قيل قديما “الرزق السائب يعلم الناس الحرام”، هذا المثل يصح أيضا على الطبقة السياسية المفترض أنها مؤتمنة على مصالح الناس وحقوقهم، مع تعديل بسيط، إذ بات يصح القول أن “الدولة السائبة تعلم المسؤولين الحرام”.
في زمن الحرب وتسلط الميليشيات وضع المسؤولون والمتنفذون اليد على الأملاك البحرية، وفي زمن السلم استمر هؤلاء بحكم البلد بذهنية الميليشيا وما زالوا، بعيدا من منطق الدولة، فكان من الطبيعي أن تنشأ مواجهات مع الناس، خصوصا وأن الشاطىء هو ملك الشعب اللبناني، وحقه في ارتياده مقدس، فإذا بنا أمام معركة جديدة يخوضها الناس في وجه دولة تشرع السرقة، وتحمي السارقين وتسهل لهم محاصرة الناس بـ “غابات الاسمنت”، خصوصا في بيروت، وتحديدا في الرملة البيضاء.
الرد على بلدية بيروت
وفي سياق المواجهة المستمرة التي يخوضها المجتمع المدني في مواجهة الاتكابات المستمرة على شاطىء الرملة البيضاء، أصدر الإئتلاف المدني و”جمعة الخط الأخضر” وحملة “بدنا نحاسب” بيانا ردت فيه على بلدية بيروت، وفندت المغالطات القانونية ووثقت فعل التعدي.
أشار البيان إلى أنه “بتاريخ 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أصدرت دائرة العلاقات العامة في بلدية بيروت بياناً تتحدث فيه عن الأعمال الجارية على شاطئ الرملة البيضاء في موقع الـ “إيدن روك”، تضمّن جملة مغالطات ومعلومات مجافية للحقيقة. على ضوء ذلك، ارتأينا أن الرد على هذه المغالطات ضروري منعاً للتشويه والتعمية والتضليل! توضيحاً للرأي العام”.
وأكد أن “الموقع حيث تجري أعمال الحفر والبناء في العقار رقم 3689/المصيطبة يقع داخل المسبح الشعبي خلافا ما يزعمه البيان، لأن المسبح الشعبي هو كامل الشاطئ الرملي لمنطقة الرملة البيضاء والممتد من الصخر البحري (التلّة) شمالاً إلى الصخر البحري (التلّة) جنوباً، أي كل المساحات التي تغطيها الرمول البحرية، وليس محصوراً بالمنطقة التي هي تحت الخط المستقيم لكورنيش الرملة البيضاء، فالمكان الذي تجري عليه الأعمال هو ضمن شاطئ الرملة البيضاء أي ضمن الشاطئ الرملي كله، وهذا ما تؤكده دوماً المديرية العامة للنقل البري والبحري، كما المستندات التي على أساسها تمّ إنشاء هذا (المسبح المجاني للعموم)”.
وأضاف البيان: “قدّم بيان بلدية بيروت عبارات يراد منها ظهور المحافظ والمجلس البلدي بأنهما الحارسان للمسبح الشعبي والأملاك العمومية الأخرى. السؤال الذي يطرح نفسه: من هي الجهة التي سمحت أو تغاضت عن إستباحة أجمل واجهة بحرية لبيروت بمياه الصرف الصحي والنفايات وردميات المقاولين الذين أخذوا على عاتقهم تغيير طبيعة الأرض وتكوينها؟ وكيف يسمحا لشركة خاصة بالتعدي على الشاطئ الرملي وجرف رموله من داخل وخارج الموقع، على الرغم من صدور قرارات لتوقيف الأعمال من وزارة النقل والمديرية العامة للنقل البري والبحري؟ وبأي حق يسمحان بإقامة ساتر ترابي وردميات على الشاطئ ورموله، مع شفط مياه البحر في المساحة التي يتم تنفيذ الإنشاءات عليها وجعلها تتدفق مباشرة على الرمول بواسطة الأنابيب، ما أدى إلى إنجراف الرمول البحرية إلى عمق البحر، والإضرار بيئيّاً بالنظام الإيكولوجي والتنوع البيولوجي للشاطئ؟”.
وتساءل البيان أيضا: “وأخيراً وليس آخراً كيف سمحا لشركة أخرى خاصة أن تزيل بالجرافات الدرج الذي يؤدي إلى الشاطئ والمبين في خريطتهم زورا ًبأنه خشبي قديم، علماً أنه من الباطون المسلح والبلدية هي ذاتها من أنشأته في العام 2003-2004؟”.
تشويه الواقع
في ما يتعلق بحماية الأملاك العمومية الأخرى، سأل البيان “المجلس البلدي والمحافظ: أين حمايتكما للأملاك العمومية وأنتم الذين سمحتم بتسييج منطقة الدالية؟”.
