لا يمكن للنوايا الطيبة وحدها أن تكرس العدالة وتعممَ قيم الخير والمساواة، في عالم فقد توازنه وانهار الحد الأدنى المتبقي من قِيَمِه، فيما هو يجنح صوب الانهيار الكامل مع تهدم البنيان المؤسسي المفترض أنه ضابط للعلاقات الإنسانية دولا وأفرادا ومجموعات.
قبل أيام أطل أمين عام الأمم المتحدة المكلف أنطونيو غوتيريش وأدى اليمين أمام الجمعية العامة، ليتولى مهام منصبه في الأول من كانون الثاني (يناير) عام 2017، وأكد خلال المناسبة ثقته وإيمانه بـ “السلام، والعدالة والكرامة الإنسانية والتسامح والتضامن”، لكن لم يوضح غوتيريس آلية تحقيق هذه القيم، وهو يعلم كما نحن نعلم أن الأمم المتحدة لا تملك إلا التمنيات، حتى غدت عبارة سلفه بان كي مون مدعاة للتندر حين يعرب عن أسفه مع كل فاجعة وحدث جلل.
لا نفتئت من نوايا غوتيريس ولا ننتقص من نضاله في ميادين العمل الإنساني، فرئيس وزراء البرتغال الأسبق شغل منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين عشر سنوات، وهو خبر وعاين وعايش الوجع، وكان على تماس مباشر مع حالات النزوح والتشرد والموت غرقا في بحار لفظت جثث المئات ممن تقطعت بهم السبل من أفريقيا وآسيا، ولم نستغرب أن تختاره الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بالإجماع، فالمسألة هنا، تتعدى الشخص إلى منظومة القوانين التي تحكم الأمم المتحدة، فهي لم تتمكن من وقف النزاعات بين الدول ولا تملك أكثر من إدارة الأزمات، والتخفيف من وطأة الحروب والكوارث وإصدار بيانات الشجب والاستنكار والتضامن.
لقد أكدت الأحداث والتطورات خلال أكثر من ستة عقود أن الأمم المتحدة شكلت إطارا دوليا هو الأهم حتى الآن، ولكن الأقل فاعلية، فالدول المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية هي من وضع محددات لطبيعة عملها، بما يخدم مصالحها، فسلاح “الفيتو” على سبيل المثال، والذي استفادت منه الدول العظمى، جعل من الأمم المتحدة أسيرة أهداف هذه الدول ومطامعها وسيطرتها على الدول الفقيرة ونهب ثرواتها الدفينة.
تمنيات غوتيريس لا يمكن صرفها في عالم متصدع آيل إلى السقوط، ولا قيمة فعلية لها، بعد أن فقد العالم كل قيمه، وإذا ما أمعنا النظر في ما تواجه الإنسانية من تحديات، نصل إلى حقيقة راسخة، وهي أن العالم بات بحاجة إلى عقد إنساني جديد، على أنقاض موروثات الماضي… وهذا ما لا يمكن لأحد أن يحلم به، لا الآن ولا غدا… ولا في المدى المنظور!