تشكل المواقع الملوثة بالنفايات الصناعية السائلة تهديداً خطيراً للصحة العامة، ويكشف باحثون في “مستشفى جبل سيناء” في نيويورك أنه في عام 2010 واجَه 8.6 ملايين شخص مخاطر التعرض للملوثات الصناعية، خصوصاً “الكروم سداسي التكافؤ” Hexavalent chromium في 373 موقعا في الهند وإندونيسيا، والفلبين.

وفي لبنان يعد تلوث مياه الشفة والينابيع العذبة والانهار والشواطئ بالنفايات الصلبة والسائلة وخصوصاً الصناعية، من ابرز الاسباب التي تؤدي الى تردي نوعيه المياه.

وقدّر الباحثون أن التعرض لسموم المواقع التي شملتها الدراسة أدى إلى فقدان أكثر من 800 ألف سنة من الحياة السليمة، تحولت إلى اعتلالات صحية ووفيات بتلك البلاد، وهي إصابات تعادل حوالي نصف إصابات تلوث الهواء، وتتجاوز إصابات الملاريا.

يحدث التعرض لعنصر الكروم نتيجة تناول الطعام أو مياه الشرب الملوثة أو استنشاق الهواء الملوث. ويمكن لعنصر “الكروم سداسي التكافؤ” بنسب مرتفعة أن يضر بالأنف ويسبب مرض السرطان، كذلك قد ينتج عن تناول نسب مرتفعة من “الكروم سداسي التكافؤ” الإصابة بفقر الدم أو أضرار في المعدة أو الأمعاء.

وعلى عكس “الكروم سداسي التكافؤ” يصنف “الكروم ثلاثي التكافؤ” مادة غذائية أساسية، وهو موجود في العديد من الخضر والفواكهة والحبوب وعادة ما يتم اضافته الى الفيتامينات المركبة.

اشهر التجارب التي تم توثيقها حول تلوث المياه بـ “الكروم سداسي التكافؤ”، فيلم إيرين بروكوفيتش الهيولودي من تمثيل جوليا روبرتس، يكشف محاولات لإخفاء حقيقة وجود سموم الكروميوم السداسي في مخزون مياه سكان هينكلي في ولاية كاليفورنيا يهدد حياتهم جميعاً، وتسببت شركة باسيفيك للغاز والكهرباء بهذا التسمم والأمراض القاتلة التي اصابت السكان، قبل ان يقود تحقيق استقصائي وشكاوى قضائية الى الزام الشركة بدفع تعويضات للضحايا.

جديد الابحاث المتعلقة بمكافحة هذا التلوث الصامت والقاتل، بحث أجراه دانيال غيمار في جامعة واشنطن في سان لويس، برهن فيه امكانية تحويل الكروم سداسي التكافؤ في مياه الشفة الى الكروم ثلاثي التكافؤ، عن طريق الكهرباء، الامر الذي يجعله آمنا وغير مضر بالصحة العامة.

واستطاع العلماء منذ فترة طويلة تحويل الكروم السداسي الى كروم ثلاثي عن طريق معادلة كيميائية يستخدم فيها الحديد. لكن الجديد والمميز في اكتشاف غيمار وفريقه البحثي الذي نشر قبل اسبوع في دورية العلوم البيئية والتكنولوجيا، انه استطاع اتمام هذه العملية عن طريق التفاعل الكهربائي. ويقول الباحث ان هذا الاكتشاف الذي استخدم فيه تقنية التخثر الكهربائي يجعل من عملية التحويل اكثر سهولة ودقة وقابلة للتطوير.

وسبق لغيمار ان استخدم تقنية التخثير الكهربائي لإزالة الزرنيخ من مياه الشرب، وهو يامل بعد نجاح تجربة ازالة الكروم السداسي، ان يتم استخدام نفس التقنية لإزالة السيلينيوم من مياه الشرب، هو من الملوثات التي يصعب ازالتها من المياه.

وتقول وكالة المواد السامة وتسجيل الأمراض الفدرالية الأميركية ATSDR انه يمكن التعرض لعنصر المروم السداسي عن طريق استنشاق هواء موقع العمل الملوث، أو التلامس الجلدي في أثناء الإستخدام في موقع العمل، وعن طريق شرب الماء الملوث المستخرج من الينابيع، وعن طريق العيش بالقرب من مواقع النفايات الخطيرة غير المراقبة التي تحتوي على الكروم أو المصانع التي تستخدم الكروم.

