هل نحتفي قريبا بمحمية بيئية على شاطىء بلدة العباسية في قضاء صور؟ وهل تتحقق هذه الأمنية الكفيلة بالحفاظ على ما بقي من شواطئنا؟ وهل نطمئنُّ إلى أن شاطئاً آخر سيكون في منأى عن مشاريع تشوِّه ما بقي من مساحات مشرعة على البحر؟

حتى الآن، يبدو أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، ففي إطار العمل الذي أنجزه “الجنوبيون الخضر” بالتوافق والتعاون مع بلدية العباسية، أثمرت الجهود المبذولة مشروعا لإعلان شاطئ العباسية محمية طبيعية، جاء ذلك بالاستناد الى مطالعة رئيس “الجنوبيون الخضر” الدكتور هشام يونس بالاعتماد على دراسات رعاها برنامج الأمم المتحدة للتنمية، صنف خلاله الشاطئ لخصوصيته وتنوعه البيولوجي، فضلاً عن مسح أجرته الجمعية للشاطئ بتبنٍ ودعم بلدية العباسية، وهو مشروع يُثنى عليه في زمن المشاريع اللابيئية.

 

يونس: ينابيع المياه العذبة والساخنة

 

رئيس “الجنوبيون الخضر” الدكتور هشام يونس تحدث لـ greenarea.info عن اهمية الشاطئ وخصوصيته، فقال: “يفيدُ الشاطئ من ترسبات نهر الليطاني الذي يقع مصبه على بعد كيلومترات قليلة إلى الشمال، التي تنشرها التيارات على كامل الخط الممتد من المصب إلى صور جنوباً وشمالاً لكيلومترات عدة. كذلك تنتشر في المنطقة ينابيع المياه العذبة والساخنة مما يدخل عناصر إضافية على المنظومة الإيكولوجية للساحل غير متوفرة في مواقع أخرى ويزيد من خصوصيتها”.

وأضاف: “إلى إتساعه، الذي يتجاوز في بعض مواقعه المئتي متراً، يتميز الشاطئ بالكثبان الرملية الناعمة غير المرتفعة مع أماكن منبسطة، مما يوفر بيئة مؤاتية لعيش أنواع عدة من النباتات والحيوانات ولتعشيش السلاحف البحرية والتي في نشاطها هذا تضيف عنصراً إلى غنى الشاطئ وتنوعه. (أثناء حركتها من البحر باتجاه الشاطئ والعكس، تنقل السلاحف البحرية معها عناصر من المحيطين باتجاه الآخر. كما تدخل بيوضها والسلاحف الصغيرة عنصراً حيوياً ضمن السلسلة الغذائية لطيور وحيوانات الشاطئ وكذلك أعشابه)”.

وأشار يونس إلى أن “الشاطئ يمتاز بغطاء نباتي كثيف ومتنوع، وهو ما يوفر موئلاً للعديد من الطيور والحيوانات والحشرات والزواحف”، وقال: “من بين النباتات التي تنتشر على الشاطئ: نبات الغاب أو القصب، ونبات الطيون، والخروع، والقبار (الشفلح)، والسرو والصبار، والزنبق الرملي الأبيض الذي بات نادراً على الساحل اللبناني، ونبات القرم، ويسمى ايضاً الشورى أو المنغروف، حيث تعيش هذه النباتات على الماء المالح ولا تحتاج الى ماء عذب وتوفر ملجأً للطيور المهاجرة التي تستظلها وهي نبتة خضراء على مدار العام وتلعب دوراً هاماً في منع ظاهرتي الانجراف والتعرية للتربة الشاطئية، وتسهم في تنظيم حركة الرياح وتوزيع الأمطار، ونبات العشرق ذو الازهار الصفراء الصغيرة”.

