يبدو أن تشكيل حكومة العهد الأولى سيطول، ربما للعام 2017، لأسباب واعتبارات كثيرة وشديدة التعقيد في بلد مثل لبنان تتنازعه أهواءُ ومصالح، تمتد من السياسة وتظهير الأحجام إلى الاستئثار وفق حصص كأنها مغانم لهذا الفريق أو ذاك، وليس ثمة من يعلم كيف رُكبت، وصولا إلى اعتبارات مرتبطة بـ “كيمياء” سياسية شخصية، وهذا ما يُفضي غالبا إلى تقديم الخاص على العام، فيُقصى الأكفاء من خارج النسيج السياسي لصالح من ينتمون لطوائف ومذاهب.
المطلوب دائما وفق الصيغة “العجائبية” لنظامنا السياسي الإتيان بمن يوالي زعيمه لا ضميره، وبلذك، يُدار البلد على غرار النظام المقاطعجي البائد، فلكل إقطاعاته ومصالحه، بمعنى أن اللعب يظل غالبا في حدود مصالح الطوائف، ولا غرو في ذلك طالما أن الولاء ملتبس بين الطائفة والوطن، أو بمعنى آخر ما تزال الطائفة تعتبر ممرا إلزاميا للعبور إلى وطن يسوده منطق المؤسسات في مختلف مواقع السلطة.
ما يعنينا في هذا المجال، أن واقع الحال يطاول وزارة البيئة، مع فارق بسيط، وهو أنها لم تعد “جائزة ترضية” كما كان عليه الحال في السابق، وجميعا يذكر كيف “أهين” وزير ونائب سابق يوم عُيِّن وزيرا للبيئة، وعبر عن امتعاضه جهارا.
إن كل ما هو قائم من مشاورات واتصالات، لا يشي بأن وزارة البيئة سيتم إسنادها لأكاديمي ينتمي إلى فضاء المعرفة والثقافة، أو إلى خبير أفنى عمره في البحث والرصد والتقصي، خصوصا في علوم البيئة والمناخ والاستدامة، طالما أن وزارة البيئة مجرد حصة في “كعكة”، والمطلوب الآن شخصا مطواعا لاستكمال ما فرضته الحكومة السابقة في مجال النفايات (ردم البحر) خصوصا، وتاليا في قضايا لا تقل أهمية من مشاريع السدود السطحية إلى ملف المقالع والكسارات… الخ.
لن ننعم بوزارة بيئة وسط المشهد القائم، تمثل الحد الأدنى من طموحاتنا، بغض النظر عن الشخص، ومدى كفاءته، لكن بالتأكيد لن تكون وزارة البيئة راهنا “أم الوزارات”، والضابط لحركة الاستثمارات، والناظم لملفات كبيرة مشرعة على الفساد والفوضى، ولن تكون وزارة البيئة قادرة على سبيل المثال المس بامتيازات مستثمري المقالع والكسارات وقضم وتشويه جبالنا.
نريد لوزارة البيئة أن تكون سيادية، قادرة على مراقبة عمل كل الوزارات، وعلى ضبط أدائها وفقا لمعيار العلم، ونريد وزيرا لا يعتد بقيافته، ويدير الأمور من خلف مكتبه، نريد وزيرا لا يكتفي باستقبال الوفود ومراكمة قاعدة بيانات لا قيمة لها إن لم تقارب أرض الواقع، وزيرا نراه في مواقع التعديات، في وحل السدود وبين أشجار مقطوعة وجبال مقضومة وفي قلب مطامر الموت، وزيرا يصوب على الخطأ ولا يسوغ ارتكابه، ولا يستقيل من مهمة عند أقرب منعطف.
إلى الآن، تبقى أحلامنا مؤجلة، ولا ما يبدد هواجسنا في المدى المنظور!