بعث أكثر من 2300 عالما يمثلون الولايات الخمسين في أميركا (من بينهم 22 حاصلين على نوبل للعلوم)، برسالة مفتوحة إلى الرئيس دونالد ترامب والكونغرس يوم الأربعاء الماضي 21 كانون الأول (ديسمبر)، طالبوا فيها بأن تتابع الإدارة الأميركية دعم البحث العلمي، فضلا عن الاعتماد ودعم العلم باعتباره مدخلا رئيسيا لصياغة السياسة العامة، مؤكدين أنه “أي شيء أقل من ذلك، يشكل تهديدا مباشرا لصحة وسلامة الأميركيين والناس في كافة أنحاء العالم”، وطالبوا ترامب بأن يحترم العلم وإلا فليستعد لحرب!
موقف موحد
وجاءت الرسالة بمبادرة من “منظمة اتحاد العلماء المهتمين” the Union of Concerned Scientists، وسط قلق متزايد حول ما ستمثله رئاسة ترامب لجهة مكافحة التحديات البيئية الراهنة، ولا سيما تغير المناخ، وشملت القائمة عددا كبيرا من العلماء المرموقين، منهم الرئيس الفخري لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والفائز بجائزة نوبل للفيزيولوجيا والطب والعالم في علم الأحياء ديفيد بالتيمور David Baltimore، مؤسس ومدير مركز الصحة والبيئة العالمية في كلية الطب بجامعة هارفارد إريك شيفيان Eric Chivian، والفيزيائي الألماني والأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وولفغانغ كيتيرلي Wolfgang Ketterle.
ويأتي تخوف العلماء من مواقف ترامب وزملائه من منكري المناخ حول هذه الظاهرة ووقف عمليات التمويل لدراسة هذه الظاهرة، وقد رفض ترامب تغير المناخ واصفا إياه بأنه “هراء” وبـ”الخدعة الصينية”، واعداً في مناسبات عدة بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق التاريخي حول المناخ في باريس COP21، كما قال انه سيخفض الإنفاق الاتحادي بشأن هذه القضية، فضلا عن زيادة إنتاج أميركا من الفحم والنفط والغاز الطبيعي، والتخلص من أنظمة إدارة أوباما التي تهدف لخفض الانبعاثات.
وفي الأسابيع التي تلت الانتخابات، أضاف ترامب المزيد من مخاوف العلماء، وذلك باختياره “منكر” denier لتغير المناخ مايرون إبل Myron Ebell والناشط في لوبي الوقود الأحفوري مايك ماكينا Mike McKenna، ليقودا عملية التحول في وكالة حماية البيئة وفي وزارة الطاقة، أما حاكمة آلاسكا السابقة سارة بالين Sarah Palin والرائدة في إنكار فكرة تغير المناخ، والرئيس التنفيذي هارولد هام Harold Hamm لكبريات شركات الغاز والنفط، فهما في مقدمة المرشحين لرئاسة وزارة الداخلية، ومن جهة ثانية، فمستشاري ترامب حول سياسة الفضاء Robert Walker، والإقتصادي Peter Navarro فينويان السعي لتخفيض أبحاث “ناسا” حول تغير المناخ.
وفي بيان صحافي على الرسالة، قال الفيزيائي المرموق والأستاذ في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو لويس برانسكوم Lewis Branscomb: “يدرك الأميركيون أن العلم أمر بالغ الأهمية لتحسين نوعية حياتنا، وعندما يتم تجاهل العلم أو تفسده السياسية، فإن الشعب الأميركي هو الذي يعاني، وينبغي أن يكون احترام العلم في السياسات شرطا مسبقا لأي مركز وزاري”.
وقد وضعت الرسالة على موقع هؤلاء العلماء على صفحة الإنترنت ليوقع عليها العلماء من كافة أنحاء الولايات المتحدة.
