تشهد صناعة السيارات الكهربائية في العالم نموا يسير في خط بياني تصاعدي، تماما كما هو حال سوق الألواح الشمسية، خصوصا في السنوات الخمس السابقة، وتتصدر هذا النمو “الأسواق الناشئة” Emerging Markets، ولا سيما الصين، وسط توقعات بأن تغزو السيارات الكهربائية الصينية الأسواق العالمية، ومنافسة شركات عملاقة استحوذت على حصة كبيرة من هذا السوق، ولا سيما منها بشكل خاص، شركة “تيسلا” Tesla الأميركية.
وفقا لتقديرات مؤسسة “ميدلي للاستشارات العالمية”Medley Global Advisors، وهي مؤسسة خدماتية تعنى بسياسة الإقتصاد الكلي والمعلومات والأبحاث في مجال الإقتصاد، تمتلكها “فاينانشال تايمز المحدودة” Financial Times Limited FT، فمن المتوقع أن يكون هناك أكثر من مليوني مركبة كهربائية Electric vehicles EVs على الطرق قبل نهاية هذا العام في كافة أنحاء العالم، أي بزيادة 60 بالمئة عن العام 2015، ووصل عدد هذه السيارات إلى 1،26 مليون سيارة، وبحسب المسار الحالي، وفقا لـ”ميدلي” أيضا فمن شأن هذا العدد أن يزداد عشرة أضعاف أي إلى 20 مليون EVs على مستوى العالم بحلول العام 2020، وبحسب تقرير حمل عنوان “توقعات المركبات الكهربائية للعام 2016″EV’s Outlook 2016 أصدرته “وكالة الطاقة الدولية” International Energy Agency، يمكن أن يصل العدد إلى 150 مليون بحلول العام 2040، إذا تم استيفاء الأهداف الأكثر طموحا باحتواء ظاهرة الاحتباس الحراري.
انخفاض سريع في تكاليف الإنتاج
ومع إعلان حوالي 14 دولة زيادة نسبة السيارات الكهربائية، فإن الصين تعتبر أكبر سوق لهذا النوع من السيارات، مع التوقعات أن يصل عدد المبيعات إلى 300 ألف سيارة هذا العام (2016)، أي بمعدل نمو سنوي قدره 120 بالمئة، بينما الهدف هو الوصول إلى خمسة ملايين مركبة كهربائية على الطرق بحلول العام 2020. وعلى الرغم من تصدر “تيسلا” الأميركية عناوين الصحف، على الأقل في الغرب، فإن الصين لديها بالفعل 25 شركة تبني 51 نموذجا من السيارات الكهربائية.
وأحد أسباب الاعتماد الشامل على هذه المركبات هو الانخفاض السريع في تكاليف الإنتاج، مع وفورات بزيادة الإنتاج على نطاق واسع، فضلا عن العنصر الحاسم المتمثل بتراجع كلفة تصنيع البطاريات، وقد شهد بالفعل انخفاضا من أكثر من ألف دولار لكل كيلوواط ساعة في العام 2010 إلى 268 دولار حاليا، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 100 لكل كيلوواط ساعة بحلول العام 2020.
ومن المتوقع أن ينعكس هذا الأمر على تعزيز وزيادة الإنتاج، فعلى سبيل المثال، سينتج “مصنع تيسلا العملاق” Tesla’s Gigafactory 35 جيغاواط لكل ساعة في غضون ثلاث سنوات، بينما يتجه مصنع “إل جي كيم” في كوريا الجنوبية لإنتاج أكثر من الضعف من بطاريات ليثيوم ليصل إلى 20 جيغاواط، بالإضافة إلى مصنعين صينيين Lishen وCATL اللذين ينتجان أقل من 5 جيغاواط لكل ساعة وسيرفعان الإنتاجية إلى 20 جيغاواط لكل ساعة و25 جيغاواط لكل ساعة على التوالي.
وتكلف نماذج السيارات الكهربائية EV الجديدة أقل من 40 ألف دولار حاليا، ومن المتوقع خلال عقد من الزمن أن تصبح أقل ثمنا من السيارات التقليدية، حيث سيبلغ متوسط سعر المركبة حوالي 20 ألف دولار.
وثمة سبب آخر للتفاؤل، وهو مرتبط بتكاليف التشغيل، فالمركبات الكهربائية بطبيعتها أكثر كفاءة، فمحرك الاحتراق الداخلي التقليدي لا يحول سوى 30 بالمئة من الوقود إلى حركة، ويفقد بقية الوقود على شكل حرارة وصوت وطاقة، أما المركبات الكهربائية، فمعدل كفاءة المحرك 80 بالمئة، وتكلف حوالي 500 دولار سنويا لتزويدها بالكهرباء في الولايات المتحدة، مقارنة مع 1400 دولار تنفق على البنزين كل عام على الرغم من أسعار البنزين المدعم في أميركا.
منافسة عالمية
في العام 2015، بيعت 90 بالمئة من السيارات الكهربائية في ثمانية أسواق رئيسية، هي: الصين، الولايات المتحدة، هولندا، النرويج، المملكة المتحدة، اليابان، ألمانيا وفرنسا، وقد شهدت كافة هذه الأسواق – باستثناء اليابان والولايات المتحدة – نموا بين عامي 2014 و2015، وحققت مبيعاتها أكثر من الضعف في هولندا حيث وصلت إلى 10 بالمئة من حصة السوق، وهي أعلى نسبة في الاتحاد الأوروبي وثاني أعلى نسبة على الصعيد العالمي، أي بعد النرويج التي بلغت نسبة مبيعاتها 23 بالمئة، وتجاوز النمو في العام 2015 أيضا 75 بالمئة في فرنسا، ألمانيا، كوريا الجنوبية، النرويج، السويد، المملكة المتحدة والهند.
