لم يمض شهر على مؤتمر مراكش للتغيرات المناخية حتى صدرت في الثاني عشر من الشهر الجاري ورقتان علميتان من قبل “هيئة المشورة العلمية التابعة للاتفاقية الدولية للتغيرات المناخية”IPCC حول غاز الميثان، ودوره في زيادة انبعاثات الكربون، لأن السنوات الثلاث الماضية كانت حافلة بالإنجازات الكبيرة التي تحققت في تخفيض كمية الكربون من مصادره الصناعية والنشاط الأحفوري.
وبحسب تقرير “ميزان الميثان العالمي” الذي صدر حديثاً، يساهم الميثان بشكل أقل في الاحترار العالمي في مقارنة ثاني أوكسيد الكربون، لكنه أقوى تأثيراً في ظاهرة الصوبات الزجاجية، ويؤكد التقرير أن ازدياد انبعاثات الميثان الناتجة عن النشاطات الانسانية تتزامن مع انخفاض انبعاثات الكربون الناتج عن حرق الوقود الاحفوري خلال السنوات الثلاث الماضية، وإذا بقي هذا التغير على حاله، فإن زيادة الميثان ستصبح قضية مناخية خطيرة، وستغطي على موضوع تخفيض انبعاثات الكربون. وحيث أن ثاني أوكسيد الكربون قد ارتفع بشكل ثابت، فإن تركيز الميثان يزداد بشكل بطيء بعد عام 2000، ولكن منذ عام 2007 ارتفعت نسبته عشر مرات عما كانت عليه، وما زال يزداد بسرعة في 2014 و 2015، وقد أصبحت الزيادة ملموسة ليصل تركيزه أعلى بـ 150 بالمئة عما كان عليه في بداية الثورة الصناعية، بحيث أصبح الآن 1,834 جزءا بالمليون.
إن معرفة ميزانية الميثان العالمي مهمة أيضاً لأسباب عديدة أخرى منها، لأنه لم يفهم كما فُهم الكربون، كما أنه يتولد من مصادر عديدة، وخصوصا من نشاطات الانسان (60 بالمئة من انبعاثات الميثان تأتي من النشاطات الانسانية)، وقبل أن نبين مصادره لا بد من تعريفه.
الميثان مركب كيميائي يعد أبسط الهيدروكربونات، وهو غاز له الصيغة الكيميائية CH4، والميثان النقي ليس له رائحة، ولكن عند استخدامه تجاريا يتم خلطه بكميات ضئيلة من مركبات الكبريت ذات الرائحة المميزة، بحيث يمكن تتبع آثار الميثان في حال حدوث تسريب. والميثان مكون رئيسي للغاز الطبيعي وهو أحد أنواع الوقود المهمة، وهو أيضا أحد غازات الاحتباس الحراري، وله قدرة على تسخين الجو 25 مرة أشد من تأثير ثاني أوكسيد الكربون.
مصادر الميثان الطبيعية كثيرة: حقول الغاز الطبيعي: يعتبر غاز الميثان المكون الرئيسي للغاز الطبيعي، حيث يشكل حوالي 87 بالمئة من الغاز المستخرج، ويرتبط عادة بأنواع الوقود الهيدوركربوني الأخرى، وقد ينتج معه غاز الهليوم والنيتروجين، الغاز الطبيعي: عادة ينتج من المواد العضوية المدفونة في ظروف ضغط وحرارة أعلى من تلك المكونة للبترول. الغاز الحيوي: يتم إنتاج غاز الميثان أيضاً كجزء من إنتاج الغاز الحيوي، عن طريق تخمير وتحليل المواد العضوية مثل السماد الطبيعي ومخلفات الصرف الصحي والقمامة وما إلى ذلك، كما يتم إنتاجه من بكتيريا الأرز أثناء نموه. مخلفات حيوانية: تنتج بعض الحيوانات غاز الميثان كجزء من مخلفاتها العضوية، على سبيل المثال تنتج الأبقار نحو 16 بالمئة من كمية الميثان على الأرض، وقد خرجت بعض الدراسات حديثاً بأن الحيوانات عموماً وبالأخص الماشية والطيور والخنازير تنتج نحو 37 بالمئة من كمية الميثان على الأرض، لذلك تم إجراء العديد من الأبحاث والدراسات الطبية للبحث عن وسيلة تخفض إنتاج الغاز وتمكن من استخدامه في إنتاج الطاقة. ميثان الغلاف: الجوي يتواجد الميثان بشكل طبيعي ونسب ثابتة في الغلاف الجوي، لكن هذه النسب تغيرت في الأعوام الماضية بشكل ملحوظ بسبب تدخل الإنسان، في الظروف الطبيعية تكون دورة حياة ذرات الميثان حوالي 10 سنوات حيث تتفكك بعد ذلك إلى ثاني أوكسيد الكربون وماء، ومن الملاحظ أن الميثان الموجود في الجو يزداد بسرعة من أي وقت مضى وخصوصا خلال الـ 20 سنة الماضية، ويعزى هذا الارتفاع بشكل رئيس إلى زيادة انتاج الغذاء. قاع البحر: توجد كميات ضخمة من الغاز الطبيعي متجمدة تحت قاع البحر، وطبقا لتقديرات أحد المصادر، فإن الميثان الموجود في شكل رسوبي في المحيط يقدر بـعشرة آلاف مليار طن. وتقترح النظريات أن هذه الكميات الضخمة من الميثان يمكن أن تنطلق فجأة مرة أخرى، وتسبب ارتفاعا في درجات الحرارة.
من خلال ورقتي العمل المطروحين من قبل اللجنة العلمية للمشورة IPCC، يتبين أن الميثان يلعب دوراً مهماً في الاحترار العالمي، وخصوصا مع انخفاض نسبة ثاني أوكسيد الكربون خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن الواضح أن انبعاثات الميثان المتزايدة هي نتيجة النشاطات الزراعية بشكل رئيس، وهذا ما يساهم في الاسراع بإجراءات التخفيف، ومع إدراكنا للحاجة لتأمين التوازن بين الأمن الغذائي وحماية البيئة لكن أن نحافظ على ارتفاع حراري تحت درجتين مئوية فهو تحدي مهم أيضاً. فليس من الممكن أن نضع نصب أعيننا تخفيض الكربون دون أن يتابع ذلك بتخفيض كمية الميثان أيضاً.
