تواجه الهند واقعا بيئيا مأزوما وصل في السنوات القليلة الماضية حدودا غير مسبوقة، فاقمه التزايد المطرد بعدد السكان الذي تخطى عتبة المليار وثلائمئة مليون نسمة في 2015، خصوصا وأن هذه الزيادة لم يواكبها تلبية حاجات المدن من بنى تحتية، فعلى سبيل المثال ليس ثمة مصارف للنفايات الصلبة والسائلة على حد سواء، ولا حاويات للنفايات في معظم مناطق الهند، ولا أماكن لجمعها، فالشوارع والأرصفة والأنهر والمسطحات المائية غدت مكبات كبيرة لمياه الصرف الصحي والمخلفات الكيميائية والزراعية والصناعية والقمامة وغيرها.

كما أن المياه النقية تُحول إلى المعامل والمصانع لرفد الثورة الصناعية الحديثة في هذا البلد بما يحتاجه لمنافسة الأسواق، وهذا الأمر حرم الناس من هذه المياه التي تعود وتلوث المياه الجوفية، فضلا عن قطع الغابات بشكل عام، خصوصا أشجار المانغروف الهامة التي تحول دون انجراف تربة الشواطئ، وقد انخفضت هذه الأشجار بنسبة النصف في العشرين سنة الأخيرة، إضافة إلى تدهور حال التربة بشكل عام، ما جعل نحو 65 بالمئة منها في وضع سيء للغاية، وأثر بشكل كبير على إنتاجية الأراضي والتنوع البيولوجي.

 

تلوث الهواء

 

أما المشكلة الأكبر في بلد المليار نسمة فهي تلوث الهواء، وقد وصل التلوث فيها إلى نسب ليست الأعلى في العالم فحسب، بل غير مقبولة من “منظمة الصحة العالمية”، فالهند موطن لـ 11 من 16 من المدن الأكثر تلوثا في العالم، ويموت 2،2 مليون شخص بسبب تلوث الهواء، ما دعا المسؤولين في الهند والعالم إلى دق ناقوس الخطر.

ومن هنا اتجهت السياسة الهندية إلى تخفيض نسب التلوث بالتوجه بدايةً إلى تخفيض استهلاك مصادر الطاقة الأحفورية، فالهند تعتمد على الفحم المستورد لتوليد الطاقة الكهربائية للمنازل والصناعات المتنوعة العديدة التي بدأت تنافس بها كثير من دول العالم، إلا أن الإتجاه مؤخرا لمصادر بديلة في الطاقة المتجددة، أصبح عدا عن كونه هدفا اقتصاديا، هاجسا بيئيا وحياتيا وصحيا للمواطنين والساسة على حد سواء.

وفي هذا السياق، ترك رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي Narendra Modi وهو أحد الساسة البيئيين بامتياز، ومنذ استلام الحكم في العام 2014، بصمات بيئية واضحة، ومنها ما قدمته الهند في إطار خطط العمل الوطنية بشأن تغير المناخ (NAPCC) لمؤتمر تغير المناخ  COP21في باريس العام المنصرم، والتي شملت ثمانية بنود، منها “الرسالة الوطنية لهند خضراء”  National Mission for a Green India (GIM)بهدف زيادة المساحة الخضراء إلى 5 ملايين هكتار، ومن المشاريع الأخرى “برنامج الإنارة المنزلية الموفّرة” Domestic Efficient Lighting Programme، وهو مشروع آخر ضمن خطط العمل الوطنية بهدف جعل الطاقة أكثر فعالية، وذلك باستبدال مصابيح الإضاءة المنزلية بمصابيح الـ LED ومن المتوقع أن يصل عدد هذه المصابيح إلى 770 مليار مصباح بحلول العام 2018، وهذا المشروع نتج عنه في العام الماضي وفورات بالطاقة الكهربائية قدرت بـ 1،8 جيغاواط.

 

التقليل من الإنبعاثات

 

بالإضافة إلى هذا المشروع الهام، تأتي الخطة الوطنية للمحافظة على المياه من بين الأولويات في الهند، وقد شملت ضمن مشاريع عدة لتنظيف الأنهر وأهمها نهر الغانج، والمبادرة بمشروع نظافة وطنية في 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 تحت عنوان Swachh Bharat Abhiyan، بهاشتاغ #MyCleanIndia بهدف جعل الهند نظيفة بحلول العيد الـ 150 لميلاد الزعيم الكبير المهاتما غاندي، أي في العام 2019، وقد شمل المشروع 4041 مدينة وبلدة لتنظيف الطرق والبنى التحتية، وتم استخدام 3 ملايين شخص من موظفي الدوائر وطلاب المدارس والجامعات.

وشملت خطة الهند في مجال التقليل من الإنبعاثات، التقدم في مشروع خطوط السكك الحديدية، للتخفيف من استعمال وسائل النقل الخاص والتقليدية الملوثّة، إلا أن المشاريع الأهم فتتمثل في اعتماد الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، ولا سيما الطاقة الشمسية بهدف الحد من الإنبعاثات والتوفير في فاتورة استيراد الطاقة الأحفورية، ما ينسجم مع أحد بنود هذه الخطة الوطنية الأهم والأكثر تنفيذا على الأرض.

فقد بدأ “مودي” بتطبيق المبادرة التي أطلقها في نهاية العام الماضي في COP 21، وهي “تحالف الطاقة الشمسية الدولي” International Solar Alliance: ISA وشمل 120 دولة بهدف التقليل من الإنبعاثات بشكل جذري (حوالي 300 ألف طن من الكربون) بحلول العام 2030، فتم استكمال مشروع “مطار كوشين” Cochin International Airport Ltd في العام الماضي، وهو أول مطار في العالم يعمل بشكل كامل على الطاقة الشمسية.

 

الخطة الوطنية

 

كما تم افتتاح “مشروع كاموثي للطاقة الشمسية”Kamuthi Solar Power Project، وهو أكبر منشأة في العالم بغضون ثمانية أشهر لتوليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، وتم استخدام أكثر من 2.5 مليون وحدة لتوليد الطاقة الشمسية على مساحة 10 كيلومترات مربعة، بقدرة 648 ميغاواط وهي كمية كافية لتوليد الكهرباء لـ 150 ألف وحدة سكنية، وقد بلغت تكلفته 679 مليون دولار، متصدرا هذا النوع من المشاريع في القدرة الكهربائية والسرعة في التنفيذ، فقد حل مكان “مزرعة الطاقة الشمسية في توباز” Topaz Solar Farm في ولاية كاليفورنيا الأميركية وأخذ المركز الأول عمليا، والمشروع الأخير تطلب إنشاؤه سنتين وتولد 550 ميغاواط.

ومن بنود الخطة الوطنية الأخرى “المهمة الوطنية للزراعة المستدامة” National Mission for Sustainable Agriculture، “المهمة الوطنية للموائل المستدامة”  National Mission on Sustainable Habitat، المهمة الوطنية من أجل تعزيز نظام الهيمالايا الحيوي National Mission for Sustaining the Himalayan Ecosystem، و”المهمة الوطنية للمعارف الاستراتيجية المعنية بتغير المناخ” National Mission on Strategic Knowledge for Climate Change، وهي خطط يجري العمل عليها بشكل مستمر، بهدف إن لم تتوصل كما هو مأمول إلى نتائج إيجابية، الوصول إلى وضع حيادي، أو وقف التعديات البيئية الحاصلة الى حد معقول.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This