مي الشافعي – الحياة
بين صورة الدب القطبي الحائر تحت شمس أكثر حرارة بعشرين درجة مئويّة من المعتاد، وصورة فوز الرئيس الشعبوي دونالد ترامب الرافض تصديق الاحتباس الحراري والمهدّد بالانسحاب بأسرع وقت من «اتّفاق باريس- 2015» للحد من تفاقمه، لم تجد «القمة العالميّة للمناخ» («كوب 22» COP22) من تراسله، (اقتباساً من عنوان رواية لغبريال غارسيا ماركيز). ومع دخول كازاخستان في برد قارس غير معهود تاريخيّاً وصل إلى 30 درجة تحت الصفر، وصورة الدب القطبي «تائهاً» بين قطع ثلج متفككة بتأثير حرارة تفكك الغطاء الثلجي للأرض، و «تمدّد» غير معتاد للصيف في منطقة الشرق الأوسط جعله يستمر إلى آخر الخريف، كان معظم نشطاء البيئة يؤكدون أن الدلائل على اضطراب المناخ بتأثير التلوّث لم تعد موضع جدال.
واستطراداً، انتظر نشطاء البيئة في شتى أرجاء الأرض أن تكون «قمة مراكش العالميّة للمناخ»، صرخة مدويّة بأن الوقت داهم الجميع لمحاربة الاضطراب في المناخ، خصوصاً التلوث وما يرافقه من تفاقم في الاحتباس الحراري.
لكن، لا! فرضت السياسة القاسية معطياتها الأشد قسوة على المناخ وجهود مكافحة اضطرابه وتلوّثه. جاءت صناديق الاقتراع الأميركيّة بالرئيس دونالد ترامب الذي يعتبر اضطراب المناخ «أسطورة فبركتها الصين»، على رغم الأصوات العلميّة العالية في بلاده ضد ذلك المنطق. جاءت السياسة برئيس الدولة العظمى التي انتظر العالم عقوداً كي تضع توقيعها على اتّفاقات ملزمة للمناخ، فجاء ترامب الشعبوي ليقسم مغلظاً بأن يسحب توقيع بلاده عن «اتّفاق باريس»، بمجرد استقراره فوق كرسي المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. إذا صدق ترامب في وعوده، فسيكون مجرد تكرار مأسوي لما فعله الرئيس اليميني المتطرف جورج دبليو بوش الذي جاء من صفوف «المحافظين الجدد»، ليقول أنه لا يصدق العلماء (وضمنهم علماء بلاده بالذات) في المناخ، وسحب توقيع سلفه الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون عن «اتّفاق كيوتو- 1997» الملزم عن المناخ!
تقارير ملزمة
في ظل تلك المخاوف التي لم تهدّئها كثيراً تطمينات وزير الخارجية المشارف على انتهاء ولايته جون كيري باستمراريّة العمل بـ «اتّفاق باريس»، انعقدت «قمة مراكش للمناخ». وإلى حدّ ما، رفعت تلك المخاوف درجة التحدّي في أجواء القمة التي كان المشاركون فيها على قناعة بوجوب العمل فوراً، وإلا فإن المناخ لن يمهل أحداً على الكرة الأرضيّة. وكذلك جهد المشاركون كي تكون القمة خطوة على طريق كبح التطرّف المناخي، بمعنى الإبقاء على معدل ارتفاع درجات الحرارة أقل من درجتين حتى نهاية القرن 21. وشدّدوا أيضاً على ضرورة تفعيل «اتّفاق باريس» بعد دخوله حيز التنفيذ.
وشهدت قمة مراكش زيادة في عدد الدول التي قدّمت تقارير إسهاماتها الوطنيّة في مجابهة تغيّر المناخ، تعبيراً منها عن التزامها بما اتّفِق عليه في باريس، وهي تقارير حاسمة في شأن حسابات التأثيرات المتنوّعة للاضطراب في المناخ. وشهدت القمة أيضاً عدداً من المبادرات التي سعت إلى الدفع قدماً بجهود كبح تطرّف المناخ. وجاءت المبادرات من الحكومات والقطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني، مع مشاركة شعبيّة واسعة فيها. وخرجت القمة بـ «وثيقة عمل مراكش»، التي وقّعها المشاركون. وتحدّد الوثيقة العام 2018 حدّاً فاصلاً للانتهاء من حصر الالتزامات الدوليّة في شأن تفعيل «اتّفاق باريس»، ووضع أسس لتقويم تلك الالتزامات وحساباتها، بعد أن تقدم الدول كلها تقاريرها الوطنية عن المناخ.
ولوحِظَ حدوث تقدّم على طريق توفير بعض التمويل لمشاريع المناخ. في المقابل، ظلّت إشكاليّة التمويل الأساسي المتعلّق بتوفير مئة بليون دولار لدعم «الصندوق الأخضر للمناخ»، مؤرقة لأعمال قمة المناخ. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2015، وعدت الدول المتقدّمة بتقديم ذلك التمويل على امتداد 5 سنوات، بقصد دعم جهود الدول النامية مكافحة اضطراب المناخ. وحتى الآن، لا توجد شفافية في إعلان تلك الالتزامات، بل إن بعض تقارير التنمية أشار إلى وجود فجوة في تمويل مشاريع المناخ في السنة الماليّة 2014- 2015.