2

أهمية الشاطئ

 

في إطار مشروع رصد الموارد البيئية في لبنان”Environmental Resources Monitoring in Lebanon ERML، وهو المشروع الذي موّلته الحكومة اليونانية بمبلغ 1.64 مليون دولار، ونفّذته وزارة البيئة اللبنانية بإدارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في لبنان، والذي هدفَ إلى تقييم الساحل وتصنيف مواقعه الحساسة من حيث النظم الايكولوجية والتعرف إلى التهديدات الرئيسية التي تواجهها، بالإضافة إلى وضع قاعدة بيانات للمواقع الطبيعية والبيولوجية والثقافية المتدهورة أو المهدّدة على الساح، والذي إعتمد في تحديده لأهمية المواقع ودرجة حساسيتها وأولوية الاهتمام وإتخاذ إجراءات حماية لها، على معايير إتفاقية حفظ التنوع البيولوجي، وكذلك تلك المعتمدة لدى اليونسكو ومركز التراث العالمي (WHC)، يرد في التقرير الصادر في آب (أغسطس) 2012 عن جامعة البلمند، والذي خلُص إلى تصنيف 59 موقعاً على طول الساحل اللبناني، يرد شاطئ العباسية من ضمن المواقع الهامة التي يوصي التقرير بحمايتها، مشيراً إلى عنصر “ينابيع المياه الحارة” ، لما تشكله من مؤشر على تنوع النظام الإيكولوجي في الموقع لما توفره من عناصر معدنية غير متوافرة في مواقع أخرى وبالتالي توفر بيئة لأصناف عديدة، وأيضاً إختلاط هذه العناصر بتلك المحيطة مما يوفر عناصر جديدة للمحيط البيئي للموقع ويغني، بالتالي، التنوع البيولوجي.

وبحسب يونس، فقد “صنف تقرير مسح وتقييم نشاط تعشيش السلاحف على الشاطئ اللبناني الذي نشر عام 2002 والذي نظمته وزارة البيئة بدعم من مركز الأنشطة الإقليمية للمناطق المتمتعة بحماية خاصة (RAC / SPA) وجمعية البحر الأبيض المتوسط  لإنقاذ السلاحف البحرية، شاطئ العباسية أحد تسعة عشر موقعاً ناشطاً أو يتمتع بخصائص مؤاتيه لنشاط السلاحف البحرية (جاء شاطئ العباسية من بين تسعة صنفت عالية الأهمية). وكانت سجلت مشاهدات عدة لسلاحف بحرية على الشاطئ، أو لآثار سلاحف خلال السنوات الماضية، وفي شباط (فبراير) 2015 وثق الجنوبيون الخضر حالتي نفوق لإثنين من السلاحف البحرية البالغة على الجهة الشمالية من الشاطئ”.

 

مُقترح الجنوبيون الخضر

 

بالإستناد إلى ما تقدم، قال يونس: “تقدمت جمعية الجنوبيون الخضر بمقترح للمجلس البلدي لبلدة العباسية باقتراح حماية والعمل على تصنيف الشاطئ محمية طبيعية وطنية، وفي مرحلة لاحقة تحديد مناطق ثلاث: 1- قسم التنوع البيولوجي: ويتم تحديده بناءً على كثافة الغطاء النباتي ونشاط الحيوانات والطيور والسلاحف البحرية والزواحف بحيث يشكل منطقة آمنة لهذا التنوع الحيوي. 2- الحديقة النباتية Botanical garden: وهو قسم يفتح للعامة في مواسم محددة على مدار السنة. ويضم مسارات وبطاقات تعريف تسمح للزوار بالتعرف على أصناف النباتات التي يمتاز بها الشاطئ وعلى بيئته التي توفر موائل لأصناف الطيور والحيوانات والزواحف والحشرات، وكذلك لتعشيش السلاحف. وستكون من أولى الحدائق النباتية الشاطئية في الجنوب ولبنان وربما الأولى من نوعها وستؤدي دوراً هاماً في التوعية البيئة والتربوية وستشكل مقصداً للزوار والتلامذة والباحثين والسياح. 3- مركز الترفيه والسياحة والرعاية البيئية: يُحدد موقعه بعد تقييم للنشاط البيولوجي على الشاطئ. ويتم تحديد موقعه وعناصره بما يتوافق مع خصوصية الموقع وشروط المحمية ويضم: مقهى ومطعم (بإدراة وإشراف البلدية) ومركز إدارة وإستعلام وإرشاد بيئي يستقبل الزوار ويشرح شروط الزيارة وأماكن السباحة ويوزع المنشورات ويصرف تذاكر الدخول للحديقة النباتية”.

