يتابع مؤتمر الأطراف في الاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي دورته الـ13، التي افتتحت في 2 كانون الأول (ديسمبر) وتستمر  لغاية 17 منه.

وانهى المؤتمر اجتماعاته الرفيعة المستوى نهاية الاسبوع الماضي بمشاركة عشرات الوزراء الذين تبنوا “اعلان كانكون”، وبدأت منذ مطلع الاسبوع الجاري مناقشة جدول اعماله بمشاركة وفود تمثل 190 دولة موقعة على اتفاقية التنوع البيولوجي، في وقت تظهر فيه المعطيات والبيانات ان العالم لا يزال بعيدا عن تحقيق ما يعرف بـ “أهداف آيتشي”، التي يفترض ان تتحقق بحلول العام 2020.

ويخوض المجتمعون مفاوضات شاقة من أجل الاتفاق على مشاريع المقررات التي اعدتها سكريتاريا الاتفاقية، وابرزها المقررات المتعلقة بتنفيذ الخطة الاستراتيجية للتنوع البيولوجي 2011-2020 وتحقيق أهداف آيتشي للتنوع البيولوجي، وتحوز ثلاثة عناوين اساسية على اهتمام استثنائي في كانكون تتعلق بالربط بين التنوع البيولوجي وصحة الانسان وتغير المناخ والغابات.

 

التنوع البيولوجي وصحة الإنسان

 

أصدرت في العام 2015 “منظمة الصحة العالمية” بالتعاون مع أمانة اتفاقية التنوع البيولوجي وبرنامج الامم المتحدة للبيئة تقريراً بعنوان “الربط بين الأولويات العالمية: التنوع البيولوجي وصحة الإنسان، استعراض حالة المعارف”. ويؤكد التقرير ان التنوع البيولوجي يحقق منافع لصحة الإنسان، بما في ذلك منافع مباشرة باعتباره مصدرا للأغذية والتغذية والأدوية التقليدية والاكتشافات البيولوجية الطبية، وعلى نحو غير مباشر باعتباره مصدرا للملابس والتدفئة والمأوى. ويمكن أن يرتبط التنوع البيولوجي بالآثار الصحية العكسية، لا سيما من خلال العوامل المعدية.

ومن المقرر ان يصادق مؤتمر كانكون على مشروع قرار يؤكد قيمة نهج “الصحة الواحدة” في معالجة القضية الشاملة للتنوع البيولوجي وصحة الإنسان، باعتبارها نهجا متكاملا متسقا مع نهج النظام الإيكولوجي. واهمية الربط بين التنوع الغذائي والصحة وتنوع المحاصيل والماشية والمكونات الأخرى للتنوع البيولوجي في النظم الإيكولوجية الزراعية، وكذلك في النُظم الإيكولوجية البحرية والنُظم الإيكولوجية للمياه الداخلية.

واحد من ابرز الامثلة على الترابط بين الصحة والتنوع البيولوجي، الدور الذي تقوم به النُظم الإيكولوجية البرية والنُظم الإيكولوجية للمياه الداخلية باعتبارها “بنية تحتية خضراء” في تنظيم كميات المياه العذبة ونوعيتها وإمداداتها وتنظيم الفيضانات، وحماية هذه النظم الإيكولوجية، ومعالجة الدوافع الكامنة وراء فقدانها وتدهورها، بما في ذلك التغير في استخدام الأراضي، والتلوث والأنواع الغازية.

وعادة ما يحوز موضوع “الأدوية التقليدية” على نقاشات واسعة ضمن مقررات اتفاقية التنوع البيولوجي، خصوصاً لجهة حساسية بعض الدول على حماية المعارف الطبية التقليدية والابتكارات والممارسات الخاصة بالشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية، وتعزيز الاستخدام المستدام والإدارة والتجارة للنباتات والحيوانات المستعملة في الأدوية التقليدية. اضافة الى حساسية المناطق ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة للتنوع البيولوجي، لجهة الاكتشافات البيولوجية الطبية. وتعزيز الحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، بما يتسق مع بروتوكول ناغويا الملحق باتفاقية التنوع البيولوجي.

ويتصاعد النقاش في الوقت الحضار حول آثار المستحضرات الصيدلانية على التنوع البيولوجي والانسان على حد سواء، خصوصاً لجهة تجنب الإفراط في استعمال المضادات الحيوية والعوامل المضادة للميكروبات واستعمالها غير الضروري، سواء في الطب البشري أو الطب البيطري، لتقليل الضرر على التنوع الميكروبي المفيد والمتآلف وتقليل خطر المقاومة للمضادات الحيوية، والإدارة الأفضل لاستخدام المواد الكيميائية المسببة لاضطرابات الغدد الصماء والتخلص منها بهدف تجنب إلحاق الضرر بالناس والتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، وكذلك خفض الاستعمال غير المناسب للعقاقير المضادة للالتهابات اللاستيرويدية التي تهدد الأحياء البرية.

 

التنوع البيولوجي وتغير المناخ

 

ويأتي انعقاد المؤتمر بعد أقل من أسبوعين على اختتام اجتماع مؤتمر الاطراف للاتفاقية الدولية للحد من تغير المناخ الذي عقد في مراكش – المغرب. ومعلوم ان التعاون في ما بين أوساط التنوع البيولوجي، والتكيف والتخفيف من تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث يمكن أن تسفر عنه زيادة القدرة على تصميم التدخلات التي تقدم منافع متعددة.

