سارع وزير البيئة طارق الخطيب الذي تسلم مهامه قبل يومين، الى الاعلان عن “إنجاز” جديد لوزارتي الخارجية والبيئة والمتمثل بصدور قرار جديد عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين إسرائيل، ويطالبها بالتعويض على تلوث الشاطىء اللبناني.
لكن الوزير الخطيب تسرع في استخدام عبارة “الزم إسرائيل بدفع تعويض عن قيمة الاضرار التي تكبّدها لبنان انطلاقاً من مبدأ مسؤولية الدول عن الاعمال غير المشروعة التي ترتكبها، وتبلغ قيمة التعويض 856,4 مليون دولار”، اذ ان هذا القرار كما القرارات السابقة لم ولن يلزم إسرائيل بدفع اي مبالغ مالية، لان قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة غير ملزمة، ولأن الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم ترفع أو تطور اساليب مطالبتها بإلزام إسرائيل دفع هذا التعويض من خلال المحاكم الدولية، كما أوصت سابقاً العديد من الدراسات والتقارير التي قدمت الى وزارة الخارجية اللبنانية.
لا تزال آثار الكارثة النفطية التي صنفتها دار النشر البريطانية «أوكتوبوس» من بين «أكبر 501 كارثة مدمرة أصابت البشرية»، من الكوارث التي تهدد لبنان رغم مرور 10 سنوات على حدوثها، ان لناحية معالجة المخلفات النفطية، أو لناحية رصد ومعالجة الاثر البيئي الطويل الامد على البيئة البحرية، أو لناحية جهوزية نظام ادارة الكوارث اللبناني لمعالجة كوارث مماثلة في المستقبل، أو لناحية التقصير الدبلوماسي الفاضح في متابعة الملف القانوني في الامم المتحدة والمحاكم الدولية لمقاضاة إسرائيل، والزامها بدفع التعويضات العادلة عن الجريمة التي ارتكبتها.
وصوتت الجمعية العامة للامم المتحدة في 21 كانون الأول (ديسمبر) 2016، على قرار هو الحادي عشر في هذا المجال، يدين إسرائيل ويطالبها بدفع تعويض قدره 856،4 مليون دولار أميركي بشأن “البقعة النفطية على الشواطئ اللبنانية”، وذلك بسبب قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي المتعمّد لصهاريج النفط المجاورة لمحطة توليد الكهرباء في الجية خلال عدوان تموز (يوليو) 2006، ما أدى إلى تسرّب 15 ألف متر مكعب من مادة الفيول إلى البحر، أصابت ما يقارب 150 كيلومتراً من شواطئ لبنان، وصولاً إلى الشواطئ السورية.
وجاء التصويت على القرار بأغلبية 166 صوتاً مؤيداً مقابل 8 دول ضد، هي: أستراليا، كندا، إسرائيل، جزر مارشال، ولايات ميكرونيزيا الموحدة، ناورو، بالاو، الولايات المتحدة الأميركية، فيما امتنعت 7 دول عن التصويت هي: الكاميرون، الكونغو، هندوراس، بابوا غينيا الجديدة، جنوب السودان، تونغا وفانواتو”.
ينضم هذا القرار الى قرارات سابقة، هي القرار 61/194 المؤرخ 20 كانون الأول (ديسمبر) 2006 و 62/188 المؤرخ 19 كانون الأول (ديسمبر) 2007 و 63/211 المؤرخ 19 كانون الأول (ديسمبر) 2008 و 64/195 المؤرخ 21 كانون الأول (ديسمبر) 2009 و 65/147 المؤرخ 20 كانون الأول (ديسمبر) 2010 و 66/192 المؤرخ 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011 و 67/201 المؤرخ 21 كانون الأول (ديسمبر) 2012 و 68/206 المؤرخ 20 كانون الأول (ديسمبر) 2013، و 212/69 المؤرخ 19 كانون الأول (ديسمبر) 2014، و 194/70 المؤرخ 22 كانون الأول (ديسمبر) 2015.