وتابع البيان: “من ناحية أخرى، تحدث البيان المقتضب أن العقار موضع الإعتراض هو أملاك خاصة منذ العام 1932، استناداً إلى خريطة تعود لذلك العام من دون إظهارها. طالما هذا الكلام ثابت لديهما فلماذا لم يبرزا خريطة المساحة العائدة للعام 1932؟ إن العقارات الأربعة: 3689، 3690، 3691، 3692 التي تم ضمّها تحت رقم العقار 3689 موضع النزاع أُنشئت في العام 1949 بموجب مشروع إفراز بين أشخاص ادّعوا ملكية هذه المنطقة بموجب سندات، وقد سُجّلت هذه العقارات على انّها قطع أرض رمليّة، كما نضيف هنا أنه إذا كانت أرض العقار الطبيعية مرتفعة وغير رمليّة (أي صخريّة بحسب مهندسي البلدية)، فمن حقنا أن نسأل عن من يقف وراء هذا التناقض مع التصنيف الأصلي، بالإضافة الى تشويه الواقع بهدف جعله قابلا للبناء حسب الأنظمة. فمن أين جاء إذاً الجدار الحجري الداعم للطريق مع أساسات من الباطون والذي يصل علوه إلى حوالي 8 أمتار!؟ وماذا حلَّ بشارع “أم كلثوم” (ملك عام رقم DP 66) الذي تم تنفيذه كاملاً ما بين 1958 وبداية 1963 بنفس الوقت مع كورنيش الرملة البيضاء، وانطلاقاً من نفس المرسوم (عام 1957) إذ ان هذا الشارع الذي يصل حتى حدود بيروت الإداريّة هو تكملة للكورنيش (نسبة للتنقّل الداخلي)، ولماذا تم تشييد ممر سفلي/مجرى أثناء تنفيذ الطريق؟ أما الخريطة التي أبرزت للقول أنها صادرة عن دائرة المساحة لعام 1962، فقد أزيل عنها عمداً (تحديد إمتداد البحر) لعام 1955، والذي يبين أن المياه كانت تصل حتى حدود طريق “أم كلثوم” غرباً، بمعنى ان ذلك العقار موضوع الأعمال كان مغطى بالمياه”.
وأردف البيان: “إن القرار 144/س لعام 1925 الذي يقول أن الأملاك العامة البحرية هي كل ما تصل إليه الأمواج لأعلى نقطة برية في فصل الشتاء، وهذا لا علاقة له بمستوى البحر على الشاطئ. فما قدمته البلدية (المحافظ والمجلس البلدي) هو إثبات ضد إدعاءاتهما. باختصار، إن حدود البحر هي بداية الملك العام وليس نهايته التي هي على بعد عشرات الأمتار صعوداً في فصل الشتاء، ولتحديد تكوين وطبيعة أي عقار، يجب العودة إلى المستندات التاريخية العائدة لفترة تكوينه أو قبلها أو الأقرب إليها حيث أمكن، وهنا نؤكد انّ جميع الصور من جوية وعادية وخرائط ومخططات من جميع الأنواع والمصادر، تثبت دون أدنى شكّ أن هذا الموقع رملي بحري بكامله واستمرار للشاطئ كما في الوصف عند تكوينه، خصوصاً ان الصور الجوية الصادرة من الشؤون الجغرافية في عام 1956 وعامي 1962 و1963 وغيرها من الصور عالية الدقة تثبت أن هذا الموقع رملي وهو بنفس مستوى الشاطئ”.
فضيحة
وتابع البيان: “هنا نصل إلى مشروع البناء الحالي وقانونيته، فقد ذكر البيان (بلدية بيروت) أن الاعمال الجارية تستند إلى ترخيص بالبناء معطى وفقاً لأنظمة وقوانين البناء! نسال أولاً إذا كان المحافظ متأكدا لهذه الدرجة من صحة رخصة البناء، فلماذا يرفض إبرازها مع مستنداتها من ملف تقني إلى مخططات وخرائط ويمتنع عن تسليمها لمن يطلبها؟ ونضيف على ضوء ما يقوله البيان بأنه في آخر تحديد من قبل مصلحة المساحة سنة 1962 والمبني على خرائط المساحة لا تصل مياه البحر إلى الموقع الذي تجري فيه الأعمال. كما تم توزيع صورة جوية غير واضحة المعالم من العام 1973 لتعزيز هذه المزاعم. إذا كان الواقع كذلك، هل كلفت البلدية والمحافظ نفسيهما عناء التحري عن حقيقة وضع هذه العقارات نسبة إلى البحر والأملاك العامة البحرية؟ بالتأكيد كلّا، فالبيان لم يذكر أن هذه العقارات، وفي تحديد آخر لخط البحر عائد لعام 1964، ارتُفقت جميعها بتعدٍ على الأملاك العامة البحرية، وبمساحة إجماليّة تقارب 2180 م2 من أصل 5188 م2، أي حوالي 42 بالمئة من المساحة الإجمالية، وأن اثنين منها ارتُفقا أصلاً بعدم البناء. وأغفل البيان أن هذه الإرتفاقات أُزيلت بطريقة مريبة ولم تتكبد البلدية عناء التحقق من قانونية إزالة هذه الإرتفاقات والإشارات؟ وكيف يعقل في ظل القوانين والأنظمة المتبعة لحماية للملك العام البحري، عدم إعتماد تراجع العشرين متر من ضمن العقار الخاص، الواردة في مراسيم عام 1966 ما يجعل هذا العقار غير صالح للبناء والإكتفاء ببضعة أمتار فقط. وهذه فضيحة بحد ذاتها؟”.