ويمكن أن يتسبب استنشاق نسب مرتفعة من الكروم سداسي التكافؤ في حدوث تهيج في بطانة الأنف، وقرحات ورشح بها، وكذلك مشكلات في التنفس، مثل الربو، والكحة، وضيق التنفس. وقد تختلف تركيزات الكروم في الهواء التي يمكنها التسبب في حدوث هذه التأثيرات بالنسبة للأنواع المختلفة من مركبات الكروم. كما لوحظ حدوث أضرار بالسائل المنوي وبالجهاز التناسلي لذكور الحيوانات المختبرية التي تعرضت لعنصر الكروم سداسي التكافؤ، وتجزم كل من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية DHHS والوكالة الدولية لأبحاث السرطان IARC ووكالة حماية البيئة أن مركبات الكروم سداسي التكافؤ هي مسببات معروفة لمرض السرطان. وقد ثبت أن استنشاق عنصر الكروم سداسي التكافؤ يسبب سرطان الرئة. ولوحظت زيادة في أورام المعدة لدى البشر، وكذلك لدى الحيوانات التي تعرضت لعنصر الكروم سداسي التكافؤ في مياه الشرب.

وتقول وكالة حماية البيئة الأميركية أن نسبة التلوث القصوى لإجمالي عنصر الكروم في مياه الشرب بالقيمة 1.0 ملغم/ليتر. أما إدارة الغذاء والدواء FDA فقد قررت من جهتها أن تركيز الكروم في مياه الشرب المعلبة يجب ألا يتجاوز 1.0 ملغم/ليتر. كذلك وضعت إدارة الصحة والسلامة المهنية OSHA حداً لتعرض العمال لمتوسط يبلغ 0.005 ملغم/م 3، من الكروم السداسي التكافؤ ليوم العمل الذي يستمر 8 ساعات، وأسبوع العمل الذي يستمر 40 ساعة.

ويجب تجنيب الأطفال اللعب في التربة بالقرب من مواقع النفايات الخطيرة غير المراقبة حيث يتم التخلص من نفايات الكروم. والكروم هو أحد مكونات دخان التبغ، لذلك ينبغي تجنب التدخين في أماكن مغلقة مثل غرف المنزل أو داخل السيارة للتقليل من معدل التعرض لدى الأطفال وأفراد الأسرة له، وعلى الرغم من أن الكروم ثلاثي التكافؤ يمثل عنصرا غذائيا أساسيا، فإنه من المتعين تجنب الإستخدام المفرط للمكملات الغذائية التي تحتوي على الكروم.

ويوجد في لبنان قرابة 22 الف مؤسسة مصنفة صناعية نصفها في بيروت الكبرى، تنتج سنوياً قرابة 192 ألف متراً مكعباً من النفايات السائلة، يصل قرابة 90 بالمئة منها الى شبكات مياه الصرف فتلوث المياه الجوفية والانهر والبحر.

وتخّصص معظم الاسر في لبنان جزءاً مهماً من اجمالي انفاقها على مياه مصدرها شركات القطاع الخاص، بما في ذلك قوارير المياه والغالونات والصهاريج، والتي لا تخضع لرقابة صارمة، خصوصاً في ما يتعلق بالتلوث بالمعادن الثقيلة التي تشكل ضرراً صحياً قاتلاً، لا سيما عند التعرض لها لفترات طويلة وبشكل دائم. ويعد تاثير شركات بيع مياه الشفة في لبنان كبيراً جداً على السلطات، وشهد قطاع تعبئة المياه وبيعها نمواً كبيراً في العقدين الماضيين، لم يترافق مع التشدد في اعمال الفحص والرقابة الدورية على نوعية المياه واعلام المواطنين بنتائجها.

ويفترض وفق المواصفات التي تفرضها منظمة الصحة العالمية على نوعية وسلامة مياه الشفة، ان تجرى فحوصات على مدار الساعة على المياه لجهة التلوث الكيميائي، ومرة في اليوم لجهة التلوث الميكروبيولوجي، ومرة في السنة على 460 نوع من الملوثات العضوية الدقيقة، وعلى انواع جديد من الملوثات بما فيها الملوثات الصيدلانية، وكل ثلاث سنوات على الملوثات الإشعاعية. وهو أمر غير مطابق في جميع شركات تعبئة المياه في لبنان.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This