يموت سنوياً ثلاثة ملايين طفل تقريباً دون سن الخامسة من جراء الإصابة بأمراض ناجمة عن البيئة التي تمثّل كل ما يحيط بالطفل وما يتصل به ويحتك معه سواء أكان إنسانا أو أشياء أو أفكاراً. بالتالي فإن تأثير البيئة الطبيعية في البعد الجسمانيّ للطفل هو من المسائل البديهية التي أثبتها العلم التجريبي ويُعاينها الإنسان بالحسّ والخبرة الشخصية. فهذا الطفل هو عنصر من مكوّنات النظام البيئيّ الطبيعيّ ومجاله الحيويّ، ولا يُمكن لأحد أن يُنكر تأثير عوامل المناخ من حرارة وبرودة على نمط حياته الصيفية أو الشتوية في لباسه وطعامه وسلوكه وأنشطته، أو ينفي التأثير السلبي لتلّوث التربة والهواء والمياه في تهديد الأمن الغذائيّ والسلامة الصحية للطفل…
وبينما يصادف اليوم 20 تشرين التاني – نوفمبر ، اليوم العالمي للطفل، يحتفل للاسف كثير من بلدان العالم في ظل معاناة مستمرة لأطفال في بقاع أخرى من كوكب الأرض، قادتهم الحروب والكوارث الإنسانية إلى ظروف مأساوية تنتهك براءتهم، وتحوّل الهواء الذي يتنفّسونه والمياه التي يشربونها او يستحمّون بها الى أمراض تتآكل أجسامهم، فضلاً عن تحويل أذهانهم عن فصول عرفوها أربعة الا انها ضاعت في ما بينها لتلغي واحداً او تجمع اثنين بفصل واحد !!
فضلاً عن ذلك، يتم انتهاك حقوق الطفال في كثير من بقاع الأرض، ووفقا لبعض الإحصاءات يعاني الملايين من الأطفال حول العالم من نقص في الأدوية ويموت الكثيرون منهم بسبب نقص الرعاية الطبية، كما يعاني الكثير من الأطفال من عدم القدرة على الحصول على تعليم كاف لغياب المؤسسات التعليمية، ويظل عدد كبير منهم من دون منزل أو مأوى.
وفي عالم يعاني اليوم من كوارث انسانية أهمها الحروب، يظل الطفل من الضحايا الأكثر تضررا، إذ أكدت اليونيسيف ان الأزمة السورية أدت إلى جعل 2.4 مليون طفل لاجئين من أصل 8.4 ملايين طفل سوري أو ما يقدر بنحو 80% من عدد الأطفال المتضررين من النزاع السوري.
أطفال .. ضحايا الاسهال والتهابات الجهاز التنفسي
في المجال الصحي، يعتبر الأطفال أكثر عرضة من البالغين للأخطار البيئية بسبب نقص المياه وقصور خدمات الصرف الصحي، المخاطر الكيميائية، الرصاص ومبيدات الآفات وعمالة الأطفال الخطرة.
فالطفل ينمو باستمرار ويتنفس المزيد من الهواء ويستهلك كميات من الغذاء والمياه أكثر من البالغ مقارنة بوزنه، ولأن الجهاز العصبي المركزي للطفل وجهازيه المناعي والتناسلي وقناته الهضمية لا تزال تنمو، فإن تعرضه في مراحل معينة من سنه المبكرة للمواد السامة في البيئة قد يلحق به أضراراً تتعذر إزالتها.
كما أن الطفل يتصرف بشكل مختلف عن البالغ، ويتعرض لأنماط متباينة من الأخطار؛ فالطفل الصغير يزحف على الأرض، حيث يمكن أن يتعرض للغبار والمواد الكيميائية التي تتراكم على الأرضيات والتربة، ولا يتحكم الطفل في بيئته إلا بقدر قليل، وبخلاف البالغ فإن الطفل قد لا يعي المخاطر المحيقة به ويعجز عن اتخاذ قرارات لحماية صحته على حد سواء.