إبطال رخصة البناء فورا
وتساءل البيان أيضا: “كيف يعقل أيضاً أن يكون المحافظ الذي جمّد الأعمال في شهر حزيران (يونيو) من العام 2016 لأسباب محددة، منها وجود ترقين (إزالة) لإشارات وارتفاقات على عدّة عقارات، ومن ثم قام بعد شهرين من “الدرس” بالسماح بالأعمال مع تعهد من المالكين سامحاً لهم بإنشاء طبقات سفلية على أقسام من هذا العقار، أي حتّى دون إحترام “إتفاقيّة أطراف الضم والفرز” بعدم البناء على العقارين الأساسيين 3691 و3692 ودون تعديل أي مساحة للملك أو لمساحة الإستثمار؟ أي أنه أصدر الرخصة دون حسم مساحة التعدي على الأملاك العامة البحرية، ودون احتساب فارق عامل الإستثمار بين صفر على مساحة العقارين 3691 و 3692 و30 بالمئة على العقارين 3689 و3690. كذلك فهو لم يحسم مساحة أكثر من 300 متر مربع مستملكة لصالح طريق أم كلثوم”.
ورأى البيان أنه “يجب ان يتمّ فوراً إبطال رخصة البناء التي صدرت عن المحافظ ومحاسبة كل من يبيّنه التحقيق متورطاً في هذا التعدّي على (ملك الشعب)، كما أن قرار المحافظ بالسماح بمتابعة الأعمال بدون تبرير رجوعه عن قرار التجميد بنداً بنداً، يضعه أيضاً محل مساءلة على عدة أصعدة وليس فقط في ما يتعلّق بهذا العقار، ومنها هل هو الجهة الصالحة للتنازل عن المساحات العامة البحرية المعتدى عليها لصالح أشخاص؟ بالتأكيد كلّا”، وتساءل: “لكن أليس هو المسؤول قبل القيام بأي تحرير، لتصحيح او أقله لطلب التحقيق بأيّ وضع شاذ بهذه الأهميّة؟ بالتأكيد نعم”.
وتابع البيان: “أسئلة ليست فقط برسم المحافظ ورئيس وأعضاء المجلس البلدي بل برسم كل أصحاب المسؤولية في هذا البلد، فبدلاً من التضليل المُتكرّر الذي مارسه المحافظ بمطالبته وزارة النقل تحديد وترسيم الأملاك العمومية البحرية كان أجدى عليه الطلب من الوزارة رأيها تحديداً بعمليات ترقين إشارات التعدّي على الأملاك العموميّة البحرية، خصوصا ان هذا الترقين الذي تمّ في عام 2005 لم يمرّ بإحترام القوانين عن طريق المديرية العامة للنقل البري والبحري”.
وختم البيان: “إننا ندعو المحافظ وبلدية بيروت بالتراجع عن قرار التحرير للعقار 3689أعلاه، وتوقيف لا بل إلغاء رخصة البناء هذه، مع الطلب بإعادة إظهار شارع “أم كلثوم” بشكل كامل عن طريق إزالة جميع الردميّات عنه، والقيام بما يلزم لكي يتمّ تثبيت عدم البناء وعدم المس بكامل شاطئ الرملة البيضاء كما المنطقة الصخرية والرمليّة جنوباً لكل ما هو ما بين هذا الشارع المثُبّت تحت رقم DP66 حتى الحدود الجنوبيّة لبيروت الإدارية والبحر،ب الإضافة الى جميع المساحات الواقعة بين كورنيش الرملة البيضاء والبحر دون استثناء. وعداً أننا سوف نظل حراساً للشاطئ وللأملاك العمومية البحرية، ولن نسمح باستباحة حقوق الناس من أي كان ومهما بلغ موقعه، لأن هيدا البحر لكل الناس ونحنا حراسه”.