تحيي “منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة” Food and Agriculture Organization of the United Nations “الفاو” FAO يوم الاثنين 5 كانون الأول (ديسمبر) “اليوم العالمي للتربة 2016” World Soil Day 2016 تحت عنوان “التربة والبقوليات… تكافل من أجل الحياة”.
وجاء اختيار البقوليات عنوانا لهذه الاحتفالية الدولية، كونها تتميز بخاصية مهمة للتربة والبيئة في آن، خصوصا في قدرتها على تثبيت النيتروجين الجوي الحيوي، كما يمكن لها التعايش مع أنواع مختلفة من البكتيريا العقدية التي تعيش في جذور البقوليات في نظام تكافلي، فتقوم البكتيريا العقدية بتحويل النيتروجين الموجود في الغلاف الجوي إلى مركبات نيتروجينية يحتاجها النبات، وبالتالي تحسين خصوبة التربة، وعدم استخدام الاسمدة الآزوتية المخلقة في زراعات البقوليات المختلفة مما يقلل تلوث البيئة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اتخذت في وقت سابق قرارا يحمل الرقم 231/68 يقضي بأن يكون عام 2016 عاما دوليا للبقول، بهدف إذكاء الوعي العام حيال الفوائد التغذوية للبقول كجزء من الإنتاج المستدام للأغذية، وتحقيق الأمن الغذائي، ليكون فرصة فريدة من أجل تحسين استخدام البروتين البقولي وتعزيز الإنتاج العالمي للبقول، وتحسين استخدام دورات تناوب زراعة المحاصيل والتصدي لتحديات تجارة البقول.

لماذا اليوم العالمي للتربة؟

تقدر خسائر الإنتاج السنوي من الحبوب بسبب تآكل التربة بنحو 7.6 مليون طن كل عام، مع توقعات بأن تتجاوز الخسائر 253 مليون طن من الحبوب سنوياً بحلول عام 2050، ما يعادل إزالة 1.5 مليون كيلومتر مربع من رقعة إنتاج المحاصيل أو ما يقرب من جميع الأراضي الصالحة للزراعة في الهند، كما أن تراكم الأملاح في التربة يقلل من إنتاجية المحاصيل، ويمكن أن يفضي إلى وقف إنتاج المحاصيل تماماً، وتؤثر الملوحة التي يسببها الإنسان على 760 ألف كيلومتر مربع من الأراضي في كافة أنحاء العالم، أي بما يفوق جميع الأراضي الصالحة للزراعة في البرازيل، فيما تشكل حموضة التربة عائقا خطيراً أمام إنتاج الغذاء في كافة أنحاء العالم، وأن التربة ذات الطبقات السطحية الأكثر حمضية في العالم تقع بمناطق أميركا الجنوبية التي شهدت أنشطة مكثفة من إزالة الغابات والزراعة.
هذا بعض ما خلص إليه “تقرير حالة موارد التربة في العالم لعام 2015″، مستشرفا حجم الأخطار التي تتهدد عالمنا نتيجة سوء استخدام الأراضي الزراعية، وغياب الإدارة المستدامة للأراضي وعدم تحسين بنية التربة.

شراكة عالمية

إزاء كل هذه التحديات والمخاطر، قدم “الاتحاد الدولي لعلوم التربة” The International Union of Soil Sciences في العام 2002 اقتراحا بإقرار الاحتفال بـ “اليوم العالمي للتربة” World Soil Day في الخامس من كانون الأول (ديسمبر)، لأهمية التربة واعتبارها عنصراً حاسماً من النظام الطبيعي ولإسهامها الحيوي في رفاه الإنسان، ومن ثم دعمت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” FAO في إطار الشراكة العالمية من أجل التربة، وإقرار يوم دولي رسمي للتربة بغرض إذكاء الوعي العالمي.
وأقر مؤتمر منظمة “الفاو” FAO في دورته 38 بالإجماع “اليوم العالمي للتربة”، في 22 تموز (يوليو) عام 2013، وطلب اعتماده رسميا من الجمعية العامة في دورتها 68، وفي كانون الأول (ديسمبر) 2013، أصدرت الجمعية العامة القرار 232/68 وتكريس الخامس من كانون الأول (ديسمبر) يوما عالميا للتربة، ومنذ عام 2012، تقوم “الفاو” بالشراكة العالمية من أجل التربة بتنظيم احتفالات في هذا اليوم.

تنامي الطلب على الغذاء

تعتبر التربة مورداً أساسياً وجزءاً حيوياً من البيئة الطبيعية، كما أن التربة تنتج معظم الغذاء العالمي، وفي الوقت عينه، توفر التربة مساحة معيشة للبشر، كما توفر أيضا خدمات النظم الإيكولوجية المهمة من أجل تنظيم وإمداد المياه، تنظيم المناخ، حماية التنوع الحيوي وحبس الكربون، فضلا عن خدمات أخرى.
إلا أنه تحت الضغط بسبب تزايد عدد السكان وتنامي الطلب على الغذاء واستخدامات الأراضي المتنافسة، فإن نحو 33 بالمئة من التربة العالمية متدهورة، ويبحث صناع القرار السياسي حول العالم فرص تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتأسست لهذه الغاية شراكة عالمية من أجل التربة في كانون الأول (ديسمبر) 2012 كآلية لتطوير شراكة تبادلية قوية، عنوانها التعاون وتضافر الجهود بين أصحاب المصلحة، من مستخدمي الأراضي إلى صناع السياسات، من أجل تطوير الحوكمة وتشجيع الإدارة المستدامة للتربة.

