ما يزال طائر البوم Owl أسير موروثات لا تمت إلى الحقيقة بصلة، خصوصا وأن الثقافة العربية القديمة كرسته نذير شؤم، إذ كان يؤم المضارب التي غادرتها القبائل نتيجة الجفاف والانتقال طلبا للماء والكلأ، لكن في حضارات أوروبية ثمة تقديس لهذا الطائر، ويعتبر فأل خير، وكان شعار بعض الممالك القديمة.
أيا تكن النظرة إلى هذا الطائر، يبقى الثابت والمؤكد أنه صديق للبيئة، فهو يقتات على الجرذان والفئران التي تهدد المحاصيل الزراعية، إلا أنه يتعرض ليس لاستباحة أعشاشه فحسب، وإنما يطارده الصيادون ويقتلون منه أعدادا كبيرة، بالرغم من أنه طائر ليلي، وغالبا ما يتم اصطياده قبيل المغيب أو في ساعات الفجر الأولى.
وقد اتجه بعض التجار إلى شراء بعض هذه الطيور ابتغاء للربح، كون البعض يعتبرها فأل خير، وبدأ ببيعها كحيوانات أليفة، ومنهم إحدى العائلات التي اقتنت بومة من نوع بوم الحظائر وأسموها Twilight أي “الشفق”، وهي الفترة التي تغيب فيها الشمس ويبقى بعض من الضوء، وينشط فيها هذا النوع من الطيور.
ولكن بعد اقتناء Twilight بشهر، تواصلت العائلة مع greenarea.info، طالبة المساعدة بإعادته إلى حياته البرية، وقالت هناء الحسيني أن “البوم Twilight لم يتأقلم في الأسر، فهو يتناول الطعام قليلا لكنه يتخبط داخل القفص يريد الخروج”، ورأت أنه “طائر بري، ومن الظلم الاحتفاظ به في قفص”، وأرادت العائلة التأكد من إرساله إلى جهة تعيد تأهيل البوم تمهيدا لعودته إلى البرية.
من الطريق الجديدة إلى عاليه
وعن كيفية معرفتها بموقعنا، قالت أن “greenarea.info ساعد صديقة لها بإرشادها لدورة مختصة برعاية قفران النحل، وهي من دلت العائلة على إمكانية إنقاذ الطائر وخصوصا بعد متابعتنا قضايا عديدة كقضية إنقاذ الضبع بيلا، والسلحفاة البحرية لاكي“.
وبدورنا تواصلنا مع رئيس “مركز التعرف على الحياة البرية” Animal Encounter الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية – كلية العلوم البروفسور منير أبي سعيد في مدينة عاليه (جبل لبنان)، فأبدى تجاوبا في استقبال “Twilight” والإعتناء به تمهيدا لإطلاقه في البرية، وتوجه greenarea.info إلى منطقة الطريق الجديدة في بيروت، وحصل على الطائر ونقله إلى المركز للعناية به، قبل إعادة إطلاقه في الطبيعة.
وما نزال نتابع وضع الطائر، بالتواصل يوميا مع أبي سعيد الذي أشار إلى أنه “آثر إبقاءه في قفصه الأصلي لفترة أكبر، كون ريش أجنحته وذيله قصير بسبب تخبطه بالقفص الذي هو أصغر من مدى أجنحته، ولأنه لا يأكل بصورة جيدة، وأنه في حالة توجس من تغير المحيط”، ويحاول أبي سعيد أن يجعله يعتاد على طعامه الأصلي، من خلال تأمين الفئران والجرذان له، فيما كانت الحسيني تطعمه طيور فري مثلجة، ولفت أبي سعيد إلى أنه سينقله لاحقا إلى قفص أكبر ليتمكن من الصيد بنفسه، وعندها يمكن إطلاقه نهائيا إلى فضاء الحرية الرحب.
وأوضح أبي سعيد بعض المعلومات عن هذا الطائر فقال: “هذا النوع من البوم، يسمى باللغة العربية “الهامة”، أو “البومة البيضاء” واسمه العلمي Tyto alba، أو بومة المزارع والحظائر Barn owl، وعلى الرغم من أنه غير مهدد بالإنقراض كونه منتشرا في معظم أنحاء العالم، ولكن للأسف في لبنان فكل شيء مهدد، وقد وصلنا هذا العام عدد كبير من البوم الجريح، بمعدل 2 إلى 3 طيور شهريا مصابة بجراح، أو تم التقاطها بطريقة أو بأخرى، وهذا النوع يختلف عن البوم العادي لأن وجهه يشبه شكل القلب، وليس شكل التفاحة، ويسمى بالفرنسية chouette بينما أنواع البوم الأخرى تسمى hibou”.
إعادته إلى البرية
وأضاف: “تتكاثر هذه الطيور بالإعتماد على وجود الغذاء ووفرته، بعكس الإنسان يتكاثر كلما زاد فقرا، خصوصا عند تكاثر الثديات الصغيرة مثل الفئران والجرذان، وهي غذاؤها المفضل والرئيسي، لذا تتواجد في الحظائر حيث تكثر هذه القوارض، ويصل عدد البيض في كل مرة حتى 7 بيضات، لكن الأنثى تبيض كل يوم بيضة، والسبب في هذا أنه في حال وجود الغذاء يمكنها تغذية كل الصغار، أما في حال قلته، تبدأ بإزاحة البيض الإضافي من العش، ويفقس البيض تدريجيا، ويمكن أن يفقس جميعه وفق توفر الغذاء من قبل الوالدين، حيث يصطاد الأب وتبقى الأم لرعاية الصغار وإبقائها دافئة”.
