نادرة سمجة أن يتحدث تجار أسلحة وذخائر ومعدات الصيد البري في لبنان عن “أخلاقيات” ما يعتبرونه “هواية” أو “رياضة”، فيما تمثل المجازر اليومية بحق الطيور نموذجا عن انعدام أخلاقيات كثر ممن يمارسون هذه “الرياضة”، ولا نعرف بالتحديد ما هي معايير “أخلاقيات الصيد”؟ ولا كيف يحددها هؤلاء وهم يتوخون تحقيق أرباح تقدر بملايين الدولارات؟
إذا ما نظرنا إلى حجم هذه التجارة، خصوصا مع بدء موسم الصيد ووصول طلائع الطيور المهاجرة في أواخر أيلول (سبتمبر) من كل عام، يتأكد أن ثمة “لوبيَّات” مالية قادرة على “تزيين المجزرة”، فالشعارات جاهزة (أخلاقيات الصيد إحداها) تستحضر المناقب ونقائضها معا، إذ ليس ثمة قتلٌ يُسوغ بأخلاق، فكم بالحري وسط ما نشهد من إبادة للطيور الوافدة؟
ليس ثمة “أخلاقيات” للصيد البري في لبنان، إلا إذا عدنا إلى الصيد كما كان قبل خمسينيات وستينيات القرن الماضي، يوم كانت معظم الأراضي مزروعة، وكان ثمة “ناطور” يراقب ويحرس ويزجر من يدنو من أملاك الناس، وكانت قوى الأمن تسطر محاضر ضبط
وتصادر أسلحة الصيادين، وكان من يحمل سلاحا يحاذر أن يراده “دركي” أو شرطي بلدي، وكانت هناك دورة إنتاج، وكان الصيد يُنظم نفسه وفق نظام زراعي اجتماعي واقتصادي.
الصيد البري هو مجموعة قيم مجتمعية نراها غائبة اليوم، و”أخلاقيات” الصيد انقرضت مع الطيور المستوطنة، تماما كما انقرض: “الحجل” “الترغل” “الدرُّب” “بو بليق” “بو الحن” وغيرها العشرات من الأنواع.
لا يمكن استحضار واقع الصيد البري في لبنان بعيدا من حالة الفساد والفوضى الماثلة في سائر قطاعات ومؤسسات ومرافق الدولة، فـ “أخلاقيات” الصيد على سبيل المثال، هي تماماً كما كالسيارات التي نراها اليوم تنفث دخانا من عوادمها وتخطت “بنجاح” المعاينة