أدى خطاب دونالد ترامب الإنتخابي وظيفته، وحمله (مع ظروف وعوامل عدة محلية ودولية) إلى البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، وانتهت بذلك مفاعيل الخطاب في مداه الإعلاني، وغالبا ما تكون ثمة مسافة بين شعارات انتخابية تستهدف عاطفة الناس وبين حركة الواقع وهي تفترض مقاربة بحد أدنى من العقلانية، وإن كنا نعلم أن ترامب البراغماتي يصعب ضبط أدائه، بحكم شخصيته المحكومة بالنزق والإرتجال، خصوصا وأنه قادم من عالم المال، ولم يخض من قبل تجربة العمل السياسي في أي من المواقع في الولايات المتحدة، لكن بدأنا نسمع منذ أيام خطابا أقل حدة، في موضوعات كثيرة كانت حتى الأمس القريب من بين مسلمات غير قابلة للنقاش.

ولم يأت فوز ترامب بالرئاسة الأميركية منفصلا عما يشهده العالم من فوضى واضطرابات، عالم يعيش موجات متلاحقة من التعصب والتطرف ورفض الآخر، ولا عما تشهده أوروبا مع صعود اليمين المتطرف، خصوصا في فرنسا، إذ تشير المعطيات إلى أن زعيمة “الجبهة الوطنية” المتطرفة مارين لوبن، قد تتصدر الجولة الأولى في انتخابات الرئاسة للعام 2017، وهو ما سيمكنها من خوض جولة الإعادة، حتى في انتخابات البرلمان الأوروبي 2014 حصلت “الجبهة الوطنية” التي بزعامة لوبن على 25 بالمئة من الأصوات مقابل 6 بالمئة في انتخابات 2009، كما حصلت في الانتخابات البلدية 2016 على 28 بالمئة من الأصوات بإجمالي 365 مقعداً، مقابل 118 في انتخابات 2010، وهذه مؤشرات تشي بأن النظام العالمي يخطو في اتجاه مرحلة ستكون على كثير من عدم التوازن والاضطراب، أبعد من حدود الولايات المتحدة.

ويعتبر وصول ترامب إلى البيت الأبيض بعض تجليات الأزمة الأميركية، وهي أزمة بنيوية بدأت تطاول نظامها السياسي وسائر آلياته، بما فيها قوانين الانتخابات ذاتها، وأحد أبرز تعبيراته أزماتها الإقتصادية.

 

ترامب والمناخ

 

ثمة عوامل عدة ساعدت في فوز ترامب، وهي تفترض مقاربة أكثر عمقا، وتحليلا أشمل وأعم، لكن ما يهمنا في هذه العجالة، ما ساقة الرئيس الجديد للولايات المتحدة حول التغيرات المناخية واتفاقية باريس التي تعهد بالخروج منها، حين قال “أدرس الأمر ولم أقرر بعد”، مضيفا “أتعامل مع الموضوع بعقلية منفتحة”.

جاء ذلك في مقابلة مع محرري صحيفة “نيويورك تايمز”، وحملت قليلاً من التراجع عن وعوده الانتخابية، فأعلن تخليه عن اليمين، ورفض ملاحقة منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، فيما أبدى مرونة في موضوعي التغير المناخي والتعذيب.

وكان ترامب قد وعد بـإلغاء اتفاق باريس الذي تبنته 195 دولة نهاية 2015 خلال قمة باريس المناخية COP21، والذي يهدف إلى احتواء ارتفاع حرارة الأرض دون درجتين مئويتين، وصادقت الولايات المتحدة، ثاني أكبر الدول الملوثة بعد الصين، على الاتفاق في بداية أيلول (سبتمبر) بدفع من الرئيس باراك أوباما.

وأقر ترامب، ردا على سؤال كاتب نيويورك تايمز توماس فريدمان، بإمكانية وجود رابط بين أنشطة التصنيع البشرية وتغير المناخ، حيث قال “إنني أنظر إلى هذا الأمر عن كثب وبانفتاح”، وأضاف “أعتقد أن هناك علاقة (بين البشر والتغير المناخي)، هناك شيء ما”، موضحاً أنه ينبغي معرفة “كم سيكلف تنفيذ (اتفاق باريس) شركاتنا، وأي أثر سيكون له على التنافسية الأميركية”.

لن يتحول ترامب مدافعا عن البيئة، ولا “قائدا” لمعركة المناخ، لكن تراجعه عن مقولات تبناها في خطابه الانتخابي، تؤكد أن ليس في مقدوره مواجهة العلم… والعالم!

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This