يرزح مزارعو الموز في جنوب لبنان تحت وطأة أزمات متلاحقة، ويكابدون المشقات والصعوبات ليؤمنوا ما يسد الرمق، لا سيما وأن أزمة تصريف الإنتاج ما تزال قائمة، وإن بشكل أقل حدة، بعد أن أكد الجانب السوري حرصه على المزارع اللبناني، ربما أكثر من بعض المسؤولين اللبنانيين، وأعاد فتح الحدود البرية أمام الموز اللبناني، لكن سوريا اليوم غيرها بالأمس، فهي تواجه ظروفا قاسية وصعبة، وما عادت قادرة على استيعاب نحو 50 بالمئة من الإنتاج، فضلا عن أن الأسعار تراجعت لأسباب غير بعيدة عما يواجه الاقتصاد السوري في هذا المرحلة الصعبة.
لذلك، ما تزال أزمة تصريف الانتاج قائمة، فتصدير الموز إلى الأردن توقف، فيما السوق المحلي لا يستوعب كمية الإنتاج المقدرة بنحو 150 ألف طن سنويا، والأسعار دون قيمة الكلفة، فهل تبادر الدولة للتعويض على المزارعين؟
فاضل: نعاني من سنوات عدة
نائب رئيس “تجمع مزارعي الجنوب” وعضو “نقابة مصدري الفاكهة في لبنان” رضا فاضل قال لـ greenarea.info: “تتركز زراعة الموز في الجنوب على امتداد الخط الساحلي من الدامور إلى الناقورة، ويقدر إنتاجنا سنويا بـ 150 ألف طن من الموز، بقيمة تتراوح بين 80 و 100 مليون دولار أميركي، ويعتاش منه نحو نصف أهالي الجنوب، وهناك خمسة آلاف مزارع في الجنوب يعتاشون من هذا القطاع”.
وأشار إلى “اننا لا نعاني الآن فحسب، وإنما نعاني من سنوات عدة، نتيجة الأحداث القائمة في سوريا، ولذلك معاناتنا دائمة وصعبة، فالليرة السورية تراجعت قيمتها وكذلك الاقتصاد السوري، ونحن لا يمكننا أن نصدر إلا إلى سوريا والأردن”، ولفت إلى أن “الأردن كان متنفسا ثانيا بالنسبة إلينا، والمتنفس الأول سوريا كونها تستورد 50 بالمئة من الموز اللبناني، فيما الأردن يستوعب 15 بالمئة من الإنتاج”.
وأضاف فاضل: “واجهتنا هذه السنة صعوبات كبيرة وعراقيل نتيجة إقفال الحدود بيننا وبين سوريا، ولكن الآن والحمدلله انفرجت الأزمة وأعيد فتح الحدود أمام منتجاتنا، ولكن بالرغم من ذلك، فأزماتنا مستمرة، نظرا لأن استيراد سوريا للموز اللبناني تراجع عما كان عليه سابقا، نظرا للظروف الصعبة القائمة، فسوريا مشتتة نتيجة الأحداث المستمرة، فنحن كنا نصدر الإنتاج على سبيل المثال إلى حلب وطرطوس واللاذقية وإلى كل المحافظات السورية، أما في الوقت الحاضر، فالإنتاج يصل إلى الشام وطرطوس فقط، والمناطق الموالية للنظام يمكننا التصدير إليها، أما المناطق الأخرى مثل حماه وحلب فهناك صعوبات لجهة إمكانية التصدير لها، أي المناطق التي تشهد مواجهات عسكرية، ولذلك نعاني، ونحاول مواجهة المعاناة نتيجة أن ما يجري هو أمر واقع علينا التأقلم معه”.
سوريا هي الكحل
وبالنسبة إلى الأردن، قال فاضل: “كان الأردن يعطينا إجازات لإدخال 200 طن يوميا، ولكن منذ عشرة أيام والأردن لم يأخذ ولا (حبة موز)، ولدينا عراقيل وصعوبات بالنسبة إلى الأردن، ففي السابق (قبل الحرب في سوريا) كنا نصدر الموز عبر الطريق البري، وكانت كلفة نقل (البراد) بمعدل 1000 و 1200 دولار، واليوم نصدرها عبر البحر وكلفة البراد الواحد 10 آلاف دولار، أي بزيادة عشرة أضعاف، وبالنسبة لسوق الأردن، هناك قرار باستيراد 100 طن يوميا من كافة الدول العربية، أي من السودان ومصر وبعض الدول الأخرى، ولا يقبل الأردن بكميات كبيرة، بالرغم من التبادل التجاري بيننا، خصوصا وأن لبنان يستقبل كل منتجات الأردن الزراعية، ولم يضع أية عراقيل في هذا المجال”.