ويرى “الجنوبيون الخضر” أن من شأن ذلك وحده أن يحفظ الشاطئ الغني بخصائصه وتنوعه البيولوجي، ويحوله إلى مرفق بيئي سياحي تربوي هام على الساحل اللبناني وأبعد، يفتح بلدة العباسية على قطاعي السياحة البيئية، وهو قطاع نام حول العالم ويطل على قطاعات إنتاجية حرفية عديدة، يفيدُ منها أهالي العباسية والمحيط ويوفر العديد من فرص العمل ويسهم في تحقيق تنمية مستدامة للبلدة.

وختم يونس مشيدا بالتجاوب والاهتمام والجدية الذي أبدته بلدية العباسية ورئيسها الحاج خليل حرشي بمقترح المحمية موجهاً له وللمجلس البلدي التحية وأكد على استمرار التعاون حتى تحقيق المحمية

بلدية العباسية

 

رئيس بلدية العباسية خليل حرشي قال لـgreenarea.info  أنه “ومع بداية تسلمنا لمهامنا البلدية عرض علينا الجنوبيون الخضر مقترحا لإعلان شاطئ البقبوق – العباسية محمية طبيعية، ونظرا لأهمية الطرح، لم نتوان كبلدية باتخاذ الاجراءات اللازمة، كما بدأنا العمل على تحديد الارض المفترض اعلانها محمية طبيعية بالتعاون والتنسيق مع الجنوبيون الخضر”.

وأَضاف: “في 16 الشهر الجاري قمنا سويا بزيارة وزير البيئة السابق محمد المشنوق، قبل تشكيل الحكومة الجديدة، واطلعناه على رغبتنا بإقامة محمية طبيعية على شاطئ العباسية، وسلمناه قرار المجلس البلدي بالموافقة على ذلك، مرفقاً بالدراسات البيئية، ورحب معاليه بالمقترح، وأشاد بالخطوة الهامة التي نسعى اليها، ورحب مشيرا الى انها خطوة هامة ومدروسة في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة الممارسات السيئة والتعديات على البيئة”.

وأكد حرشي “اننا سنتابع مع الوزارة الجديدة في المعاملة التي ستمر بمجلس الوزراء ومجلس النواب لاحقا، وقد نحتاج بحسب وزير البيئة وقتا لاقراره محمية من ثلاثة الى ستة أشهر (ان لم يتم أي عرقلة للمشروع)”.

 

مروة

وأشارت المنسقة في لجنة الحياة البرية والمحميات في “الجنوبيون الخضر” فاتن مروة لـ greenarea.info إلى “اننا أجرينا في جمعية الجنوبيون الخضر مسحاً لشاطئ البقبوق على مرحلتين، وسجلنا عناصر المحيط البيئي والنباتات التي لاحظناها ومنها الكثبان الرملية والنباتات النادرة التي يمتاز بها هذا الشاطئ”، وقالت: “لاحظنا ان عناصر الشاطئ تجعله نموذجياً لتعشيش السلاحف البحرية ونشاط الطيور. كما يتمتع بحرجية شاطئية باتت مفقودة على الشاطئ اللبناني، وهو ما يوفر بيئة لاصناف أخرى من الحيوانات منها الثعلب الاحمر والقوارض .وبالإضافة الى غناه وتنوعه البيولوجي لاحظنا وجود آثار تعود لحقب تاريخية قديمة”.

وقالت مروة” هذا فضلا عن أن البحر غني بفورات المياه وبعضها دافئ، وبالمحصلة، فإن حماية هذا الشاطئ الحيوي شكل أولوية لنا في الجمعية، كذلك الأمر بالنسبة لشاطئ عدلون، وقد اجتمعنا مرتين بالبروفسور جورج طعمة ليفيدنا بقائمة النباتات التي أحصاها شخصيا على الشاطئ، وكان داعماً لمقترحنا وارسل لنا قائمة بتلك النباتات وبعضها نادر”.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This