مطلع شهر كانون الاول (ديسمبر) الجاري، بدأت القرى المحيطة بمطمر الناعمة – عين درافيل تتغذى بالكهرباء المولدة من منشآت لتوليد الطاقة من غاز الميثان المنبعث من المطمر، المشروع نفذته شركة “سوكومي” بتمويل من الخزينة العامة عن طريق مناقصة أجراها “مجلس الانماء والاعمار”، بكلفة وصلت الى 10.3 مليون دولار، كما اشرفت على المشروع شركة Mott-McDonald بكلفة وصلت الى حوالي نصف مليون دولار، علماً ان شركة “سوكومي” بادرت قبل ثلاث سنوات، وعلى نفقتها، الى اطلاق مشروع تجريبي لتوليد الطاقة بقدرة نصف ميغاواط، وتم نقل الطاقة مجاناً عبر شبكة رديفة الى ثلاث قرى محيطة بالطمر، هي: عبيه، عين درافيل وبعورته.
ومع فرحة اهالي القرى المحيطة بمطمر الناعمة – عين درافيل بوصول الكهرباء الى منازلهم مجاناً، يشوب مشروع توليد الطاقة من غاز الميثان العديد من الثغرات، اذ ان العقد الحالي لا يغطي الصيانة إلا لفترة سنة واحدة من تاريخ التشغيل، الامر الذي يفترض ان تتداركه الحكومة المقبلة، من خلال استدراج عروض لعقد صيانة وتشغيل طويل الامد. اما وزارة البيئة فمطالبة بأن تتقدم بأوراق اعتماد للمشروع الى “آلية التنمية النظيفة” المعتمدة ضمن “بروتوكول كيوتو” المتعلق بتغير المناخ، لأن حرق غاز الميثان بدل اطلاقه في الهواء يساهم في خفض الانبعاثات المسببة للاحترار المناخي، إذ تقدر أضرار غاز الميثان بعشرة اضعاف مقارنة بأضرار بقية الغازات المسببة للاحترار المناخي، وهذا ما يمكن لبنان من استرداد جزء من كلفة المشروع، فضلا عن تعثر اطلاق مناقصة فرز ومعالجة نفايات قضاءي الشوف وعاليه، وعدم التوافق على مطمر يضع المنطقة التي تحملت نفايات لبنان على امتداد السنوات الماضية في صلب الازمة المستفحلة، حيث تتكدس يومياً في الطرقات والمكبات العشوائية، او تحرق في الهواء الطلق الذي بات مسرطناً بامتياز، منذ تاريخ نقل النفايات المتراكمة عن أزمة تموز (يوليو) 2015 الى مطمر الناعمة واغلاقه نهائياً في 20 أيار (مايو) 2016.
شارك في حفل تدشين المشروع أمس وزيرا الطاقة والزراعة أرتور نظريان واكرم شهيب، بحضور رئيس “مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر” ورئيس مجلس إدارة مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، ورئيس مجلس ادارة مجموعة آفيردا (التي تضم شركتي سوكلين وسكومي) ميسرة سكر، ليليان حمزة ممثلة النائب طلال أرسلان، يوسف دوغان ممثل وزير البيئة محمد المشنوق ورؤساء بلديات القرى المجاورة للمطمر وفاعليات حزبية واهلية ورجال دين.
وتحدث باسم اهالي المنطقة عضو بلدية عرمون زياد المهتار، منوها بـ “الذين تضامنوا وناضلوا من أجل الوصول إلى الحل المنشود”.
ثم تحدث سكر، فقال: “اننا منذ نحو عقدين وبالتحديد في 17/07/1997 استلمنا هذا الموقع، وأستطيع أن أؤكد بأننا طوال سنوات الخدمة، كنا أكثر الحريصين على اعتماد أعلى المعايير المهنية في العمل، ابتداء من تحضير الموقع للطمر وعملية حماية التربة بواسطة العزل والتغليف والمراقبة المستمرة، وإمداد شبكتي العصارة والغاز، وأعمال الطمر الصحي وصولاً إلى التغطية النهائية للمطمر. وقد ظهر جليا ذلك في تقارير جميع الخبراء الدوليين الذين تعاقبوا على مطمر الناعمة الصحي، واصفين إياه بأفضل المطامر الصحية على الإطلاق في منطقة الشرق الأوسط”.
واضاف: “ان المشروع الذي ندشنة اليوم هو أول تجربة بهذا الحجم يخوضها لبنان ونأمل أن تكون سابقة ايجابية”، متوجها بالشكر إلى “أهالي جوار مطمر الناعمة الذين استضافوا شركة سوكلين وعمالها طيلة 18 عاما”، كما شكر “من عمل على توليد الطاقة الكهربائية بالطرق الفنية والتقنية السليمة للمحافظة على البيئة في لبنان”.
أما رئيس مجلس ادارة ومدير عام كهرباء لبنان، فقال: “في ظل أزمة النفايات في لبنان التي نتمنى ايجاد الحلول الناجعة لها بما يجنب لبنان المزيد من الكوارث البيئية، نلتقي اليوم لندشن نموذجا عن هذه الحلول، ولنشهد تحقيق خطوة رائدة على الصعيدين البيئي والإنمائي في اطار الإستفادة من نفاياتنا وتحويلها من نقمة إلى نعمة، ومن كارثة بيئية تهدد حياة المواطنين لا سيما القاطنين في محيط المكبات والمطامر إلى سلعة حيوية يستفيدون منها ألا وهي الطاقة الكهربائية، وذلك من خلال توليدها من الغاز المنبعث من هذه المطامر”.