ولفت أبي سعيد إلى أن في هذا النوع من البوم “تتزاوج الأنثى مع ذكر واحد طيلة حياتها وتستعمل ذات العش”، أما بخصوص Twilightوإعادة تأهيله، فقال: “سيعود إلى الطبيعة لأن غريزة الحيوان تغلب عليه، فمن ملاحظاتنا أن الحيوانات حتى التي تولد في الأسر، تتمكن من العودة إلى البرية، وقد تأخذ بعض الوقت، لإعادة التأهيل لجهة الطيران والحصول على الطعام، وقريبا سننقلها إلى قفص كبير، وقد جهزنا لها قفصا خاصا، كون ريش أجنحتها وذيلها متكسر، لينمو الريش جيدا تمهيدا لإعادته إلى البرية”.
وقال أبي سعيد “أن هناك عمليات صيد تطاول هذا الطائر، ومن المتوقع أن نشهد كمية أكبر من الفئران والجرذان، وقد درسنا ما نسميه الـ Pellet وهي لقمة تلفظها هذه الكائنات من فمها، وهي عبارة عن فراء وعظام فرائسها التي لا تستطيع هضمها، ونعرف منها كمية الجرذان والفئران التي اصطادها البوم، فوجدنا في كل Pellet من 3 إلى 5 من رؤوس الفئران والجرذان، وتلفظ بمعدل بين 3 إلى 4 Pellets كل ليلة، أي من 10 حتى 15 فأرا بالليلة، وأكثر إن كان لديها صغارا، وعادة تطلع بعد المغيب، أما إن كان لديها صغارا، فقد تطلع بالنهار بهدف صيد المزيد لتغذيتها، ولا زلنا ندرس أنواع الـ Pellets من أنواع بوم مختلفة للتعرف على مكونات غذائها”.
يظن الإنسان أنه الأقوى
وعن محتويات الـ Pellet قال أبي سعيد: “تتنوع فريسة هذا النوع من البوم، فقد تأكل الحشرات الكبيرة والطيور الصغيرة وغيرها، فقد وجدنا في إحدى الـ Pelletsبعض العصافير، إلا أن وجبتها الرئيسية بحكم عيشها بين البيوت والمزارع فهو الفئران والجرذان، أما أنواع البوم الصغيرة مثل Little Owl واسمها العلمي Athene noctua فإن غذائها منوع، منه الحشرات مثل عثة الملابس ما يوفر استعمال النفتالين والمواد الكيميائية والمبيدات والزواحف مثل الحرباءات والعظاءات وغيرها”، وقال: “عملية الصيد لدى هذا النوع من البوم وغيره من هذا النوع من الطيور مميز، فلدى هذا النوع أذن أعلى من الثانية ولها حاسة سمع خارقة، والأجنحة مميزة بريش لا يصدر صوتا، ما يمكنها من تحديد مكان الفريسة دون أن تراها وأن تمسكها بدقة ودون أن تتنبه الفريسة لهذا، وعلى أبعاد كبيرة، ومن هذا الطائر يبتكر العلماء تكنولوجيا الأدوات الكهربائية والآلات الضخمة دون صوت مثل المراوح، والطائرات وغيرها، عدا عن أن هذا الطائر هو الوحيد الذي يمكنه ان يدير رأسه إلى 270 درجة ليرى كل محيطه، أما بالنسبة لكل هذه الموروثات أنها شؤم وخلافه، فهي مجرد خزعبلات”.
وعند سؤاله عن إمكانية إطلاق Twilight في محمية، قال أبي سعيد: “ليس مهما أن نطلقها في محمية، لأنها لا تعيش في محميات بل تتجول قرب المزارع والبيوت وأماكن النفايات، وقد نجد أنواعا أخرى من البوم في المحميات، لكن هذه بالذات يطلق عليها (هامة المزارع) وسنفلتها قرب المركز، كما أفلتنا المئات من هذا النوع بعد علاجها من جراحها بسبب الصيد، أو دخولها المنازل بالخطأ واصطدامها بالزجاج نتيجة الخوف”.
وقال أبي سعيد: “لم أعد أتأثر بإجرام البشر مثلما كنت في البداية، فالطبيعة تنتقم منا، فلنتأمل في وضع الشتاء، فالتوازن سيكتمل وتفرضه الطبيعة وبالمحصلة فسينقرض البشر إن استمروا على هذا المنوال، فقد وصلوا إلى القمة peak كما وصل الديناصور قبلهم، وبدأ الإنحدار، فالطبيعة ستأخذ حقها، ويظن الإنسان أنه الأقوى، وها هي الفيروسات والأمراض تنتشر، من الإيدز وH5N1 وأنفلونزا الخنازير، فماذا فعلوا بها؟ لا زالت الأمراض تقضي على المزيد من البشر، أليسوا الأقوى فليجلبوا المطر، أصبحنا في بداية (الكوانين) ولا مطر!، وهذا نتيجة تأثير الإنسان على الطبيعة من غابات وحروب والكسارات والعمران والاحتباس الحراري نتيجة الباطون، وقد توقعنا هذه النتائج نتيجة ممارسات الإنسان الخاطئة ومساهمته بتغير المناخ Human induced climate change وما يؤثر على الطبيعة والتنوع الحيوي بصورة سلبية وإلى أقصى الحدود”.