امتدت عدوى قضم الأملاك البحرية العامة شمالا، لتطاول مدينة طرابلس، ولتستهدفت تحديدا منطقة كورنيش الميناء لصالح نافذين ومتمولين، وبقرار قضائي حوّل الملك العام إلى خاص، تماما كما هو الحال مع سرقة واستباحة شاطىء الرملة البيضاء في العاصمة بيروت، في ما يمكن توصيفه بـ “خصخصة” الأملاك البحرية العامة، في سابقة تضع الدولة أمام تحديات تطاول هيبتها وحضورها، وتبقي علامات استفهام ماثلة حيال تغطيتها فعل السرقة أو المصادرة.
وفي هذا المجال، نظمت “الحملة المدنية لحماية شاطئ الميناء” أمس، وبالتزامن مع مسيرة وتظاهرة في الرملة البيضاء، اعتصاماً شعبياً حاشداً بمشاركة رئيس بلدية الميناء وأعضاء من مجلسي بلديتي طرابلس الميناء ومخاتير وفاعليات أهلية ومدنية، وذلك رفضاً للقرار القضائي بتمليك المسطح المائي في القسم الغربي من كورنيش الميناء وإسقاطه من الأملاك العامة البحرية إلى أملاك خاصة، وقد تلا كلمة الحملة الدكتور سامر أنوس، وفي ما يلي نص الكلمة:
مصادرة وسرقة البحر
“من شاطئ الميناء الى الرملة البيضاء الوجع واحد، والحملة واحدة، من أجل حماية حق المواطن اللبناني في بحره وشاطئه وبره وهوائه. هناك من يستكثر علينا ان يكون لنا هواء نظيف وشاطئ نظيف وبحر يتسع لكل الناس، بعد ان استكثروا علينا ان يكون لنا وطن ومؤسسات دستورية تعمل بانتظام وانتخابات دورية في موعدها، واستكثروا ان يكون لنا فرص عمل لائقة لشبابنا واحترام حقوق نسائنا وفتياتنا وحرمونا طويلا من حقنا في التنمية ومن الانماء المتوازن”.
ولفت إلى “اننا نواجه منطقا وممارسة ترفض الاعتراف بكل ما هو شأن عام ومصلحة عامة وتسعى الى مصادرته، وصولا الى محاولة مصادرة وسرقة البحر نفسه”.
وأضاف: “ما يجري على الكورنيش البحري في الميناء في قضية العقار الوهمي رقم 1403 يفوق الخيال، قاض يسقط الملك العام سهوا ويحوله الى ملك خاص، ويحول معه البحر الى بر، ووزارة اشغال ترخص لأعمال غامضة في توقيت غامض، دون علم البلدية، وأخبار غامضة أيضا عن مشاريع ردم البحر لا نعرف الجدي منها من غيره، وكأن المطلوب ان نعتاد فكرة أن يبلط بعض أصحاب النفوذ البحر، ويضعون يدهم على ما هو حق للمواطنين جميعا”.
وتابع أنوس: “اننا، نحن أبناء الميناء وطرابلس وكل لبنان، نعلن اننا سنقف سدا منيعا امام هذا الفصل الجديد من ممارسات انتهاك حقوقنا، وسنمنع ذلك بالتأكيد، يساندنا في ذلك موقف المجلس البلدي الذي يتصرف اليوم باسم مواطني الميناء ويمثلهم في موقفهم هذا، ومعنا أيضا القانون الذي نص صراحة على ان كل الجهة الغربية من كورنيش الميناء هي منتزه بحري عام وأملاك عامة لا يجوز تجزئتها ولا البناء عليها لا قصدا ولا سهوا”.
