خطا المغرب خلال الخمس عشرة سنة الماضية خطوات كبيرة في المجالات التنموية المستدامة، في سياق التزامها العميق بقضية المناخ، والذي ساهم إلى حد بعيد في توسيع وتنويع مجالات الاقتصاد الأخضر، ضمن استراتيجية رئيسية على مستوى سياساتها البيئية.
ولم تقتصر السياسة البيئية المتبعة في المغرب على المستوى المحلي فحسب، بل امتدت إلى كافة دول العالم، عبر مشاركتها الفاعلة في المؤتمرات البيئية الدولية، والتي توجت باستضافتها مرتين لمؤتمر المناخ على أراضيها.
وكان الملك محمد السادس قد أسس في العام 2001 “مؤسسة الملك محمد السادس لحماية البيئة”، التي وضعت التعليم والتوعية البيئية في صلب أهدافها، وساهمت بتحقيق الأهداف المقررة في قمتي المناخ في ريو دي جانيرو (البرازيل) وجوهانسبرغ (جنوب أفريقيا)، ولا سيما التعليم من أجل التنمية المستدامة.
وتنوعت هذه البرامج والمشاريع التجريبية التي أثبتت نجاحها، وغطت التعليم بهدف حماية البيئة وحماية السواحل، تحسين نوعية الهواء، التخفيض الطوعي لانبعاثات الكربون، والسياحة المسؤولة المحافظة على البيئة وتطوير الحدائق التاريخية وبساتين النخيل والواحات.
وبعد توليه العرش بادر الملك محمد السادس إلى إنشاء مؤسسة التعليم البيئي Foundation for the Environmental Education في العام 2002 (FEE)، لإعداد أربعة برامج في المغرب، وهي: العلم الأزرق للشواطئ، المدارس البيئية في المدارس الابتدائية، مراسلون شباب من أجل البيئة للمدارس الثانوية والمفتاح الأخضر للمؤسسات السياحية.
واعتمدت المملكة المغربية استراتيجية مستدامة للتنمية تشجع على التوازن البيئي والاقتصادي والاجتماعي، أما أهداف هذه الاستراتيجية فعناوينها الأبرز: تحسين المعيشة وأحوال المواطنين، تعزيز التنمية المستدامة، إدارة الموارد الطبيعية، تعزيز استخدام تكنولوجيات الطاقة النظيفة.
وأطلق المغرب عددا من الخطوات السياسية، والإصلاحات المؤسساتية والاجتماعية والاقتصادية، ومن أجل الوصول إلى هذه الأهداف، نص الدستور الجديد في العام 2011 على التنمية المستدامة كحق لجميع المواطنين، وحقق المغرب تقدما كبيرا في العديد من المجالات، مثل: مكافحة تغير المناخ، مراقبة نوعية الهواء، مراقبة عملية التحطيب، تطوير الطاقة المتجددة، إيصال الكهرباء إلى المناطق الريفية والنائية، الحصول على مياه الشرب في المناطق الريفية، إدارة الزراعة ومصايد الأسماك، الترقية إلى أحدث التكنولوجيات والتثقيف البيئي.
كما احتلت المملكة المغربية المرتبة التاسعة في العالم لجهة مؤشر تغير الأداء المناخي 201512 the World Climate Change Performance Index 201512، وفي العام 2016 ظهر المغرب مرة أخرى كواحد من رواد العالم في تطوير السياسات المتعلقة بمصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى ذلك، فإن مستوى التزام الشركات المغربية للمسؤولية الاجتماعية للشركات Corporate Social Responsibility (CSR) هو واحد من أكبر المستويات الموجودة في أفريقيا والمغرب العربي والعالم العربي،كما أن المغرب رائد في المنطقة من حيث التنمية المستدامة، وقد عمل على تأسيس دبلوماسية مناخية جريئة على أساس مشروع وطني لقضايا المناخ، وعلى المستوى العالمي باعتباره رائدا في التنمية، فضلا عن دوره كممثل للبلدان الضعيفة في “المفاوضات الدولية 15” international negotiations 15 وتوجد في المغرب مبادرات بيئية تنموية هامة، وهي:
1-مخطط المغرب الأخضر
يركز مخطط المغرب الأخضر على الزراعة، التي تمثل 19 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتوظف أكثر من 4 ملايين من سكان الريف، وقد وفرت حوالي 100 ألف وظيفة في قطاع الصناعات الزراعية، والمسؤولة بشكل مباشر عن الأمن الغذائي لحوالي 30 مليون مستهلك.
وتقوم استراتيجية مخطط المغرب الأخضر على أفضل الممارسات في مجال الاستثمار والإدارة. وقد اطلقت المغرب قطبين (مشروعين) زراعيين كبيرين agropoles، ويجري العمل على أربعة غيرها لزيادة معدل التنمية الزراعية، وتم وضع مبادئ توجيهية على المستوى الوطني وعلى أساس الاحتياجات الإقليمية، ما أدى إلى تبني عدد من المشاريع والإجراءات الهامة، وشملت هذه المشاريع الاستراتيجية: مشروع التأمين الزراعي projet d’assurances agricoles، تسويق المنتجات الزراعية، استراتيجية البحث والتطوير الزراعي Research & Development strategy، التدريب الزراعي.
2-الثلاثي ألف The Triple A
وتعني The Triple A مبادرة تكيف الزراعة في أفريقيا مع تغير المناخ Adaptation of the African Agriculture to Climate Change initiative والتي أنشئت في نيسان (أبريل) من هذا العام، خصوصا وأن تعزيز قدرة الإنتاج الزراعي يعتبر أولوية لتحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي.
