أبحرت يوم الجمعة في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) الجاري من مدينة أوشوايا Ushuaia الساحلية الباردة، في أقصى نقطة في الأرجنتين، وتسمى أيضا “نهاية العالم”، أكبر حملة جمعت 76 من العالمات النساء من اختصاصات عدة إلى القارة القطبية الجنوبية “أنتارتيكا” Antarctica، تستمر لعشرين يوما في البحر، في مهمة علمية لاستكشاف هذه المنطقة النائية، فضلا عن زيادة عدد النساء المشاركات في الأدوار العلمية الهامة من كافة أنحاء العالم.
وقد تم اختيار هؤلاء النساء من أكثر من 1000 من المتقدمات، وسيتم إعطاؤهن فرصة لمراقبة التأثيرات الناتجة عن تغير المناخ في القارة القطبية الجنوبية بشكل مباشر، وتتضمن الرحلة إقامة سلسلة من المحاضرات وورش العمل القيادية وفرص للتواصل وتبادل الخبرات بينهن أثناء وجودهن في البحر.
الرحلة هي جزء من مبادرة the Homeward Bound initiative، وهي برنامج أسترالي يهدف إلى زيادة تمثيل النساء، خصوصا من لديهن خلفية علمية في وظائف العلوم العليا، ولزيادة نفوذهن وتأثيرهن في عملية صنع السياسات والقرارات باعتبارها تؤثر على مظاهر الحياة على كوكب الأرض.
تحويل الإحباط إلى فكرة جريئة
وقالت الخبيرة في البيئة البحرية وأنظمة البيئة الدكتورة جيسيكا ملبورن – توماسJessica Melbourne-Thomas: “نحن نفتقد نصف عدد الأصوات على طاولة القيادة”، وقد توصلت ملبورن – توماس للفكرة مع سيدة الأعمال وصاحبة منحة داتنر فابيان داتنر Fabian Dattner، خلال دورة لتنمية المهارات القيادية نظمتها مؤسسة داتنر، وعبرتا خلالها عن احباطهما من التحديات التي تواجه المرأة في مجال العلوم، وسرعان ما تحول هذا الإحباط إلى فكرة جريئة.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2015 وصل المشروع إلى العالمية، وبحلول منتصف العام 2015 تم الإتفاق مع 76 امرأة من كافة أنحاء العالم، وشملت اختصاصهن: علم الفلك والهندسة والفيزياء والبيئة والاتصالات، فضلا عن متخصصات في مجال دراسة القطبين الجنوبي والشمالي، وكذلك الطب وعلم الاجتماع.
وبعد تنظيم أول رحلة ترسخ الأمل بأن العديد من الرحلات سوف تتبعها، وقالت ملبورن – توماس: “لأسباب مختلفة قد يكون من الصعب بالنسبة للمرأة للوصول إلى القطب الجنوبي أو القطب الشمالي”، وأضافت: “لقد تطلب الأمر عامين والكثير من العمل، ولكن بدعم من جهات مختلفة، وقد لعبت منحة Dattner دورا محوريا في هذا المجال”.
ويحظى هذا المشروع بدعم شركات رائدة عالميا وخبيرات في مجالات علمية مختلفة، بما في ذلك أعضاء هيئات التدريس مثل الأخصائية في علم الرئيسيات والناشطة البيئية الدكتورة جين غودال Jane Goodall، فراني آرمسترونغ Franny Armstrong (صانعة فيلم “وراء عصر الغباء”، والـ “100 امرأة الأكثر نفوذا”)، الرائدة العالمية في مجال الأحياء البحرية المستكشفة والكاتبة والمحاضرة الدكتورة سيلفيا إيرل Sylvia Earle، الأمينة التنفيذية السابقة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كريستيانا فيغيريس Christiana Figueres وغيرهن، فضلا عن كثير من العلماء والمسؤولين في كافة المجالات ومن كلا الجنسين.
شبكة مميزة من العالمات
وسيتم بالإضافة إلى الدورات العلمية والقيادية المختلفة إنتاج فيلم وثائقي بعنوان “عقول جميلة – وكلاء (عوامل) التغيير” Beautiful Minds – Agents of Change، كما أن مجموعة من الخبراء ستكون على متن الرحلة لإدارة البرنامج العلمي الشامل.
وقالت ملبورن – توماس أنه “من المهم أن تأخذ المزيد من النساء أدوارا قيادية، لا سيما في العالم النامي الأكثر تأثرا من تغير المناخ”، وأضافت أن “العديد من النساء مستبعدات من الخيارات التي يحتجن اليها، بسبب اتجاههن لتحقيق التوازن بين مطالب الأسرة ومتطلبات الأدوار العليا”، وقالت أنها “قررت إطلاق المبادرة بعدما سمعت مجموعة من العلماء القطبيين يمزحون قائلين إن على من يريد الاضطلاع بدور قيادي في علوم القطب الجنوبي أن يمتلك لحية”، وأردفت: “لقد بدأت بالتفكير بهذه المبادرة كجزء من موجة المبادرات التي تعني بأننا قادرون على المضي قدما وبشكل أسرع، بدلا من رؤية هذا المعدل البطيء جدا من التغيير”.
ويتم تمويل الحملة من القطاع الخاص، وكل من المشاركات دفعن تكلفة رحلتهن والإقامة على متن القارب.
وأملت ملبورن – توماس في البداية أن تغادر الرحلة من ولاية تسمانيا الأسترالية، حيث نشأ البرنامج، ولكن لم يكن هذا الأمر ممكنا من دون تمويل حكومي، وقالت: “لجأنا إلى الخيارات الأخرى، والآن الرحلة تبدأ من أميركا الجنوبية، خصوصا مع وجود سفن أكبر عاملة من هناك”، وختمت: “شبه الجزيرة القطبية الجنوبية هي الوجهة السياحية الرئيسية وإن كانت هذه الرحلة ليست سياحية بالتأكيد”.
وأشارت داتنر من جهتها إلى أن هدف مبادرتها هو “جمع هذه النخبة من النساء الذكيات القادرات، ولكن غير المنظورات وغير المعترف بهن والمهمشات إلى حد كبير”، كما تأمل بمشاركة أكثر من ألف امرأة في المبادرة خلال السنوات العشر المقبلة لخلق شبكة مميزة من العالمات.
وبدأ التحضير للبعثة المقبلة المقررة في العام 2018، ويبدأ التسجيل في كانون الثاني (يناير) من العام المقبل.