كان شعار حملة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب منذ بداية حملته الرئاسية “لنجعل أميركا عظيمة مرة ثانية” Make America Great Again، ولكن وفقا للرئيس التنفيذي لمؤسسة سينديكاتوم Sindicatum للطاقة المتجددة أسعد رزوق Assaad Razzouk في مقالته في الهافنغتون بوست The Huffington Post، فإنه قد يفشل في مسعاه، وبالمقابل سيجعل الصين عظيمة مرة ثانية.
جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة صاعقة على جلسات التفاوض في محادثات الامم المتحدة بشأن تغير المناخ في المغرب في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بانتخاب مشكّك بتغير المناخ، رئيسا لدولة من أغنى دول العالم بتمويل من شركات النفط والغاز، والثانية من حيث نسبة الانبعاثات العالمية، خصوصا وأن الولايات المتحدة كانت قد قطعت شوطا كبيرا في الجهود الآيلة للحد من تغير المناخ على مدى السنوات الثماني الماضية.
وبحسب رزوق “سادت صدمة عميقة خلال المؤتمر، بين مسؤولين من 195 دولة وممثلي عدد كبير من مراكز البحوث والمؤسسات غير الحكومية ومن القطاع الخاص، ممن عملوا لسنوات من أجل توفير سبل استجابة ذات مصداقية لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري التي يغذيها النفط والغاز وحرق الفحم، والتي تشكل تهديدا وجوديا للحضارة الإنسانية من خلال ارتفاع مستوى سطح البحر والظواهر الجوية المتطرفة”.
وأشار رزوق إلى أن “الرئيس المنتخب يعتقد أن ظاهرة الاحتباس الحراري هي مجرد خدعة صينية، تم إنشاؤها لايذاء التصنيع في الولايات المتحدة، وتتكون حاشيته من الرئيس التنفيذي لشركة اكسون موبيل ExxonMobil ريكس تيلرسون Rex Tillerson وزيرا للخارجية، مع الرافض لموضوع تغير المناخ حاكم ولاية تكساس الأسبق ريك بيري Rick Perry وزيرا للطاقة، والمحامي سكوت برويت Scott Pruittعلى رأس وكالة حماية البيئة Environmental Protection Agency، وهي الوكالة التي رفع برويت نفسه دعاوى ضدها 13 مرة”.
ويستنتج رزوق أن مبادرات دونالد ترامب المزمع تبنيها لجهة زيادة سرعة تعدين الفحم والتكسير الصخري بهدف التنقيب والحصول على النفط، وإعادة بدء تشغيل خط أنابيب كيستون XL Keystone XL pipeline وقوله لشركات السيارات أن عليهم التغاضي عن معايير التلوث، سوف تعمل لجعل الصين عظيمة مرة ثانية، لأن الصين تتابع مسارها، في مجال الحد من تغير المناخ لتقود هذه المسيرة، وفيما يبني ترامب الجدران الفاصلة، تبني الصين الجسور، وبيّن رزوق الأسباب الستة لذلك التفوق:
أولا: كثفت الصين خطواتها لتتبوأ موقع القيادة في مجال تغير المناخ، ومنها إلقاء محاضرات موجهة للرئيس ترامب حول تغير المناخ، وقد شجعت الدول الـ 194 التي وقعت اتفاق باريس هذه المبادرة الصينية.
ثانيا: لا تتوقف الصين عند ذلك، بل تواصل حكومتها جهودها لاتخاذ إجراءات فاعلة لإعادة توجيه اقتصادها بهدف تغذيته بالطاقة النظيفة، وتعمل الصين باستمرار على هدفين، وهما بناء البنية التحتية للطاقة النظيفة بمعدل 125 مليار دولار في السنة، واستمرارها في دعم الانخفاض السريع في تكلفة التكنولوجيات النظيفة.
