أن تزرع، فهذا فعل هام ونبيل، خصوصا إن توفرت لك التربة الخصبة والمياه العذبة بكمية مناسبة، وقد تستعمل مضخة لجلب المياه باستخدام الديزل، وتحتاج بالتأكيد لأشعة الشمس، ولكن أن تزرع البندورة (الطماطم) بكميات تجارية في صحراء قاحلة، وبمياه مالحة من البحر، ولا تستهلك فيها المياه الجوفية، بل أشعة الشمس دون تربة ولا محسنات ولا مبيدات حشرية في دفيئة Green house، لا تُستعمل فيها الطاقة الأحفورية للتدفئة أو ضخ المياه، فهو تحدٍ كبير.
مزارع Sundrop Farms
“بعد العام 2050 سيشهد العالم زيادة في عدد السكان، ما سينعكس زيادة بنسبة 50 بالمئة في الطلب على الغذاء، وسيساهم تغير المناخ وزيادة عدد وشدة الأحداث المناخية الكارثية، وندرة المياه في تفاقم مشكلة إنتاج الغذاء، لذا لا بد من طرق بديلة لتوليد الطاقة وإنتاج الغذاء، وهذا الأمر لم يعد خيارا مفضلا بل ضرورة”، بهذه الكلمات تقدم مزارع Sundrop Farms
مشروعها الثوري، وهو النظام الزراعي الأول من نوعه في العالم، ويمكن أن يكون اتجاه الزراعة في المستقبل، لجهة زراعة المنتجات الغذائية على أنواعها في المناطق القاحلة.
وتعني مزارع “صن دروب” Sundrop Farms حرفيا مزارع “قطرة الشمس”، وتقع ضمن منطقة جرداء من صحراء جنوب أستراليا، وهي شركة عالمية رائدة في مجال الزراعة المستدامة، تنتج الفواكه والخضروات الطازجة باستخدام الطاقة المتجددة، ابتدأت حاليا بإنتاج البندورة على نطاق واسع، ومن المتوقع أن يصل إنتاجها في العام الحالي (2016) إلى 150 ألف طن من البندورة ناتجة من 400 ألف نبتة، على مساحة 20 هكتار (الهكتار 10 آلاف متر مربع)، ولا تستعمل المزارع نباتات معدلة وراثيا أو مبيدات.
وكان المشروع في البداية تجربة بدأها فريق دولي من العلماء في العام 2010 بدفيئة واحدة (بيت بلاستيك)، وخلال السنوات الست الماضية عمل على صقل وتحديث وتطوير التصميم الأولي، للوصول إلى منشأة ضخمة على نطاق تجاري بدأت في العام 2014 وأطلقت رسميا في 6 تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام.
المشروع
تُروى مزارع “صن دروب” بمياه البحر التي تُضّخ عبر أنابيب طولها 5،5 كيلومتر من خليج سبنسر Spencer Gulf الواقع في منطقة مرفأ أوغستا Port Augusta الأسترالي القاحل، وتصل المياه إلى محطة تحلية تعمل على الطاقة الشمسية، لتنقية المياه الكافية لري حوالي 400 ألف نبتة من البندورة (الطماطم)، في منطقة غير صالحة للزراعة التقليدية بسبب الجفاف والحرارة العالية، ولكن يجري تبريد المشروع باستعمال المياه المالحة، وذلك باستعمال ألواح من الكرتون المقوى المبلل بالمياه في الصيف وتدفئته بالمياه الساخنة في الشتاء على حد سواء، ووفقا
لموقع المشروع “تستخدم الدفيئة التقليدية المياه الجوفية لأغراض الري، فضلا عن الوقود الأحفوري لأغراض التدفئة والكهرباء للتبريد، بينما تستخدم دفيئة Sundrop مياه البحر وأشعة الشمس لتحويلهما إلى طاقة ومياه عذبة، ثم نستخدم ثاني أوكسيد الكربون والمواد المغذية من مصادر مستدامة لتحقيق أقصى قدر من النمو لمحاصيلنا، ولأننا لسنا بحاجة للتربة، فنحن قادرون على تحويل الأراضي المتدهورة في المناطق القاحلة والتي كانت تعتبر في السابق مناطق جرداء إلى مناطق منتجة زراعيا”، ولفت الموقع إلى أنه “ليست ثمة حاجة لمبيدات للآفات لأن مياه البحر تنظف وتعقم الهواء، وتزرع النباتات على بقايا قشور جوز الهند بدلا من التربة”.