نص الرسالة
وجاء في الرسالة: “لعبت المعرفة العلمية دورا حاسما في جعل الولايات المتحدة دولة قوية ومزدهرة وتحسين صحة ورفاه الأميركيين، والناس في كافة أنحاء العالم، فمن تفشي المرض إلى تغير المناخ والأمن القومي والابتكار التكنولوجي، استفاد الناس عندما ساهم العلم في توجيه سياسات أمتنا، خصوصا إن لم يعوقه نفوذ سياسي أو معنوي غير مناسبين. وبناء على هذا الإرث، ولنشر فوائد العلم للناس جميعا، يجب على الحكومة الاتحادية دعم العلم والاعتماد عليه باعتباره مدخلا رئيسيا لصياغة السياسات العامة، وعلى صناع السياسة والجمهور على حد سواء الوصول إلى المعلومات العلمية ذات الجودة العالية لخدمة المصلحة العامة، ويجب اتخاذ الكونغرس وإدارة ترامب عدة إجراءات لتعزيز الدور الذي يلعبه العلم في صنع السياسات وهي:
أولا: إن بناء ثقافة علم قوية ومنفتحة تبدأ من الأعلى، وعلى المؤسسات الفيدرالية أن يترأسها مسؤولون أظهرت سجلاتهم، احترام العلم باعتباره عنصرا حاسما في عملية صنع القرار. وعلاوة على ذلك، فإن الاعتراف بأن التنوع يجعل العلم أقوى، وعلى المسؤولين في الإدارات الترحيب وتشجيع جميع العلماء بغض النظر عن خلفياتهم الدينية، العرقية، جنسهم أو توجههم الجنسي.
ثانيا: يجب على الكونغرس وإدارة ترامب ضمان حجر أساس الصحة العامة والبيئة في أمتنا، المتمثلة بعدد من القوانين (مثل قانون “الهواء النظيف” Clean Air Act وقانون “الأنواع المهددة بالانقراض”Endangered Species Act أو ESA)، ما يضمن الإبقاء على أساس علمي قوي، فضلا عن أن تتمكن مؤسسات الدولة من جمع المعلومات والبيانات العلمية بحرية، وأن تعتمد على هذه المعلومات للاضطلاع على نحو فعال بالمسؤوليات القانونية التي وضعتها هذه القوانين، وينبغي أيضا المحافظة على استقلال من هم خارج الحكومة ممن يقدمون المشورة العلمية.
ثالثا: يجب أن الكونغرس وإدارة ترامب الالتزام بمعايير عالية من النزاهة العلمية والاستقلالية في الاستجابة للتهديدات الحالية والطارئة على الصحة العامة، وعلى صناع القرار والجمهور معرفة الدليل العلمي الأفضل المتاح، وليس ما قد يرغب به أصحاب المصالح الخاصة، ويجب أن يُعطى العلماء الممولون اتحاديا، الإمكانيات لتطوير وتبادل نتائجهم خالية من الرقابة أو الإستغلال على أساس السياسة أو الأيديولوجيا، وأن يمتلك هؤلاء العلماء الحرية والمسؤولية، دون خوف من الانتقام أو ردود الفعل، للقيام بما يلي:
-أداء عملهم دون تدخل سياسي أو من القطاع الخاص.
-توصيل نتائجهم ومكتشفاتهم التي توصلوا إليها بشكل صريح وواضح إلى الكونغرس والجمهور.
-نشر أعمالهم والمشاركة الفعالة في المجتمع العلمي.
-الكشف عن التحريف والرقابة، وغيرها من الانتهاكات الموجهة للعلم.
-التأكد من أن المعلومات العلمية والتقنية الآتية من الحكومة دقيقة.
وأخيرا، يجب على الكونغرس وإدارة ترامب توفير الموارد الكافية لتمكين العلماء من إجراء البحوث لما فيه المصلحة العامة وتنفيذ مهمات مؤسساتهم بفعالية وشفافية، فالنتائج دون القيام بهذا الاستثمار الهام حقيقية، فسوف يكون الأطفال أكثر عرضة للتسمم بالرصاص، وسوف يتعرض المزيد من الناس للأدوية والأجهزة الطبية غير الآمنة، كما سوف نكون أقل استعدادا للحد من آثار زيادة سوء الاحوال الجوية وارتفاع منسوب مياه البحار.
تعتبر هذه الخطوات ضرورية لإنشاء مؤسسة علمية مزدهرة، من شأنها أن تعزز ديموقراطيتنا وتقدم ثمار العلم المتكاملة لجميع الأميركيين والعالم، والمجتمع العلمي جاهز بشكل كامل للعمل بصورة بناءة مع إدارة ترامب والكونغرس ومراقبة أعمالها عن كثب، وسنواصل الجهود القيادية لتعزيز دور العلم في عملية صنع السياسات، كما أننا على استعداد لمساءلة أي من يسعى لتقويض هذا الدور”.