وفي هذا المجال يوضح رزوق أن “قاعدة الصين التصنيعية لكلا الهدفين، ستعمل على توسيع وتعزيز دورها الريادي في تقنيات المستقبل، بما في ذلك الطاقة النظيفة والمتجددة، وكفاءة الطاقة، والسيارات الكهربائية، فضلا عن التطور السريع في تقنيات تخزين الطاقة، وفي حين أن شركة تيسلا Tesla تتصدر الأخبار، فالصين لديها بالفعل 25 شركة سيارات تعمل على 51 نموذجا من السيارات الكهربائية” (وكنا قد أدرجنا مقالا في هذا المجال في موقعنا (greenarea.info.
ثالثا: أظهرت الصين نواياها بوصفها الداعي للتجارة الحرة للدول المطلة على المحيط الهادىء، أما حملة ترامب الرئاسية والتي تمحورت حول منصة الحماية في السياسة التجارية للولايات المتحدة الأميركية، فقد قدمت للصين نافذة “جغرافية سياسية” geo-political ساهمت بحرمان الولايات المتحدة من أي مزايا من سياسة إدارة أوباما المحورية بالتوجه إلى آسيا.
واقتبس رزوق قول الرئيس الصيني شي جين بينغ Xi Jinping قبل اختتام قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادىء Asia-Pacific Economic Cooperation في العاصمة البيروفية ليما Lima – Peru مؤخرا، حين قال: “إن الصين لم تغلق الباب أمام العالم الخارجي ولكن سوف تفتحه على أوسع نطاق”. وظهر هذا التحول السريع واضحا بالفعل في ليما، وذلك أسبوعين قبل الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
رابعا: من المستبعد إلغاء التشريعات الاستثمارية بما يخص الإعفاء الضريبي التي وضعتها حكومة الولايات المتحدة بما يخص الطاقة المتجددة في العام الماضي، بدعم من الحزبين الرئيسيين الأميركيين الحاكمين فضلا عن الكونغرس، وبالتالي، ستستمر الطاقة المتجددة بالنمو في الولايات المتحدة لمدة سنتين أو ثلاث سنوات إضافية، وخلال هذه الفترة، فإن التكاليف ستستمر في الإنخفاض في هذا القطاع مع خلق المزيد من فرص العمل، ولكن، عملية الابتكار في التكنولوجيا النظيفة في هذه المرحلة قد تمتلكها الصين أكثر من الولايات المتحدة.
خامسا: إذا كان الرئيس المنتخب ينوي الاستمرار بنواياه في مجال الإعتماد على الفحم، فإن القدرة التنافسية للولايات المتحدة سوف تعاني، فمهما حاولت إدارة ترامب تنشيط صناعة الفحم، فلن تنجح، ولا أحد يرغب بمصنع يعمل على الفحم بعد الآن، حتى شركات الكهرباء لا تريد هذا النوع من الوقود، بل تفضل بدائل أرخص وأنظف مثل الغاز الطبيعي، بالمقابل تخفض الصين من اعتمادها على الفحم، وذلك بتقليل وتيرة إنتاجية القواعد الصناعية التي تعتمد عليه، ما سيقفل منافذ تصدير الفحم من الولايات المتحدة، وقد أقفلت الصين بالفعل ألف منجم فحم هذا العام.
سادسا وأخيرا: ستُسْتَنفد أموال أوبك OPEC في المنافسة مع الولايات المتحدة الأميركية، التي ستستعرض عضلاتها في تصدير النفط والغاز الخاص بها، ما سينعكس انخفاضا في الأسعار، وهذا سيكون عظيما بالنسبة للصين، فاستيراد النفط الأرخص يزيد من قدرتها التنافسية لتصنيعه، وقد بلغ هذا الأمر ذروته بالفعل، وتستمر الصين باستيراد المزيد والمزيد من النفط.
وخلص رزوق إلى انه إذا “كان ترامب عازما حقا على الاستمرار في إنتاج الفحم، مع تراجع الطلب عليه بسبب مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي، فإنه سيفشل حتما، فيما يجعل الصين عظيمة مرة ثانية”.