استأثر اللون الاحمر المستخدم في الصناعات الغذائية والدوائية ومواد التجميل بحيز كبير من النقاش والجدل لجهة مصدره، خصوصا في الفترة الأخيرة، بعد أن تعرضت الشركة العالمية “ستاربكس” لهجوم من النباتيين لاستخدامها ملونا طبيعيا من مصدر حيواني، وتحديدا من بعض أنواع الحشرات القشرية مثل “الدودة القرمزية” وأنثى الحشرة القرمزية البولنديةPolish cochineal، واسم العائلة العلمي التي تنتمي إليها Porphyrophora، وتستخدم في تلوين الطعام والشراب وغيره من المنتجات الاستهلاكية.
وهذا اللون هو عبارة عن خضاب ذي لون أحمر مشرق يمكن الحصول عليه من “حـمـض الكَرْمِنيك” Carminic Acid، وتستخدم بالفعل تسمية “كارمين” للدلالة على أحد درجات اللون الأحمر الداكن، وقد يطلق عليه أيضا اسم Crimson Lake، أو Cochineal، أو Natural Red 4، أو C.I. 75470، أو E120.
ويستعمل خضاب الكارمين في صناعة الملونات الغذائية والأدوية ومستحضرات التجميل، كما يستخدم في الزهور الصناعية، والطلاء، وأحمر الشفاه، والحبر القرمزي، والمواد الغذائية مثل اللبن وبعض أنواع العصائر وخصوصا تلك التي تتمتع بلون أحمر قرمزي قانٍ.
وتعالج الحشرات المجففة بالماء لاستخلاص “حمض الكرمنيك” ومن ثم يعالج المستخلص بكبريتات الالمنيوم (الشبة)، ويتم ترسيب وفصل البقايا الحيوانية للحصول على اللون الأحمر الصافي.
عصير الحشرات
عندما وصل الأوروبيون إلى جنوب أميركا في القرن الرابع عشر، وجدوا أن شعب “الأزتيك” يستخدم صباغا أحمر نابضا بالحياة لصباغة المنسوجات، وأن هذا اللون يدوم لفترة طويلة ويستخرجونه من نوع من الحشرات، وسرعان ما أصبحت هذه الحشرات أحد المواد التجارية الرائجة.
يقول الدكتور في الكيمياء في “جامعة ماكغيل” الكندية McGill University جو شوارتز Joe Schwarcz على موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك: “ماذا كان أول منتج استعمل تجاريا من العالم الجديد؟ لا ليس المطاط، ولا الذرة، إنه عصير الحشرات”.
وأضاف: “عند وصل هرنان كورتيز Hernán Cortés إلى أميركا في العام 1518 فتنته أقمشة الأزتيك الملونة الجميلة، لا سيما اللون الأحمر القاني، وسأل المواطنين عن سبب إشراق هذا اللون، أكدوا له أن مصدره بقع على نبات الصبار، وبالمزيد من التدقيق تبين أن هذه البقع الصغيرة كانت في الواقع نوعا من الحشرات، وتعرف علميا بـ Dactylopius coccus، أو cochineal أي الحشرات القرمزية، وتسمى الصبغة التي يمكن استخلاصها من هذه الحشرات اللون القرمزي “كارمين” carmine، وكان الملك الأزتيكي مونتيزوما Montezuma مولعا جدا بهذه المادة، لذلك فرض الضرائب على رعاياه التي كانت تسددها من هذه الحشرة القرمزية المجففة”، وتابع شوارتز: “نال الكارمين شهرة كبيرة في اوروبا، وهو الصباغ الذي ميز “سجاد الغوبيلين” Gobelin tapestries الفرنسي الشهير”.
… وحصادها
يتم جمع هذه الحشرات من البيرو وجزر الكناري، في مزارع الصبار، وتتغذى على هذا النبات، وتستخدم الحشرات مادة حمض الكارمينيك لدرء المفترسين، وبعد جمعها باصطيادها بمصائد خاصة، تجفف وتعالج لإنتاج مادة الكارمين، ويتطلب إنتاج رطل إنجليزي Pound 454) غراما) من مادة الكارمين، تجفيف حوالي 70 ألف أنثى من هذه الحشرة، وقد تصدرت البيرو السوق العالمي حيث تزود العالم بـ 80 بالمئة من حاجته، وتقدر بمئتي طن من مادة صباغ الكارمين المستخرج من هذه الحشرة، وذلك نتيجة للقوانين الصارمة على الملونات الصناعية المضافة إلى الأغذية والمواد الأخرى، لجهة سميتها وتأثيراتها الضارة.
وتبين من دراسة هذا الملون من قبل المختصين ومراكز البحوث أنه قابل للاستهلاك البشري ولا يوجد فيه أي ضرر، ويستخدم منذ عشرات السنين دون أي انعكسات على الصحة، وهو عبارة عن مادة مستخلصة من مصدرها، ولا يوجد فيها أي بقايا حيوانية، وإن كان مصدرها غير مريح للكثير من الناس.
وفي العام 2009، وبعد أن كان هذا النوع من الصباغ يعامل كلون طبيعي في لائحة مكونات المواد حتى تاريخه، ظهرت بعض الحالات نتيجة استخدام هذه المادة، إذ تبين أنها تسبب تفاعلا تحسسيا حادا لدى بعض الأشخاص لذا طلبت وكالة الغذاء والدواء الأميركية the Food and Drug Administration المعروفة اختصارا بـ FDA، بأن تذكر هذه المواد وبشكل واضح وصريح على المنتجات.
إلا أنه عدا عن الحساسية لدى بعض الأشخاص، فلا تشكل هذه المادة خطرا يذكر، وقد أجمعت كافة المنظمات العالمية المتخصصة بالغذاء على أنها صالحة للاستخدام الغذائي البشري وحددت لها مواصفات قياسية.
*أستاذ في الهندسة الغذائية – جامعة البعث (حمص)
