bioeconomy/bioruukki-piloting-centre” Piloting Centre في مركز أبحاث VTT، ومن المقرر في العام 2017، أن تستمر العملية في حرم جامعة LUT، كما سيتم الانتهاء من مشروع SOLETAIR في منتصف عام 2018، وتم تمويل المصنع بمليون يورو من قبل وكالة التمويل الفنلندية للتكنولوجيا والابتكار the Finnish Funding Agency for Technology and Innovation (Tekes).