بان كي مون

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بهذه المناسبة: “في العالم الحديث حيث يتزايد عدد السكان وحيث المدن آخذة في التوسع، والمناخ يتغير، هناك حاجة إلى المزيد من الطعام، فنحن بحاجة ماسة إلى التربة السليمة لضمان توفير الخدمات الأساسية التي تقدمها، وإن استخدام النظم وممارسة الإدارة المستدامة تفتح الإمكانات الكاملة للاستفادة من التربة في دعم الإنتاج الغذائي وتخزين وتوفير المياه النظيفة، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وعزل المزيد من الكربون وزيادة القدرة على التكيف مع تغير المناخ.
وأضاف: “إن الإدارة المستدامة للأراضي أيضاً يدفع إلى التقدم في جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، وينبغي أن يصبح المعيار في كافة أنحاء العالم من أجل تحسين استخدامنا للتربة الآن، والحفاظ علىها وحمايتها على المدى الطويل.
ولفت مون إلى أنه “يمكن للبقول أن تعزز من صحة التربة وتدعم النظم الغذائية والصحية”. وقال: “إن الفاصولياء الجافة والبازلاء والعدس والبقول الأخرى تتحد مع التربة في تعايش فريد، وتعمل على حماية البيئة وتزيد الإنتاج، وتسهم في التكيف مع تغير المناخ، وتوفير المواد الغذائية الأساسية إلى التربة والمحاصيل اللاحقة، حيث تعمل البقول على تثبيت الآزوت الجوي في جذورها عن طريق تحرير الفوسفور المرتبط بحبيبات التربة وتيسيره للنباتات، كما تعمل على تقليل الحاجة أيضاً إلى استخدام الأسمدة الخارجية، وهذه كلها تدفع إلى التنمية المستدامة.
ودعا الأمين العام في “اليوم العالمي للتربة” إلى “المزيد من الاهتمام بالقضايا الملحة التي تؤثر على التربة، بما في ذلك تغير المناخ، ومقاومة مضادات الميكروبات والأمراض المنقولة عن طريق التربة، والتلوث، والتغذية وصحة الإنسان”.

أهمية البقوليات

وأرادت الأمم المتحدة أن يكون العام 2016، عاما دوليا للبقوليات لإذكاء الوعي العام على مستوى العالم بالفوائد الغذائية للبقوليات كجزء من الإنتاج المستدام للأغذية، بهدف تحقيق الأمن الغذائي والتغذية الصحية للأفراد، ولتوجيه الأنظار أكثر إلى البقوليات كمحصول رئيسي للتغذية في شتى أرجاء العالم ودورها في مكافحة الجوع وسوء التغذية، كونها مصدرا أساسيا للبروتين النباتي في مواجهة النقص الحاد في البروتين الحيواني في العديد من مناطق العالم، خصوصا الدول النامية.
وتتميز البقوليات بخاصية مهمة للتربة والبيئة، كون لديها القدرة على تثبيت النيتروجين الجوي حيويا، ولا يقتصر دور البقوليات على تثبيت الآزوت فحسب، بل لها أدوار أخرى مختلفة تساهم في تحقيق الزراعة المستدامة، فضلا عن الأهمية البيئية للبقوليات، إذ تعمل على زيادة خصوبة التربة نتيجة تعمق جذور البقوليات لمستويات مختلفة في التربة، بحيث تساهم في تحسين التركيب البنائي للتربة وزيادة كفاءتها، تقليل استخدام الاسمدة الآزوتية والفوسفاتية، وتعد البقوليات من النباتات ذات الاستخدامات المتعددة، وبالتالي، يمكن استخدامها في مختلَف نظم الإنتاج الزراعي مثل أنظمة الدورة الزراعية، كمحاصيل مؤقتة أو محاصيل تغطية للتربة، كما يمكن استخدامها في زراعة المراعي، وهناك أهمية خاصة للبقوليات في نظم الإنتاج الزراعي البيئي مثل الزراعة البيوديناميكة، كما أن الإكثار من زراعة البقوليات يساعد في تقليل استخدام المبيدات.

البقوليات وتغير المناخ

وتلعب البقوليات دوراً في تخفيف حدة الآثار الناجمة عن تغير المناخ عن طريق التنوع الجيني الواسع للبقوليات، لذا فيمكن اختيار الأصناف المحسنة وتربيتها للتأقلم مع الظروف المناخية المختلفة، وهي إحدى سماتها المهمة للتكيف مع تغير المناخ، إذ يمكن استخراج المزيد من الأصناف القابلة للتكيف تجاه تغير المناخ من هذا التنوع الواسع. ويعمل علماء من “المعهد الدولي للبحوث” حالياً على تطوير أنواع من البقول قادرة على النمو في درجات حرارة أعلى من معدلاتها الطبيعية، وتنبع أهمية هذا البرنامج من أن هذه الأصناف من البقول المحسنة ستكون لها أهمية حاسمة للإنتاج الزراعي خصوصا في المناطق الفقيرة من العالم.
وتساعد البقول في تخفيف حدة الآثار الناجمة عن تغير المناخ بالحد من الاعتماد على الأسمدة الكيماوية المخلقة، والتي تتسم صناعتها بأنها صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، كما تنبعث منها الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وبالتالي، فإن الإفراط في استخدامها ضار بالبيئة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This