ويعتقد المدافعون عن البيئة انه لا يمكن تحقيق اي من الاهداف المتعلقة بالتنوع البيولوجي إلا عن طريق التكامل والتنسيق في تنفيذ مجموعة من التعهدات الدولية التي برزت في العام 2015، وهي: خطة التنمية المستدامة لعام 2030، و”إطار عمل سينداي” للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015–2030، والخطة الاستراتيجية للتنوع البيولوجي 2011–2020 واتفاق باريس في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

وتحتاج شبكات المناطق المحمية الى معلومات علمية محسنة بخصوص التكيف مع تغير المناخ، لكي يكون لدى من يديرها القدرة على النجاح وتحقيق وظائفها. وللدلالة على التكامل بين اتفاقية تغير المناخ والاتفاقيات المرتبطة التنوع البيولوجي، اتخذ  مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية، وخصوصا بوصفها موئلاً للطيور المائية (اتفاقية رامسار) في دورته الثانية عشرة، المعنون “أراضي الخث، وتغير المناخ والاستخدام الحكيم: التأثيرات على اتفاقية رامسار”، الذي يبرز دور أراضي الخث في تغير المناخ، ليس في التكيف معه فحسب، بل أيضا في التخفيف منه. والخث هو مواد نباتية متحللة تراكمت على مدى فترات طويلة في أماكن رطبة تعرف باسم مستنقعات الخث أو حقول الخث، وهي بصفة عامة أول مراحل تكوين الفحم الحجري. وطالب هذا القرار باستراتيجية للإدارة المسؤولة لأراضي الخث، وذلك بناء على أسس الاستخدام الرشيد.

ويطالب مؤتمر كانكون الحكومات  عند تطوير مساهماتها المحددة على المستوى الوطني لتخفيض الانبعاثات الكربونية، تنفيذ التدابير المحلية المرتبطة بها، إلى أن تأخذ في الاعتبار أهمية ضمان سلامة جميع النظم الإيكولوجية، بما في ذلك المحيطات، وحماية التنوع البيولوجي، ودمج النهج المعتمدة على النظم الإيكولوجية فيها، مع اشراك نقاط الاتصال الوطنية التابعة لاتفاقية التنوع البيولوجي في هذا العمل، وضمان أن المعلومات والأدوات والإرشادات التي أعدت في إطار اتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر  يتم استخدامها.

 

التنوع البيولوجي والغابات

 

واحد من العناوين الاساسية على جدول اعمال مفاوضات مؤتمر كانكون، يتعلق بالتطابق القوي بين أهداف آيتشي للتنوع البيولوجي ذات الصلة بالغابات، والأهداف العالمية الأربعة ذات الصلة بالغابات، وأنشطة وتوجيهات المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها، وأهداف التنمية المستدامة. ويعد تحقيق هذه الاهداف أمراً هاماً لتنفيذ رؤية عام 2050 للخطة الاستراتيجية للتنوع البيولوجي، فضلا عن خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

ومن المقرر ان يصدر قرار عن مؤتمر كانكون يدعو منتدى الأمم المتحدة المعني بالغابات، عند وضع الخطة الاستراتيجية 2017-2030 للترتيب الدولي المعني بالغابات، أن يأخذ في الاعتبار أهداف آيتشي للتنوع البيولوجي ذات الصلة بالغابات، وذلك بهدف تعزيز وضع نهج منسق لتحقيق الالتزامات والأهداف المتعددة الأطراف ذات الصلة بالغابات.

كما يولي مؤتمر كانكون اهمية خاصة لموضوع الاراضي الجافة التي يعيش فيها ويعتاش منها قرابة ملياري شخص في مختلف القارات لا سيما أفريقيا وآسيا.  وتوصف الأراضي الجافة بندرة المياه فيها ما يؤثر في النظم الإيكولوجية الطبيعية وتلك الخاضعة للإدارة على حدّ سواء، ما يسبب عائقا لإنتاج الحيوانات، فضلاً عن المحاصيل والأخشاب والأعلاف ونباتات أخرى، ناهيك عن تأثير ندرة المياه في توفير الخدمات البيئية.

يعرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الأراضي الجافة وفق مؤشر الجفاف، أي النسبة بين المعدل السنوي للهطولات والتبخر. والأراضي الجافة هي الأراضي التي ينخفض فيها مؤشر الجفاف عن 0.65. كما تقسم الأراضي الجافة بحسب مؤشر الجفاف إلى أراضٍ قاحلة جداً وأراضٍ قاحلة وأراض شبه قاحلة وأراض جافة شبه رطبة. ونجد الأراضي الجافة في جلّ المناطق الأحيائية والمناطق المناخية في العالم، حيث تشكل 41 بالمئة من مساحة الأراضي في المعمورة. وتنفذ منظمة الاغذية والزراعة (الفاو) برامج عديدة في الاراضي الجافة الحرجية بهدف إعادة هذه الأراضي إلى حالتها الأصلية.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This