ويعتبر نقص المياه من العوامل الرئيسية لتدهور صحة الطفل، إذ يتوقف رفاه الطفل بشكل كبير على جودة المياه وتوافرها على حد سواء، وعلى مدى حسن إدارة هذا المورد الثمين. وتتعرض نوعية مياه الشرب للضرر في أنحاء العالم كافة بفعل العوامل البيولوجية الممرضة والملوثات الكيميائية. كما أن المياه الملوثة تتسبب في الإصابة بطائفة من الأمراض التي تتهدد الحياة في أغلب الأحيان.
ومن أعتى الأمراض الفتاكة بالأطفال حالات العدوى بالتهابات الإسهال التي تنقلها المياه وتؤثر عليهم. وترتبط إصابة الطفل بالإسهال ارتباطاً وثيقاً بعدم كفاية إمدادات المياه وقصور خدمات الصرف الصحي وتلوث المياه الملوثة بعوامل الأمراض المعدية والممارسات السيئة في مجال النظافة.
في هذا الاطار، تشير منظمة الصحة العالمية الى ان التهابات الجهاز التنفسي الحادة تحصد أرواح ما يقدر بنحو 1.6 مليون طفل دون سن الخامسة كل عام. وتُعزى نسبة 60 في المائة من هذه الالتهابات الحادة في أنحاء العالم كافة إلى ظروف بيئية.كما تودي أمراض الإسهال بحياة 1.5 مليون طفل تقريباً كل عام. وتُردّ نسبة تتراوح بين 80 و90 في المائة من حالات الإسهال هذه إلى الظروف البيئية، وخاصة المياه الملوثة وقصور خدمات الصرف الصحي. وفي عام 2008 لقي ما يقرب من مليون طفل دون سن الخامسة حتفه بسبب الملاريا. وتُعزى نسبة تصل إلى 90 في المائة من حالات الإصابة بالملاريا إلى عوامل بيئية.
الحل .. خطة عمل عالمية أم تحدّ للواقع !
نظراً لتلك المشاكل، طُلِب من منظمة الصحة العالمية في نداء العمل الموجه لمعالجة مسألة بيئة الطفل الصحية في المؤتمر الدولي الثالث لمنظمة الصحة العالمية بشأن صحة الطفل والبيئة المعقود في بوسان بجمهورية كوريا يونيو/ حزيران 2009، أن تسهّل وضع خطة عمل عالمية لتحسين بيئة الطفل الصحية والمواظبة على رصد تلك الخطة والإبلاغ عن التقدم المُحرز في تنفيذها.
تهدف هذه الخطة الى وضع خريطة طريق للمنظمة والحكومات والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية وجميع الجهات صاحبة المصلحة المعنية للإسهام في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وغيرها من الإعلانات والالتزامات والأهداف الإنمائية المتفق عليها دولياً، ولاسيما المتعلق منها بتخفيض معدل وفيات الرضع.
وتربط أنشطة بيئة الطفل الصحية بأنشطة أخرى موازية، مثل حماية البيئة، والتكيّف مع تغير المناخ، والرعاية الصحية الأولية، والرعاية الصحية في المستشفيات المتخصصة، والاستجابة لحالات الطوارئ، والحد من مخاطر الكوارث، والأنشطة المدرسية ومبادرات الإسكان، وغيرها العديد من الأنشطة؛ لذا أصبح واضحاً أنه ينبغي إقامة روابط تعاونية مع كل غرض من الأغراض الواردة في هذه الخطة. وسيلزم أيضاً لضمان تحقيق النجاح توثيق عرى التعاون عبر برامج المنظمة ومع مكاتبها الإقليمية والقطرية.
ربما يلخّص اليوم العالمي للطفل بشكل أساسي ضرورة احترام حقوق الأطفال ومنها حقهم في الحياة وفي حرية الرأي والدين والتعليم والراحة ووقت الفراغ، والحماية من العنف الجسدي والنفسي، وعدم استغلالهم في العمل قبل الاستمتاع ببراءة الطفولة وفترتها الكاملة. الا انه لا يمكن لاي انسان أن يفصل البيئة التي تحضن الطفل عن تلك المقوّمات .
في هذه الذكرى، نتساءل كيف تعامل العالم مع هذه الخطة (التي لم تصدر الا باللغات الاجنبية) وماذا حقق من بنودها في ظلّ واقع نلمس فيه التراجع المستمر في حقوق الطفل المادية، المعنوية والصحية !!