العودة إلى الطبيعة
بين اللمحات التي التمعت في «قمة مراكش»، برز الاهتمام بالابتكارات العلميّة، خصوصاً تلك التي ينجزها الشباب. وفاز بـ «جائزة الشباب» ثلاثة طلبة، هم صلاح الدين متشرف (الطالب في «الجامعة الدوليّة» في مدينة الدار البيضاء- شعبة ميكانيكا الطاقة)، وراوية المهر (من «كلية العلوم والتقنيات» في «جامعة المحمديّة»- المغرب)، وسفيان إبراهيمي (من «كلية العلوم والتقنيات- شعبة الفيزياء التطبيقيّة» في «جامعة المحمديّة»). وعمل الثلاثة على فكرة اختراع «ثلاجة طبيعية»، مكوّنها الرئيسي هو التربة. وتتألف من مزهريتين من الطين: الأولى متوسطة الحجم والثانية حجمها كبير، وتفصل بينهما تربة مبلّلة بالماء تُسقَى مرة يوميّاً. وتوضع الأطعمة والمشروبات في المنطقة الوسطى في «الثلاجة»، فتحفظ الأطعمة لقرابة 15 يوماً، شرط وضعها في مكان جيّد التهوئة وبعيد من أشعة الشمس، إضافة إلى تغطيتها بقماش طبيعي. وتتناسب تلك «الثلاجة» مع ظروف القرى، مع ملاحظة أن وزنها يتراوح بين 8 و9 كيلوغرامات.
وقدّم الشاب المغربي علاء حميوي فكرة نفّذها فعليّاً بإنشاء نُزُل في منطقة قروية في ضواحي مدينة فزّان، مستخدماً تقنيات بناء محليّة ومواد متوافرة في بيئة تلك المنطقة. واستخدم تــــقنية كانت تستعمل قبل 40 سنة لكــنها هُجِرَت، مؤكداً جدواها الاقتصاديّة. ويستضيف حميوي زوّار القرية مجاناً، في مقابل تقديهم خدمات بسيطة تساعد أهالي القرية.
نقل التكنولوجيا مطلب أساسي للدول النامية
استطاع «الصندوق الأخضر للمناخ» تحقيق بعض الخطوات باستخدام ما أتيح له من تمويل حتى الآن. وخلال «قمّة مراكش»، أعلن دعمه إعداد الخطط الوطنية للتكيّف مع اضطراب المناخ في ليبيريا ونيبال. وأشار إلى تقدّم 20 دولة أخرى بطلبات لتمويل مشابه، وإلى أن الصندوق بات بصدد المصادقة على تمويلها بـ3 ملايين دولار لكل منها.
وفي تطوّر مشابه، بيّن «مرفق البيئة العالمي» أنه وافق خلال عام 2016 على ما يزيد على 30 مشروعاً تتعلّق بخفض انبعاث غازات التلوث، ونقل التكنولوجيا المتصلة بمكافحة التلوث.
وشهدت «قمة مراكش» حدوث تقدّم في مجال نقل التكنولوجيا إلى الدول التي تحتاجها، إذ أطلقت أعمال لجنة مختصّة ببناء القدرات في الدول النامية، وفق ما نص عليه «اتفاق باريس». وبرز في القمة أيضاً اهتمام ملحوظ بما تطالب به الدول النامية من إيلاء آليات التكيّف مع اضطراب المناخ والتخفيف من آثاره اهتماماً. ويحسب للمغرب حسن تنظيم «قمة مراكش» التي كانت الحدث الأول في أفريقيا الذي ينال شهادة الـ «إيزو 20121» الخاصة بدمج التنمية المستدامة في نشاطات متنوعة، إذ حرص المنظمون على خفض الانبعاثات المضرة بالبيئة، وجعل النشاط البشري متوافقاً مع البيئة في الطاقة والمطاعم والاستهلاك وتدوير النفايات وغيرها.
ولم يتردد بعض المشاركين في «قمة مراكش»، في الإعراب مباشرة عن آرائهم في شأن الانتخابات الرئاسية الأميركية، خصوصاً ما يتعلّق بالتزام واشنطن «اتفاق باريس» عن المناخ. وفي تصريحات إعلامية أدلى بها صلاح الدين مزوار، رئيس المؤتمر، تمّ التشديد على ضرورة التزام الأطراف الموقعين «اتفاق باريس» مواصلة العمل على مجابهة تغير المناخ. وقال أن «قضية تغير المناخ تعني الحفاظ على سبل البقاء للجنس البشري والكوكب الذي يعيش عليه. نحن مقتنعون بأن الجميع سيحترم التزاماته في إطار ذلك الجهد الجماعي المتواصل».