تغطي الجبال نحو 22 بالمئة من مساحة اليابسة على كوكب الارض، أي ربع مساحة اليابسة في العالم ، والجبال – بحسب “الموسوعة البريطانية” – هي كل مرتفع يعلو ستمئة وعشرة (610) أمتار عن سطح الأرض.
للجبال دور حاسم في تحريك النمو الاقتصادي المستدام في العالم، فهي توفر الغذاء بشكل مباشر لحوالي مليار نسمة في العالم يعيشون في المناطق الجبلية، ويمثل هؤلاء نحو 14,5 بالمئة من سكان العالم، فيما يستفيد منها بشكل غير مباشر مليارات أخرى من البشر يعيشون على ضفاف الانهر، وتتضمن السلاسل الجبلية كافة أنواع المناخات والبيئات الحيوانية، ابتداء بالغابات الاستوائية المطيرة وانتهاء بالجليد والثلوج الدائمين، ومن مناخات يكثر فيها هطول الأمطار (قد تصل أحياناً الى نسبة 12 متراً سنوياً)، لذلك يطلق على الجبال لقب” الأبراج المائية” لكوكب الارض، كونها توفر المياه العذبة لحوالي نصف سكان العالم.
تعد معظم المناطق الجبلية، وحتى ذات الجروف الصخرية شديدة الانحدار. موئلاً لآلاف الأنواع من الحيوانات، منها ما يستطيع أن يتسلق الصخور والجروف الصخرية بمهارة (الماعز والأغنام الجبلية)، وأخرى صغيرة الحجم مثل حيوانات (البيكا الشبيهة بالأرانب)، كما تبني الكثير من الطيور أعشاشها في قلب الجروف الصخرية (يبني طائر السمامة النيبالي عشه على ارتفاع حوالي 6,100م فوق سطح البحر كما في جبال الهملايا).
وللجبال شأن كبير في التأثير على المناخ وأحوال الطقس الإقليمية منها والعالمية، وهي تتعرض في ايامنا هذه الى مخاطر حقيقة تهدد معظم الغابات الجبلية حول العالم، فقد حذرت “منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة” (الفاو)، في تقريرٍ لها صدر في شهر كانون الاول (ديسمبر) من عام 2011 من أن سلامة الغابات في المناطق الجبلية والتي تعبتر الموائل الطبيعة الحقيقية لآلاف الكائنات الحية، تقف في مواجهة التغيرات المناخية.
كما كشفت دراسة جديدة صدرت السنة الماضية (2015) عن (الفاو)، في “اليوم الدولي للجبال”، عن أن عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي في المناطق الجبلية ارتفع بنسبة 30 بالمئة بين عامي 2000 و2012، وهذه الارقام ما هي الا مؤشر خطير على معاناة البيئة الجبيلة في ظل الاحتباس الحراري لكوكب الارض.
وقامت (الفاو) بإعلان يوم 11 كانون الاول (ديسمبر) من كل عام يوماً عالماً للجبال، ونظمت المؤتمرات والندوات وحملات التوعية بهدف زيادة الوعي العام حول ضرورة حماية هذه النظم الإيكولوجية الهشة.
إلا ان قطع الاشجار استمر في غابات العالم كله، ولا تزال الحرائق تلتهم قسماً كبيراً منها، ولم تتوقف حتى كسارة واحدة عن تدمير البيئة الجبلية، وما يزال النمو العمراني “الإسمنتي” البشع يلوث اكثر المناطق اخضراراً في العالم، ومن ضمنها لبنان، فماذا عن جبالنا؟
تمتد الجبال لبنان التي وصفها الشاعر الفرنسي ألفونس دولامرتين عام 1833 بأنها: أشهر نصب طبيعي في العالم على طول البلاد (جبال لبنان الغربية يبلغ طولها 240 كلم) وهي سلسلة من الجبال المتوسطة الارتفاع حيث يصل ارتفاع بعضها 1000 متر عن سطح البحر، وجبال عالية تصل تقريباً الى ارتفاع 3090 متر عن سطح البحر عند القرنة السوداء في شمال لبنان، اضافة الى وجود أكثر من أربعة آلاف نبع جبلي، تتميز جبال لبنان بأشجار الأرز، وقد تقلصت الرقعة التي كان يغطيها (الأرز) بفعل عمليات القطع الكثيفة والحرائق، عبر كل العصور من مساحة 500 ألف هكتار إلى مساحة هكتار.