جميع هذه القرارت بات صدورها عن الجمعية العامة تقليدا سنويا ناتجا عن إدراجها على جدول اعمال الامم المتحدة، دون ان يعني تكرار شبه الاجماع على القرار الدولي ان إسرائيل ستنصاع وتطبقه، وهو رغم تأكيده على ضرورة التزام الجهات المانحة الدولية بتوفير الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم، فإن ذلك لا يعني ايضاً ان اياً من هذه الدول والمنظمات الدولية والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، سوف تبادر الى تقديم مساعدات اضافية الى “الصندوق الائتماني”، لمعالجة أضرار الانسكاب النفطي في شرق البحر الأبيض المتوسط الذي يستضيفه “صندوق إنعاش لبنان”، رغم الحاجة الملحة لهذا الدعم، خصوصاً ان الشاطئ اللبناني لا يزال يحتاج الى الكثير من الجهود لاستعادة الحد الادنى من الواقع الايكولوجي الذي كان عليه قبل هذه الكارثة، اضافة الى ضرورة اطلاق المزيد من الدراسات المعمقة لمعرفة الآثار البيئية الطويلة الأمد التي سببها الانسكاب النفطي، خصوصاً في اعماق الشاطئ اللبناني.
ومن المفارقات المفجعة المرتبطة بقرار الجمعية العامة الذي يسبقه كل عام تقرير يصدره الأمين العام للامم المتحدة، ان بان كي مون اعرب في تقريره عن “القلق الشديد” بدل “القلق” الذي اعرب عنه في التقارير السابقة!
ويُقدِّر البنك الدولي بتحفظ، في دراسة أجريت عام 2007 الأضرار الإجمالية وتكاليف التنظيف بسبب الانسكاب النفطي في حدود 203 ملايين دولار (بحدٍّ أدنى قدره 166.3 مليون دولار، وحدٍّ أعلى قدره 239.9 مليون دولار)، وتتماشى طريقة الاحتساب والأساس المطبَّق للتوصل إلى هذا الرقم مع القانون اللبناني والقانون الدولي.
ولم يشمل رقم البنك الدولي القيمة اللااستعمالية للموارد الساحلية التي تضاف عادة إلى قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة، ولقد بلغ ذلك 217.9 مليون دولار في عام 2006. وبعد احتساب التسوية المتصلة بالتضخم والفرص الضائعة من حيث الفائدة التي ينبغي أن تكون قد تراكمت حتى منتصف عام 2014، فإن الأضرار الناجمة عن الانسكاب النفطي والقيمة اللااستعمالية تبلغ 856.4 مليون دولار، منها 448.8 مليون دولار للأضرار المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن الانسكاب النفطي، و407.6 ملايين دولار للقيمة اللااستعمالية، مع الاشارة إلى ان تقارير العامين 2015 و 2016 لم يحدّث فيهما الرقم المتعلق بالقيمة اللااستعمالية، علماً ان التقدير السنوي لهذه الزيادة هي بحدود 45.2 مليون دولار، اي ان القيمة الاجمالية للتعويض المفترض ان تدفعه إسرائيل قد تجاوز 950 مليون دولار اميركي في العام 2016.
