تناقلت وسائل التواصل الإجتماعي صورة مصدرها “وكالة أخبار عكار” ANN عن مخلوق غريب ومخيف، وأشار البعض إلى أنه حيوان منقرض منذ آلاف السنين، وأنه عاد للظهور في منطقة عكار.
ما يثير الاهتمام في هذا المجال، أن مثل هذا الأمر ينحو بالحقيقة في اتجاه التسطيح وتبني الخرافات، كما هو الحال بالنسبة لكثير من الظواهر الغريبة، إذ غالبا ما يفسر الناس ما هو عصي على الفهم على أنه من “دلائل الساعة”، وما إلى ذلك من تأويلات بعضها مرتبط بموروثات اجتماعية وشعبية.
ولذلك، وسط ما أشيع عن هذا الكائن “الغريب”، أثار موقعنا greenarea.info هذا الأمر، حرصا منا على دقة وصحة المعلومات، وكان لنا اتصال بالدكتور في الجامعة اللبنانية – قسم العلوم، ومدير “مركز التعرف على الحياة البرية والمحافظة عليها” Animal Encounter في مدينة عاليه – جبل لبنان منير أبي سعيد، فاشار بدايةً، إلى أن “ما اعتبره كثيرون كائنا غريبا ومنقرضا، هو نوع من الخفافيش الموجودة في منطقتنا، ولكن بسبب نفوقه وبقائه تحت الشمس والمطر فَقَدَ فروته الخارجية ما أظهره بهذه الصورة”.
وأكد أن “هذا الخفاش أو الوطواط ينتمي إلى فصيلة معرضة للإنقراض بسبب التعديات التي تطاول كهوفها ومغاورها، فضلا عن صيدها من قبل بعض الصيادين الذين يطلقون النار على كل ما يطير ويحلق بجناحين، فضلا عن المزارعين الذين يعتبرون هذا النوع من الوطاويط (آفة) تهدد أشجار الفاكهة”، وأضاف أن “مواقع التواصل الإجتماعي تشيع الخوف من هذه المخلوقات بمثل هذه الصور، ما يجعل الناس يضيعون في تفاصيل وأخبار غير صحيحة”.
أربعة أنواع جديدة
ولفت أبي سعيد إلى المجازر بحق البيئة والوطاويط كافة (الخفافيش) والذي يتطير منه الناس ربما لربطه بمصاصي الدماء في الإعلام، وقال: “ثمة مجازر كبيرة وأكثر مما يمكن تصوره في مغاورها في كل مناطق لبنان، وقد أثرتم قبل أيام هذا الموضوع، ولا تقتصر هذه المجازر على منطقة بعينها، فقد عدنا إلى المغاور هذا العام، وللأسف لم نجد في كثير منها أثرا لوطواط، نتيجة ما قام به بعض الأشخاص من إشعال للنار داخلها، وصيدها، وكأن هذا لا يكفي، فإن تغير المناخ بسبب النشاط البشري، ومنها استخدام المبيدات، والإحتباس الحراري، وتأخر الصيف، أدى إلى تأثر نوع حياتها”.
وأضاف: “هذه الخفافيش لم تنم بعد، ولم تنل حتى الآن قسطها السنوي من الراحة أي السبات الشتوي، ما يؤثر على تناسلها وعلى حياتها وصحتها، منها ما يتناسل قبل وأثناء السبات، وأشبهه بشجرة التفاح، فإن لم تمر بفترة dormancy أي الخمود والكمون ووجود الثلج فلا تثمر جيدا، وهذا ما يصيب الخفاش، وتتطلب أعضائه الحيوية فترة تمتد من 3 إلى 4 أشهر لترتاح ويصيبه الآن بما يشبه الإنهاك، ويؤثر على كافة نواحي حياته، وقد اكتشفنا بالتعاون مع جامعة تشيكية حتى الآن ومنذ ست سنوات أربعة أنواع جديدة من الخفاش موجودة في لبنان”.
خفاش الفواكه المصري
وقال أبي سعيد: “لحسن حظ هذه الخفافيش ليست موجودة فقط في لبنان، وإلا كانت انقرضت تماما، خصوصا في المناطق السكنية، فالبعض يبادر إلى صيدها وآخرون إلى انتهاك أوكارها وكهوفها ومغاورها، مع أن هذا الحيوان من أكثر الحيوانات فائدة للبشر، فهو مبيد طبيعي لكافة الحشرات، خصوصا حشرات العث التي تطير في الليل، وهذا الخفاش بالذات يأكل الفواكه، ولكنه بخلاف العصافير التي تأكل وتترك مخلفاتها في مكانها، فإن الخفاش يتناول الفواكه ويأخذها قرب مغارته أو جحره أو كهفه، ما يساهم بتناثر البذور، بعيدا عن الشجرة الأم، لذا نجد أشجار الفواكه في البرية، وتتغذى هذه البذور على سماد الوطواط الذي يعتبر من أهم الأسمدة في العالم، ما يساهم في تجذرها ونموها بشكل مستقل، فالوطواط يساهم بالتشجير أكثر من عديد منا نحن البشر”.
وعن الخفاش في عكار، قال أبي سعيد أنه “من فئة خفاش الفواكه المصري، أوEgyptian rousette واسمه العلمي Rousettus aegyptiacus وهو نوع ينتشر في أفريقيا والشرق الأوسط، وصولا إلى الهند وباكستان، وتعتمد بعض أنواع الأشجار في أفريقيا كليا عليه لتلقيحها، ولا سيما شجر “الباوباب” The baobab tree، فضلا عن نثر بذور الأشجار، كما أنه يفضل الفاكهة المصابة بأمراض حشرية أو فطرية، ما يوفر له وجبة متكاملة، ويساهم في التخلص من الآفات التي تصيب هذه الأشجار، فهو مبيد طبيعي بدون آثار ملوثة للبيئة والحياة البرية”.
وأهاب أبي سعيد “بالمواطنين التواصل مع الأشخاص المختصين بهذه الأمور وعدم الأخذ بأقوال ومعلومات غير دقيقة”.