تناولنا في مقالة سابقة بعض أهم مفاهيم “الإقتصاد الدائري” Circular economy والأسس والأهداف التي يقوم عليها، باعتباره نظاما بيئيا متسماً بعناصر تساعد في تكريس وتعزيز “الابتكارات الخضراء” Green Innovations، وأنه يقوم كذلك على أساس واضح لجهة تعريف المخلفات على أنها موارد، أي أنه يعتمد على مبدأ الاستعادة وإعادة الاستخدام، وفق آليات معينة تضمن تعزيز التدفق المستمر للمواد التقنية والبيولوجية (السلع) والخدمات.
والجديد في هذا المجال، أن ثمة توقعات بأن يشهد السوق العالمي بحلول العام 2030 تدفقا لثلاثة مليار مستهلك جديد من الفئة الإجتماعية المتوسطة، وبحسب ما توقعه تقرير خاص لـ “ماكينزي” الشركة المتخصصة في مجال استشارات الأعمال Mckinsey، صدر مؤخرا حول “الإقتصاد الدائري”، فإنه في حال لم يكن ثمة ترشيد ملائم لاستخدام الموارد، مترافقا مع جهود واعية من قبل الحكومات والخدمات العامة والشركات الخاصة، فلن يكون بالإمكان استمرار الطلب على الموارد.
يخطىء كثيرون حتى الآن في حصر وظيفة “الإقتصاد الدائري” بإعادة تدوير المخلفات وحماية البيئة والحد من هدر الموارد، فيما العناوين الأهم التي غالبا ما يتم تجاهلها، تبقى متمثلة بسياسات أوسع وآليات مرتبطة بسبل تطبيق مبادئ هذا النوع من الإقتصاد وضمان استدامة الشركات، خصوصا لجهة إعادة تقييم شاملة لتصميم منتجاتها ونماذج أعمالها وسلسة التوريد الخاصة بها، على قاعدة أن التطبيق الصحيح للإقتصاد الدائري من شأنه أن يساعد الشركات على الإستفادة أكثر من مصادر الطاقة والموارد الأولية الأخرى التي تستخدمها، وبالتالي توظيف هذه القيمة المضافة في سبيل تحسين فعالية خدماتها، وتاليا المساهمة في العائد على استثمارات زبائنها وتشجيع سلوكيات الاستدامة في المجتمعات التي تعمل فيها.
البيئة والاستدامة
وثمة من يعتبر أن “الإقتصاد الدائري” هو مفهوم حداثوي نشأ وتطور في غضون السنوات القليلة الماضية، لكنه في الواقع، ظهر في سبعينيات القرن الماضي، في سعي نحو إعادة بناء رأس المال، إن كان ماليا، تصنيعيا، بشريا، اجتماعيا أو طبيعيا، لتعزيز عوائد الموارد عبر تدوير المنتجات والمكونات والخامات المستخدمة، أي قبل أن تنشأ أزمة المناخ، وتترسخ كظاهرة اجتمع العالم على مواجهتها في مؤتمر ريو دي جانيرو، في ما يعرف بـ “قمة الأرض” في العام 1992، وكان محركه الأساس الاستفادة من الموارد المهدورة وتطوير رأسمال الشركات، إلا أنه بات في يومنا الحاضر حاجة للحد من استنفاد الموارد الطبيعية ومراعاة البيئة والاستدامة، وتاليا تأمين وفورات مالية للشركات.
نظام الكتروني بلا أوراق
وثمة مبادرة لمجموعة “أفيردا” Averda، المتواجدة في ثلاث قارات في العالم، وتعمل مع الحكومات والشركات، وهي أيضا أكبر مزود لخدمات إدارة النفايات في منطقة “مجلس التعاون الخليجي”، تهدف إلى حث حكومات العالم وأصحاب المصالح من الشركات الخاصة والعامة إلى تغيير منهجها في العمل وإلى تحسين سلسلة قيمها، وتقليص كمية نفاياتها، وتفعيل أداء جداول إدارة النفايات، بمعنى أن على الشركات إدارة النفايات حول العالم، صغيرة كانت ام كبيرة، وأن تكون في طليعة من يقود ذهنية اعتماد مبادئ “الإقتصاد الدائري”، فضلا عن إظهار كيفية تطبيق هذه المبادئ والخطوات المحددة اللازمة للحرص على معرفة جميع المعنيين بالجهود المبذولة في هذا السياق.
ومن خلال تواجدها في قطر منذ العام 2009، وعملها في مختلف المدن القطرية، أطلقت “أفيردا” نظاما الكترونيا بلا أوراق، يقوم باستخدام 99 بالمئة من قاعدة زبائنها من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، إلى جانب عدد ملحوظ من زبائنها الكبار في قطر.
ويشمل النظام الالكتروني تلقي المعلومات وإرسالها، بالإضافة إلى إصدار الطلبات والفواتير، فتقدم حاليا “أفيردا” لزبائنها فواتير إلكترونية بدل الفواتير الورقية، والتي تتضمن أوامر الإستلام وبرهان الخدمة. ويمكن لمختلف أنظمة العمل تلقي البيانات الإلكترونية وتوفيرها للزبائن على شكل عقود أو طلبات أو فواتير الكترونية.
الإستفادة الفضلى من الموارد
وبحسب صحيفة “لوسيل” القطرية lusailnews.qa، فإن “أفيردا” في قطر تصدر ما يفوق عن 9800 أمر إستلام و700 فاتورة كل شهر. ونظرا إلى أنه يمكن صنع 16،67 رزما من الورق من كل شجرة أو ما يعادل 8،333.3 صفحة، ستتمكن أفيردا من التأثير على البيئة بشكل مباشر، وذلك من خلال إنقاذ شجرة كل شهر، وبالتالي تطبيق مبادئ الإقتصاد الدائري حيث الضرورة، أي على صعيد الإستفادة الفضلى من الموارد.
وبحسب آخر تقرير خاص بـ “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتغير المناخ”، فإن في المنطقة العربية خمسة دول وردت على قائمة العشرة بلدان الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، مع العلم أن معظم مدن المنطقة تقع في المناطق الساحلية المنحدرة.
ونظرا إلى هذا الموقع الساحلي، يمكن لارتفاع مستوى البحر بنصف متر فقط أن يسبب هجرة 2 إلى 4 مليون نسمة بحلول العام 2050.
ولا ترتكز قدرة بلدان مجلس التعاون الخليجي على منع مثل هذه الكوارث المحتملة على جهود حكومات المنطقة المحلية فحسب، بل أيضا على الشركات التي تمارس نشاطاتها في هذه الدول أيضا.