وسيتضاعف عدد سكان أفريقيا البالغ عددهم (2.5 مليار نسمة) بحلول العام 2050، ولذلك، فإن على الإنتاج الزراعي أن يتضاعف في القارة بحلول العام 2030 وثلاثة أضعاف ذلك بحلول العام 2050.
وفي حين تعتبر أفريقيا، مسؤولة عن 4 بالمئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري فقط، إلا أنها الأكثر تضررا من تغير المناخ، ومن المفارقات، أن أفريقيا تتلقى 6 بالمئة من تمويل المناخ، ويتلقى القطاع الزراعي 4 بالمئة فقط، بينما يولد القطاع الزراعي 40 بالمئة من فرص العمل في أفريقيا.
وفي 30 أيلول (سبتمبر) من هذا العام، تبنت 27 دولة أفريقية إعلان مراكش الذي يصادف إنشاء تحالف لوضع تكيف الزراعة الأفريقية في صلب مفاوضات COP22 وتجهيز المبادرة وخطة متينة كخطة عمل.
3-الحفاظ على الواحات
تواجه الواحات تحديات متعددة، منها: الإفراط في ضخ المياه الجوفية، سوء استعمال الموارد المائية ونظام الأرض، وهذا الأمر يؤدي في بعض الأحيان إلى التخلي عن المحاصيل ذات الجودة ما يعوق فرص تحسين المحاصيل.
وقد وضع المغرب، وهو موطن للواحة الأكثر شمولا من الناحية التنموية في العالم في منطقة تافيلالت Tafilalet بعض الإجراءات الاستراتيجية، منها: تحول تدريجي للزراعة في الواحة وتطوير الزراعة العضوية بهدف تشجيع السياحة وتعزيز النمط المعماري والتراث المحلي، من خلال توفير فرص الحصول على المياه حسب الحاجة لتجنب الهدر، الحفاظ على النظم البيئية والتنوع البيولوجي من خلال حشد التعاون الدولي.
ويعتبر برنامج “الواحة المستدامة” Sustainable Oasis بالفرنسية Oasis Surable أحد مبادرات رئيسية ثلاث قدمها المغرب خلال COP22، جنبا إلى جنب مع الثلاثي ألف “والحزام الأزرق” Blue Belt.
4-تحول الطاقة في المغرب
على الرغم من أن المغرب، يتسبب بانبعاث قليلة نسبيا من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إلا أنه اعتمد سياسة استباقية وطموحة في مجال الطاقة المتجددة، بدأت في العام 2009، وللوصول لتحقيق هذا النهج، يساعد المغرب وجود ثروات وأصول طبيعية مثل: 300 يوم مشمس في السنة، سرعة رياح في المتوسط 9 أمتار بالثانية في المناطق الساحلية على وجه الخصوص ووجود موارد مياه هامة.
ويأتي 15 بالمئة من استهلاك الطاقة في المغرب من مصادر الطاقة المتجددة، ويأتي الباقي من مصادر أخرى، بما في ذلك الكهرباء المستوردة من اسبانيا، ويطمح المغرب بالوصول إلى 20 بالمئة من احتياجاته الطاقوية بحلول العام 2020 من مصادر الطاقة المتجددة، وقد بدأ المغرب مشاريع عدة من شأنها أن تسمح بتحقيق رؤية واضحة بأهداف محددة، منها زيادة قدرة الطاقة المتجددة إلى 42 بالمئة، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة بنسبة 20 بالمئة بحلول عام 2020، ومن المتوقع زيادة حصة الطاقة المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030 إلى 52 بالمئة، 60 بالمئة منها ستكون من الطاقة الشمسية، و20 بالمئة من طاقة الرياح و20 بالمئة من الطاقة الهيدروليكية، ومن أهم هذه المشاريع مجمع نور للطاقة الشمسية في ورزازات وإنشاء عدة مزارع رياح بما في ذلك في منطقة طرفاية، وهي الأكبر في أفريقيا، أما من حيث الموارد المائية، فإن بناء سدود جديدة رفع هذا العدد من 139 في العام 2015 إلى 170 في العام 2030.
5-الحزام الأزرق للصيد المستدام
هي خطة وضعتها وزارة الزراعة والثروة السمكية البحرية في المغرب، وعرضت في شهر آب (أغسطس) عام 2016، ويركز مشروع “الحزام الأزرق” على تخصيص مساحة في المنطقة الساحلية، والواقعة في بؤرة الضغط الاقتصادي، لتطوير إمكانات مصايد الأسماك مع الحفاظ على التنوع البيولوجي في النظم الإيكولوجية الهشة الناتجة عن تغير المناخ، وهي مبادرة تابعة لمشروع “النمو الأزرق” بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، وتنص على التعاون بين عشرة دول نامية، بما فيها المغرب.
ولدى المغرب 3500 كلم من السواحل، منها أكثر من 500 كيلومتر على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وحوالي 3000 كيلومتر على المحيط الأطلسي، ولهذه السواحل أهمية لجهة مداها، دورها الاستراتيجي في التنمية الاقتصادية والسياحية والمعالم الترفيهية والجمالية والثقافية، وكجزء مهم من البيئة الوطنية، كما توجد في المنطقة الساحلية المدن الرئيسية في البلاد، وهي الأعلى من حيث عدد السكان، والأكثر كثافة في البنى التحتية وشبكات الاتصالات وكذلك الأنشطة الاقتصادية الرئيسية.