وأضاف: “ان مشروع توليد الطاقة الكهربائية من الغاز المنبعث من المطمر الصحي للنفايات الصلبة في عبيه – عين درافيل (مطمر الناعمة)، هو عبارة عن معمل مؤلف من 7 مجموعات انتاج، عاملة بقدرة 6،40 ميغاوات يتم ضخها عبر شبكة التوتر 15 ك.ف لفترة تقدر بعشر سنوات اعتمادا على كمية الغاز ونوعيتها، أما المجموعة السابعة فهي بمثابة احتياط في حال تعطل أي مجموعة من المجموعات الست”.
من جهته، قال رئيس “مجلس الإنماء والإعمار” نبيل الجسر بأن “الإدارة السليمة للنفايات الصلبة تفترض أن تجد كل منطقة لبنانية الحلول التي تناسبها للتخلص من عوادم النفايات، بعد اعتماد التخفيف من انتاجها وفرزها من المصدر وتدويرها واعادة استعمالها، بهدف تخفيض كلفة معالجة ما تبقى منها”. وأكد أن “هذا المشروع المتمثل بإنتاج الطاقة الكهربائية من الغاز الصادر عن مطمر الناعمة هو مشروع حيوي، ويعتبر رائداً ونموذجيا ليس على مستوى لبنان فحسب”.
بدوره، قال وزير الطاقة أرتور نظريان بأن “هذا المشروع النوعي الذي يخفف من الإنبعاثات المضرة للبيئة من خلال استعماله للغازات المنبعثة من مكب النفايات Land Fill Gaz – LFG كوقود للمحركات المنتجة للكهرباء، لا يعتمد على أية محروقات أخرى، وينتج عنه توفير ملحوظ في كلفة انتاج الطاقة، ويشكل نموذجا للإمكانيات الواسعة التي توفرها اليوم التكنولوجيا الحديثة التي تقدم حلولاً متعددة لتحويل مشكلة التخلص من النفايات الى مشروع منتج وصديق للبيئة”.
وأضاف: “في هذا الإطار، لقد لحظت ورقة سياسة الكهرباء التي اقرتها الحكومة اللبنانية مبادرة لإنتاج الطاقة من النفايات، من خلال الحرق النظيف بتقنيات حديثة وبطريقة بيئية سليمة تتبعها الكثير من الدول المتقدمة في العالم، قد تشكل حلا متكاملاً لمشكلة التخلص من النفايات في لبنان بدلا من طمرها، نأمل أن يكون أيضاً في المستقبل القريب موضوع اهتمام المعنيين لجعل بلدنا نظيفاً ومنتجاً للطاقة المتجددة والمستدامة”.
من جهته، قال شهيب بأنه “مع فرح اقفال المطمر وفرح تدشين محطة انتاج الطاقة لا أخفي ألماً في نفسي، ذلك أن الناعمة وبعورته تحملتا الجميع، لكن أحداً لم يبادر إلى مساعدتهما في ادارة النفايات المنزلية التي عادت لتتكدس في الطرقات”.
وأضاف: “لقد قالوا الكثير عن المطمر ونعتوه بأبشع الأوصاف، قنبلة موقوتة، كارثة، مرض سرطان وتناسوا أنه أنشئىء على أسس علمية وشروط ومعايير هندسية وبيئية صارمة، ونفذ عبر هذه المعايير والشروط، وسيتحول إلى مساحة خضراء ومنشأة تنتج الكهرباء”.
وشدد على أن “موقعي برج حمود ومصب نهر الغدير أمَّنا حلا مؤقتاً وقصير الأمد، وعلى الحكومة التعاون وفوراً للبدء بتنفيذ المشروع المعد والسير به وتخفيف النفايات من المنازل أو المؤسسات، والفرز والإستفادة من النفايات بإنتاج الطاقة، وأحذر من مغبة تأجيل الحلول المستدامة حتى لا تتكرر المأساة”.
ومعلوم، ان مطمر الناعمة – عين درافيل ذاع صيته في تموز (يوليو) 2015 بعد ان اغلق من قبل اهالي المنطقة، تسبب في انهيار منظومة ادارة النفايات المنزلية الصلبة لاكثر من 300 قرية ومدينة في محافظتي بيروت وجبل لبنان. ولا تزال تداعيات هذه الازمة مستمرة الى اليوم، خصوصاً في قضاءي الشوف وعاليه، في حين وجدت الحكومة في إنشاء مطمرين جديدين على الشاطئ في برج حمود، الجديدة – البوشرية – السد وقرب مصب نهر الغدير في الشويفات، حلاً مؤقتاً لأزمة مدينة بيروت واقضية بعبدا وكسروان والمتن. لكن هذين المطمرين، ونظراً لوقوعهما في الاملاك العامة البحرية المردومة، فانهما غير قابلين للتوسع كما حصل في مطمر الناعمة – عين درافيل على امتداد السنوات السبعة عشر الماضية، ما يعني عملياً ان ازمة النفايات التي بدأت مع اغلاق مطمر الناعمة – عين درافيل في تموز (يوليو) 2015، مرجحة للعودة وبقوة اكثر، في منتصف العام 2018 على ابعد تقدير.