فساد ما بعده فساد
وأردف: “بهذه المناسبة نوجه الرسائل الآتية:
للحكومة العتيدة التي يتقاتل الأطراف اليوم للحصول على وزارة الاشغال فيها وهو أمر ذو دلالة تصل الى حد الفضيحة، نقول: نطالبكم بأن تنقلوا صلاحية ملف الأملاك البحرية من وزارة الاشغال الى وزارة البيئة فورا، لوضع حد لمسلسل المجازر التي ترتكب تحت سمع وبصر وزارة الاشغال منذ سنوات.
للجسم القضائي والزملاء المحامين، نقول: انتم حراس الحق العام والحق الخاص، وقد خولكم الدستور والقانون مسؤوليات ووجبات خطيرة، واعتبركم أمناء على حقوق المواطنين. فلا تفرطوا ولا تهملوا هذا الدور، ولتعلموا ان ثقافة الحقوق شائعة اليوم بين المواطنين، ولذلك هم يستغربون ان لا يكون القضاة والمحامين من أبرز المتشبعين بحقوق الانسان كلها، ومن ضمنها الحقوق البيئية وغيرها.
لرجال الاعمال نقول: احرصوا على ان لا تساهموا بممارساتكم في تعميق الهوة بين الأغنياء وأصحاب النفوذ وبين سائر المواطنين، وتجنبوا مزاوجة المال والسلطة، لان في ذلك فساد ما بعده فساد. وحالوا ان توسعوا آفاقكم فلا يقتصر نشاطكم الاقتصادي على القطاع العقاري وغيره من الأنشطة الريعية فتساهمون في إعادة انتاج دورة الخمول الاقتصادي والاجتماعي في طرابلس والميناء. واعلموا اننا لا نعتبر ان القطاع الخاص وأصحاب الاعمال هو حفنة قليلة العدد من النافذين، بل هم آلاف المنتجين والمقاولين من أصحاب الاعمال والصغيرة والمتوسطة الذي يسهمون في نهضة مدينتهم، والذين تتعرض حقوقهم أيضا للانتهاك على يد هؤلاء النافذين انفسهم”.
مواجهة المغتصبين
وتوجه البيان للمجلس البلدي “نشد اعلى اياديكم فردا فردا، وعلى يد رئيس البلدية، وسوف نسير جنبا الى جنب في هذه المعركة المحقة، كل يقوم بدروه ويتحمل مسؤوليته. فأنتم تمثلون مواطني الميناء، والتمثيل لا يقتصر على الحصول على أكثرية الأصوات يوم الانتخاب فحسب، بل هو فعل يتجدد يوميا بالموقف والممارسة. وبلدية الميناء، بلديتنا نحن أبناء الميناء وطرابلس وأبناء كل بلديات لبنان، تقدم المثال بين بلديات لبنان في وقوفها الى جانب أبنائها ومواطنيها والى جانب الحق العام في مواجهة المغتصبين. وندعو المجلس البلدي الى الثبات والاستمرار، ونحن معه وخلفه وامامه كلما اقتضت الظروف في هذه المعركة. وللقوى السياسية في الميناء وطرابلس نقول: لا تلطخوا ايديكم بهذه الجريمة المفضوحة، ونحن نحملكم أيضا مسؤولية التضامن معنا، او على الأقل ندعوكم الى عدم تقديم أي تغطية للمعتدين على الملك العام، مهما كانت المصالح والعلاقات، وندعوكم الى عدم تفضيل مصالح القلة على المصلحة العامة، فمثل هذا الموقف سيرتد عليكم سلبا”.
وختم أنوس: “لعموم المواطنين والمواطنات في الميناء وطرابلس، وفي الرملة البيضاء وبيروت، وفي كل مكان على امتداد هذا الشاطئ المغتصب، لنكن جميعا يدا واحدة، يجمعنا الانتماء المواطني واحترام الحق والدستور والقانون والملك العام، ونجاحنا اليوم في معركة كورنيش الميناء، سيكون فاتحة نجاحات أخرى بالتأكيد، ونحن مستمرون في معركتنا حتى النهاية، والى مواعيد قريبة”.