كما ساهمت الحوافز المالية وتوافر بنى الشحن التحتية (محطات تزويد السيارات بالكهرباء) بشكل إيجابي في نمو أسهم السيارة الكهربائية في السوق، فضلا عن إقرار السوقين الأعلى حصة في أوروبا أي هولندا والنرويج مجموعة من التدابير لصالح المستهلكين الذين يختارون السيارات الكهربائية، في هولندا مثلا، تتمتع السيارات الكهربائية بتخفيض كبير على التسجيل والضرائب، بالإضافة إلى امتياز الوصول إلى بعض أجزاء من شبكة النقل المقيدة على السيارات الأخرى، بالمقابل تقدم النرويج حوافز قوية على شكل تخفيضات ضريبية على تسجيل EVs والإعفاء من ضريبة القيمة المضافة (VAT)، وعدم دفع رسوم الطرق والعبارات، وغيرها من التسهيلات في بلدان عدة لجهة الإعفاء الضريبي والتقديمات.
بذات الوقت تشارك شركات السيارات العالمية في المنافسة في مجالات عدة في سوق الـ EVs، فأداء نموذج تيسلا الأحدث Tesla Model 3، وبولت من جنرال موتورز GM Bolt تحسن للغاية، فهما قادرتان على قطع مسافة 200 ميلا (300 كيلومتر) دون التزود بالطاقة، وتَعِد “مرسيدس بنز” بسيارة دفع رباعي SUV جديدة في العام 2019 قادرة على قطع 300 ميل (450 كيلومتر) دون التزود بالطاقة، وفي الصين وصل عدد محطات الشحن العامة إلى 85،000 محطة، أما في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية فوصل عددها بين 10 آلاف و20 ألف محطة.
صناعة السيارات والتكيف
إلا أن استمرارية إنتاج السيارات الكهربائية تعتمد بشكل كيير على الحوافز الحكومية السابقة الذكر، خصوصا وأن شركات صناعة هذه السيارات تعاني من خسائر على كل وحدة مباعة، ومع تخطيط العديد من الدول الأوروبية للتخلص التدريجي من هذا الدعم في السنوات الخمس المقبلة، لا سيما في الولايات المتحدة، مع الأجواء السياسية الطارئة بعد انتخاب دونالد ترامب فقد تعاني هذه الصناعة من هذا الأمر، إلا أن استمرار الصين – ومن المرجح اليابان أيضا – بخطط الدعم الخاصة باقتناء هذه السيارات سيكون مؤكدا، فضلا عن العديد من الأسواق الناشئة لا سيما الهند، التي قد تعتمد هذه السيارات قريبا للحد من التلوث.
وحتى لو استخدم الفحم لتوليد الكهرباء لتزويد هذه المركبات بالكهرباء فإنها أكثر نظافة بيئيا، كون انبعاثاتها أقل بنسبة بين 20 و30 بالمئة من مركبة مماثلة تستخدم البترول، والجدير ذكره أن قطاع النقل يساهم بثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومع التشدد في اللوائح الحكومية حول هذا الأمر، فإن هذا الأمر سيجبر صناعة السيارات على التكيف واعتماد المركبات الكهربائية.
“إلا أنه مع ارتفاع عدد هذه المركبات إلى 20 مليون، فقد لا يشهد قطاع المحروقات خصوصا البنزين نموا”، تابعت “ميدلي” ولفتت إلى أن “الأمر لن ينعكس انخفاضا في استهلاك البنزين قبل العام 2030، والسبب في ذلك هو ببساطة عددي، فمقابل تلك المركبات الكهربائية (20 مليون سيارة)، فهناك 1.1 مليار سيارة ركاب تقليدية، ويستمر هذا العدد بالنمو، وربما تصل 1.3 مليار في العام 2020، وعند هذه النقطة، فإن المركبات الكهربائية ستشكل 1.5 بالمئة من الأسطول العالمي لهذه المركبات، علاوة على ذلك، فهذه المركبات هي الأخف وزنا، ولا تسير مسافات طويلة، بينما معظم الشاحنات الثقيلة والحافلات تشكل 7 بالمئة من أسطول المركبات ولكنها تستهلك ربع كمية الوقود الأحفوري”.
وحتى في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلا لـ “وكالة الطاقة الدولية”، فإن اعتماد EVs سيوفر 1.3 مليون برميل كل يوم من استهلاك النفط في العام 2030، وهذه الكمية متواضعة للغاية نظرا إلى نمو الطلب السنوي على النفط المقدر بمليون برميل في اليوم.
ومع انخفاض تكاليف السيارات الكهربائية وتوأمتها بالطاقة الشمسية في الدول النامية، وبالتالي تخطي التكلفة والوقت اللازم لتطوير البنية التحتية للشبكة التقليدية بهدف التزويد بالكهرباء، الإ أن هذا قد لا يقدم التوقعات المتفائلة لنمو EVs، فمن المتوقع وبدءا من هذه القاعدة المنخفضة حاليا، أن يستغرق الأمر أكثر من عقد من الزمن ليكون لهذه المركبات تأثيرها عدديا على أسطول سيارات الركاب العالمية العملاقة التي ستستمر في الإسراف في استهلاك النفط.