كذلك تضم الغابات الجبلية في لبنان أشجارا من انواع اخرى، مثل: السنديان والشوح والبلوط والجوز والزيتون والخرنوب.
لم يسلم هذا الجمال من جشع الانسان، فبدأت الكسارات بالتهام الجبال اللبنانية ابتداءً من منطقة كفرسلوان وجوار الحوز وترشيش والتويتة، وصولاً الى جزين وشرق صيدا، مروراً بالنبطية، مسببةً، بالاضافة الى جفاف الينابيع، تلوث في هواء المناطق المجاورة للكسارات بنوع من الغبار الثقيل الذي يقتل النباتات والاشجار، ويتسبب بمشاكل صحية لدى الناس الذين يتنشقونه. وكذلك تلوث المياه الجوفية وتغويرها، ونقص نسبة الرطوبة في الغلاف الجوي اللبناني، ومما لاشك فيه أن استمرار هذا الواقع سيؤدي الى حرمان الأجيال المقبلة من الجبال ومواردها الطبيعية.
كلمنجارو
في سياقٍ آخر، توجد في قلب افريقيا ثلاث قمم جبلية مغطة بالثلوج، هي كيبو (أعلى القمم) وماوينسي وشيرا، وتكوِّنُ هذه المخاريط الثلاثة جبل كليمنجارو الواقع في شمال شرق تنزانيا، وهو الأعلى بين جبال القارة السمراء، حيث ويبلغ ارتفاع أعلى قمة من قممه حوالي 5,900 متراً عن سطح البحر. وهي القمة الاقرب لخط الاستواء والتي تغطيها الثلوج على مدار العام.
وتغطي قمة كيبو ما مساحته 400 كلم مربع، إلا أن هذه المساحة أخذت تتناقص منذ عام 1912، وما تزال تتناقص بسبب ذوبان الجليد المستمر الناتج عن عملية الاحتباس الحراري، ويتوقع العلماء بأن يختفي الجليد عن هذا الجبل بحلول عام 2022 ما لم تتم مواجهة التغيرات المناخية الخطيرة.
جليد الهملايا يهدد الهند
إن نتائج الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية التي تضرب كوكب الارض، بما في ذلك الجبال، أصبحت حقيقة مرّة لا بد من الاعتراف بها، فارتفاع درجات الحرارة يسمح للآفات والأمراض بأن تشق طريقها إلى أعالي الجبال، كما يتسبب بضرب زراعة أنواع من المحاصيل ونفوق قطعان من الماشية. اضافة الى العواصف والانهيارات الثلجية والأرضية وفيضانات البحيرات الجليدية، التي تتزايد وتيرتها، ولعل جبال هملايا ليست في منأى عن هذه التغيرات المناخية، ففي مدة لا تتجاوز الخمسين عاماً، اختفت كتلتان جليديتان كبيرتان على الأقل، في حين أن كتلاً أخرى تقع في حوض أساسي انحسرت بنسبة 28 بالمئة في الفترة عينها، بحسب الدراسات.
كما أن نحو ربع المناطق الجبلية في العالم معرضة للخطر بسبب شق الطرقات والأنفاق، والتعدين، وإنشاء السدود، أضف اليها عمليات الصيد غير الشرعي، وقطع الاشجار، ورعي قطعان الابقار الداجنة، كما تعد الحروب الاهلية من أهم الاسباب التي تلحق ضرراً جسيماً في البيئات الجبلية (سوريا مثالاً حياً)، وفي حال لم نواجه تلك المخاطر، والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، فستفقد الارض اجمل واغنى البيئات الطبيعية خلال المئة عام القادمة.