من منا لا يفرح بهدية ما أيا كان نوعها، فهي مجرد لفتة، لكنها تعبر عن تقدير معين، فكيف اذا كنا في فترة الاعياد حيث يكثر شراء وتقديم الهدايا، خصوصا للاطفال وما تعني بالنسبة لهم برمزيتها وارتباطها بفرحة الأعياد؟
إلا أن المشكلة تكمن في كيفية تأمين الاهل للهدايا في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة، لا سيما لدى العائلات غير الميسورة والتي باتت تمثل الشريحة الأكبر في المجتمع اللبناني.
في هذا الاطار يلقيgreenarea.info الضوء على هذه المشكلة مع المعنيين من ذوي الاختصاص في علم النفس، طارحا الأسئلة الآتية: ماذا لو لم يستطع الاهل شراء الهدايا في الاعياد لاطفالهم؟ هل لهذا الأمر اثر نفسي على المدى الطويل؟ وما الواجب فعله لتفادي اي من التداعيات النفسية على الطفل في ما بعد؟
يصبح عدائيا!
في هذا الاطار توقفت الاخصائية في علم النفس الدكتورة راغدة اشقر عند بعض النقاط الاساسية الواجب على الاهل تفاديها اثناء تعاملهم مع ابنائهم عند تقديم الهدايا، وقالت لـgreenarea.info : “تكمن المشكلة منذ ولادة الطفل حيث نعوده على مشاهدة اكبر عدد من الالعاب في غرفته، منذ ذلك الحين يشعر ان سعادته تكون محصورة بالهدية وهذا يؤثر على نفسية الولد، وعلى علاقته مع اهله، خصوصا وانه للاسف يلجأ الاهل الى الهدية كتعويض عاطفي له بدل المكافأة على عمل معين قام به، وهذا خطأ تربوي لان مستقبلا سيؤثر على شخصيته على الصعيد النفسي بأن سعادته لا تكتمل الا بالهدية واذا لم يحصل عليها سوف يصبح عدائيا”.
وأضافت: “ان اختيار نوع الالعاب مهم جدا، اي التركيز ان تكون الهدية تساعده على تشغيل فكره، ويجب على الاهل معرفة ان حسن المعاملة لاولادهم لا تكمن في شراء لهم كميات كثيرة من الهدايا، بل على العكس من ذلك لانهم يؤثرون سلبا عليهم كأن نمنع الطفل ان يحلم بهدية، ودون حثه على معرفة اختيار اي نوع من الهدايا يريدها، كي تكون مناسبة له فكريا وصحيا، مع اهمية تربيته على الصرامة في الحصول على هدية واحدة وليس اكثر، كي لا يعتاد على ان يكون متطلبا اكثر في ما بعد، عندها يظهر تأثير الازمة الاقتصادية أقل على الاهل”.
ورأى الاخصائي في الطب النفسي الدكتور انطوان أن “السلبية في الهدية تكون في الاكثار منها من دون اي معنى او اي هدف”، وقال: “ان الرغبة تبدأ في الدماغ منذ الولادة وتتطور لغاية عمر عشر سنوات، اي في هذه المرحلة يشعر الطفل في برغبة الحصول على اشياء يحبها، الا انها تصبح مرضية في حال لم يعرف الاهل التعاطي معه بشيء من الايجابية والرعاية والحنان، من دون التعويض في ذلك بالهدايا وهذا خطأ تربوي سيؤثر في ما بعد على شخصيته ويقود إلى التمرد بفرض شروطه على اهله كي تتحسن علاقته معهم”.
جيل لامسؤول
أما الاختصاصية في علم النفس والاجتماع سمر حنا فشددت على أن “كثرة الهدايا ليست الحل ليعبر الاهل عن مدى اهتمامهم بأولادهم، بل خلافا لذلك هناك أمور اخرى لجهة حسن التعاطي معهم وهي الاهم”، وقالت: “للاسف نظرا لغياب الاهل عن المنزل من اجل العمل احيانا نراهم يلجأون الى التعويض العاطفي بكثرة الهدايا، وهذا خطأ، فعندها تصبح الهدية شرطا اساسيا للعناية بالولد، فاذا لم يأتوا له بهدية يصبح عدائيا، ومن الواجب تدريبه على ان الهدية لها رمزيتها من التكريم والتقدير في مناسبة معينة، ولقاء مجهوده في عمل دراسي او غير ذلك، ومهما كان ثمنها رخيصة ام ثمينة ليس فهذا ليس مهما، انما الاهم توطيد تواصل الاهل اكثر مع اولاهم، كي لا تتكون لدى الطفل شخصية غير مبالية بأي شيء من حوله طالما هو حاصل على كل ما يريد من دون اي جهد، عندها نكون كمن يربي جيلا عديم المسؤولية”.
تعويض عن نقص عاطفي
وشدد الأخصائي في الطب النفسي الدكتور سمير جاموس على اهمية العلاقة الروحية بين الاهل واولادهم، وقال: “تكمن المشكلة اليوم في ان المادة طاغية على نفوس البشر وعلى علاقتهم بين بعضهم البعض، والاسوأ ان الهدية صارت هي التي تربط بين الاهل واولادهم، اي تعلق الولد بالهدية بات يعكس مدى صحة او خلل العلاقة العاطفية بين الاهل واولادهم، فاذا بهم يضغطون على اهاليهم لشراء اي نوع من الهدايا مهما كان ثمنها حتى لو كانت الامكانيات الماديات غير متوفرة، عندها يزداد عند الاهل الشعور بالذنب في حال لم يشتروا لهم الهدية”.
بدوره اعتبر الاخصائي في علم النفس الدكتور نبيل خوري ان “الهدية في الاعياد رمز للفرح”، وقال: “هناك علاقة ثابتة وموضوعية بين الهدية واي انسان سواء عند الكبار او الصغار، فالولد يشعر بأهمية الهدية له اكثر حيث تزيده فرحا، خصوصا اذا كان قد طلب من اهله هدية ما يحبها، وتعكس الهدية برمزيتها ابراز بهجة العيد ومدى محبة الاهل لاولادهم، والشعور بالاطمئنان لهم خصوصا في فترة الاعياد، و(على قد بساطتك مد إجريك)، بمعنى شراء الهدية ولو كانت رخيصة الثمن اذ سيكون لها وقعها النفسي على الولد”.