وقدّرت وزارة البيئة تكلفة تنظيف البقعة النفطية بمبلغ 150 مليون دولار أميركي، استناداً إلى نموذج تطبيقي للتكاليف لكل طن مسرّب، فيما قدّر فريق خبراء من الأمم المتحدة التكلفة الإجمالية لأعمال التنظيف وإعادة التأهيل بما يتراوح بين 137 مليون دولار و205 ملايين دولار. وأوصى فريق الخبراء باعتبار هذا الهامش حداً أقصى، محدداً القيمة الدنيا بمبلغ 68 مليون دولار. وعليه، اقترح الفريق أن يكون السعي إلى الحصول على تمويل مـستنداً إلى مبلغ أولي قدره 68 مليون دولار لعام 2006، مقروناً بمبالغ تكميلية محتملة لعام 2007. وبلغ مجموع المـساعدات التي تلقّاها لبنان حتى أواخر العام 2016 نحو 11 بالمئة من متوسط هامش الحد الأقـصى (15 مليون دولار عن المرحلة الأولى من التنظيف وأقل من مليون دولار عن المرحلة الثانية)، أي نحو 37 بالمئة فقط من القيمة الدنيا، ولم تقدَّم تبرعات إضافية منذ حزيران (يونيو) 2008. وفي العام الماضي مول الاتحاد الأوروبي عملية التخلص من مخلفات البقعة النفطية لعام 2006 بمبلغ 1.2 مليون يورو كجزء من برنامج لدعم حماية الموارد البحرية في لبنان، وذلك بهدف إنهاء عمليات التنظيف التي تمت بين عامي 2008 و2010 تحت إشراف وزارة البيئة وبمساهمة جهات مانحة دولية، ولمعالجة كمية 2,100 متر مكعب المتبقية من البقعة النفطية المخزنة في المواقع التالية: مصفاة طرابلس، ومعامل الجية والزهراني والزوق الحرارية، وستتم أيضا معالجة المخلفات السائلة المخزنة على مقربة من معمل الزوق.
وترفض الحكومة الإسرائيلية تحميلها أي مسؤولية عن دفع تعويض فوري وكافٍ للحكومة اللبنانية، وقد وجّهت الأمم المتحدة الى إسرائيل رسالة مكرّرة بشأن هذا الموضوع، من دون الحصول على إجابة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد كلف من الجمعية العامة “النظر في خيار دراسة الدور المحتمل للجنة التعويضات في الأمم المتحدة، في تأمين التعويضات المناسبة من إسرائيل”. لكن تبين في وقت لاحق ان لا صلاحية للجنة التعويضات التي أنشئت بناءً على قرار مجلس الأمن الرقم 687 في عام 1991، لكونها محصورة فقط بدفع تعويضات عن الخسائر والأضرار الناجمة عن غزو العراق للكويت.
لم تستخدم الحكومة اللبنانية العديد من الخيارات للمواجهة على ضوء “الدراسة القانونية حول كيفية تأمين التعويضات اللازمة من إسرائيل في موضوع كارثة التلوث النفطي” التي أعدها البروفسور نصري أنطوان دياب، المحامي والباحث المختص في القانون الدولي.
وبحسب الدراسة، فإن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول التسرّب النفطي على الشواطئ اللبنانية، يستند إلى مجموعة اتفاقيات وتعهدات راسخة في القانون الدولي، وأهمها إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية لعام 1992، وبخاصة المبدأ 16 الذي نصّ على أن يتحمل الملوِّث، من حيث المبدأ تكلفة التلوث. إلا أن الدراسة تعود إلى التذكير مجدداً بأن قرار الجمعية العامة لا يمكن أن يخرج إلى حيّز النفاذ الجبري إلا من خلال مجلس الأمن. وتردف “بما أنه من المستبعد أن يبادر مجلس الأمن إلى تبني قرار جديد يلزم إسرائيل بدفع التعويضات، ولن ينشئ لجنة تعويضات خاصة بلبنان، يجب أن تركز الحكومة اللبنانية على درس خيارات مقاضاة إسرائيل أمام المحاكم الدولية للحصول على هذه التعويضات”.
تصف الدراسة خيار اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية بأنه خيار “مبتكر”، يمكن أن يترك أثراً قانونياً كبيراً، بالاستناد إلى المادة الثامنة من معاهدة روما، التي تدخل التسرّب النفطي ضمن اختصاص المحكمة، وينطبق عليه التعريف المعتمد للنظر في القضايا التي ترفع أمامها باعتبارها جرائم حرب.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية أعلنت في أيلول (سبتمبر) الماضي انها سوف تضع في قائمة أولوياتها النظر الى الجرائم المصنفة في خانة “تدمير البيئة، استغلال المصادر الطبيعية، والسلب غير القانوني للاراضي”. وقدمت المحكمة اشارة صريحة الى ان الجرائم البيئية تشمل ايضاً الاستيلاء على الاراضي.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This