وتولد الطاقة الشمسية بانعكاس أشعة الشمس باستخدام 23 ألف مرآة عاكسة نحو برج استقبال بارتفاع 127 متر، وفي يوم مشمس، تصل الكهرباء المتولدة من الطاقة الشمسية إلى 39 ميغاواط، وهي كمية كافية لتشغيل محطة تحلية المياه وتوفير احتياجات الكهرباء للمشروع بدلا من استخدام الطاقة الأحفورية المسببة للإحتباس الحراري.
العملية برمتها مكلفة بالتأكيد، فقد قدرت تكلفة المشروع بحوالي 200 مليون دولار، وهي تكلفة تستعصي على معظم المزارعين، ولكن الرئيس التنفيذي لشركة مزارع Sundrop فيليب ساومويبر Philipp Saumweber يؤكد أن “التكلفة الأولية لمشروع مزارع Sundrop عالية، وهي تكلفة البنية التحتية إلا أنها على المدى البعيد ستكون مربحة، أما البيوت البلاستيكية العادية فهي أكثر تكلفة لجهة التشغيل، خصوصا إن كانت تعمل على الوقود الأحفوري”، وأضاف ” نقص الطاقة الشمسية المحتملة في فصل الشتاء يعني أننا نحتاج إلى توصيل المشروع إلى شبكة الكهرباء، ولكن التحسن التدريجي للتصميم سيؤدي إلى توقف نهائي للاعتماد على الوقود الأحفوري”.
آفاق المشروع
وقال البروفسور في جامعة سيدني قسم الزراعة والبيئة Robert Park روبرت بارك أن “هذه الأنظمة الإنتاجية المغلقة هي فكرة ذكية جدا”، وأضاف “أعتقد أن النظم التي تستخدم مصادر الطاقة المتجددة سوف تصبح أفضل وستشهد زيادة في المستقبل، بشكل يساهم أكثر في توفير بعض المنتجات الغذائية”.
أما البروفسور في “جامعة نيو انغلاند” في أستراليا كلية البيئة والعلوم الريفية Paul Kristiansen فشكك في ضرورة بناء منشأة مستهلكة لكميات كبيرة من الطاقة لزراعة البندورة في الصحراء، عندما تكون هناك ظروف مثالية لنموها في في أجزاء أخرى من أستراليا، وقال أن “الأمر يشبه سحق حبة من الثوم بمطرقة، فليس لدينا أي مشاكل في زراعة البندورة في أستراليا”، وأضاف “إلا أن هذه التكنولوجيا قد تصبح مفيدة في المستقبل إذا تسبب تغير المناخ بالجفاف في المناطق الخصبة، فسوف يكون من الجيد أن لدينا خططا بديلة”.
وقد بدأ بيع البندورة المنتجة من المزارع في الأسواق الأسترالية، كما استقطب هذا المشروع اهتمام دول عدة، وتخطط Sundrop الآن لإطلاق مشاريع مماثلة من الدفيئات الزراعية المستدامة في البرتغال والولايات المتحدة، وأخرى في أستراليا، كما تختبر شركات أخرى “دفيئات تجريبية” مشابهة باستخدام مياه البحر في المناطق الصحراوية في سلطنة عمان، قطر والإمارات العربية المتحدة.