وأشار إلى “اننا نتواصل مع وزير الزراعة وهو يسعى لإعادة تصريف الموز إلى الأردن كما كان الأمر سابقا، ولكن هناك رفض من الجانب الأردني للموز اللبناني، وهذا يضاف إلى سلسلة المعاناة التي تواجهنا”، ولفت فاضل إلى أنه “إزاء الواقع القائم فالمزارعون يواجهون واقعا صعبا، فسعر الموز أقل من كلفة الإنتاج”، منوها إلى أن “كلفة كيلو الموز نحو 600 ليرة فيما السعر المتداول في حدود 350 و 400 ليرة، لذلك هناك خسائر كبيرة، والكل في حالة يرثى لها، والكل لديهم أقساط للمصارف ولديهم بيوت وأملاك مرهونة، ولديهم ديون لشركات الأدوية والأسمدة، فضلا عن ثمن المحروقات وكلفة العمال”.
وعن سبل مواجهة الأزمة، قال فاضل: “لدينا مثل يقول (الكحل ولا العمى)، وسوريا هي الكحل، سوريا والحمدلله متنفس لنا، وتمكنا من تصدير إنتاجنا إليها، ولكن بأسعار متدنية بعد أن تغيرت الظروف وتراجعت العملة هناك، والاقتصاد منهار بشكل عام في كل المنطقة، ونتيجة تراجع الجنيه المصري أصبح في مقدور المصريين منافستنا في سوق الأردن لأن الكلفة أصبحت أقل بالمقارنة مع لبنان”.
وختم فاضل: “الاتحاد الأوروبي يدعم القطاع بـ 360 مليار دولار في أوروبا، ونحن لا نقول اننا لا نريد دعما، لكن نريد أن يفتحوا لنا أسواقا جديدة، ودعمنا في مجال النقل البحري، ونتمنى أن تفتح الطريق البرية عبر درعا اليوم قبل غدا، ونريد مساعدتنا للإنتاج بأقل كلفة لنتمكن من البقاء والاستمرار كقطاع زراعي، وللأسف لا أحد يدرك أن الزراعة من المقومات الأساسية في لبنان، وأن نحو 50 بالمئة من الشعب اللبناني يعتاش من الزراعة، ولا أحد يعلم أنه إذا توقفنا عن زراعة صنف معين فسندفع ثمنه أضعافا مضاعفة”.
الحسيني: الالتزام بالروزنامة الزراعية
وأشار رئيس “تجمع مزارعي الجنوب” عبد المحسن الحسيني لـ greenarea.info إلى “اننا كنا نطالب بفتح الحدود امام تصدير الموز اللبناني الذي يشكل مصدر عيش قطاع كبير من اللبنانيين من صيدا حتى الناقورة”، وإذ نوه “بنجاح الاتصالات مع الأشقاء السوريين”، قال الحسيني “ان موسم الموز لا يوضع في البرادات وهو ليس كالحمضيات او البطاطا ولا يحتمل التأجيل في التصدير”.
واعلن الحسيني أن وزير الزراعة “بذل جهدا كبيرا في هذا المجال وقام بالتسهيلات اللازمة المطلوبة”، وقال: “كان يمكن أن نكون على أبواب كارثة حقيقية لو لم يتم البدء بتصدير موسمنا من الموز”.
ودعا الى “ضرورة الالتزام بالروزنامة الزراعية ومعاهدة التيسير العربية التي يلتزم بها لبنان”، مؤكدا أن “المطلوب من كافة المعنيين الالتزام بها”.
التحول إلى الزراعات العضويّة
وأشار المزارع حسان سعد إلى أن “مشكلاتنا بدأت منذ العام 2010 نتيجة انخفاض سعر العملة وتنامي الهجرة السوريّة”، وقال: “لقد حاول لبنان طوال الأزمة السورية إيجاد أو تطوير أسواق جديدة للموز المحليّ، من ضمنها السوق الأردنيّة التي استوردت نحو 10 آلاف طن سنوياً فقط، فلم تعوّض السوق السوريّة، وأسف “لأن الأردن توقف عن استيراد إنتاجنا مؤخرا”.
ورأى سعد أن “المطلوب إيجاد حلول جذريّة، وأهمها العمل على مساعدة الزارعين في مجال التحول إلى الزراعات العضويّة، والاستفادة من اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لتنويع وجهات تصدير الموز اللبناني”.