تواجه بلدة كفرنبرخ الشوفية واقعا فرض عليها خيارات تُبقي هواجس أبنائها ماثلة إلى حين أن تتضح الصورة أكثر، مع بداية العام المقبل، خصوصا وأن ليس ثمة تجربة أو نموذج قدمته الدولة، لم يتحول إلى كارثة بيئية وصحية، من الناعمة – عين درافيل، إلى ما هو قائم اليوم في برج حمود والكوستابرافا، ومن يزُر مدينة الشويفات يرَ أسراب الطيور فوق هذه المنطقة غير البعيدة عن حرم المطار، لا بل بدأت رائحة نفايات الكوستابرافا “تستبقل” الوافدين إلى لبنان عبر مطار بيروت، وتؤرق المواطنين في محيط هذه المنطقة من الضاحية الجنوبية إلى ساحل عاليه والشوف.
وما يخطط لكفرنبرخ ولغيرها في المستقبل، يطرح جملة من علامات الاستفهام حيال إصرار الدولة على تبني المطامر، وإسقاطها عمدا خيار المعالجة من ضمن سياسة متكاملة تستند إلى معايير علمية، فرزا، واستردادا، وتسبيخا، وإعادة تدوير.
وما يثير الاستغراب أن بعض المسؤولين خلال تدشين محطة توليد الكهرباء من غاز الميثان في مطمر الناعمة، تغنوا بهذا الإنجاز، متناسين أن المطمر أورث أهالي وسكان قرى وبلدات الشوف الساحلي وغرب عاليه الأمراض، وعطل حركة الاستثمار السياحي والعقاري لسنوات طويلة، فمن يستثمر فوق مطمر؟ ومن يبني مجمعا سكنيا أو مرفقا سياحيا على مقربة منه؟ ومن ثم هل تعوض الكهرباء المجانية الأضرار التي طاولت المواطنين قرابة عشرين سنة؟
ومن هنا، يحق لأبناء كفرنبرخ أن يعلنوا عن هواجسهم، علما أن المجلس البلدي أظهر اهتماما لجهة رفض أي مشروع قد يتسبب بمشكلات بيئية وصحية.
بلدية كفرنبرخ
حتى اليوم وبحسب رئيسة بلدية كفرنبرخ وسام الشامي الغضبان” لم تتبنَّ بلدية كفرنبرخ أياً من المشاريع التي عرضت عليها، ولم يتم التوقيع على اي عقد يتعلق بإنشاء كاراج للنفايات لركن العوادم المتأتية من معمل فرز النفايات في الشوف السويجاني”.
وأشارت الشامي لـ greenarea.info إلى ان “هذا الحل كان قد طرح للتخفيف من سيء جدا إلى سيء، فالنفايات في بلدتنا منتشرة في مكب مساحته 10000 متر مربع”، وقالت: “كنا نأمل من خلال المشروع ضم نفايانتا بكاراج مكشوف ضمن حدود 4000 متر مربع، ونحن الآن في صدد التشأور للمضي قدما في أي مشروع لمصلحة كفرنبرخ”، وشددت على أن أي من المشاريع يرفض أو يقبل بناء على دراسة بيئية علمية وفنية شاملة لا تمس بمصلحة البلدة”، ولفتت إلى أنه في “آخر الاجتماعات التي عقدت في البلدية بخصوص هذا الموضوع، تمت مناقشة ملف النفايات والمشاريع التي عمل عليها بعض الحاضرين والعقبات التي واجهتهم، كما وتم عرض مشروع معمل فرز للنفايات تقدم به السيد مازن نصر وطلبت من السيد نصر إعداد دراسة وايجاد الأرض المناسبة، وتكفلت البلدية بشراء الأرض إلى ان يعقد لقاء تشأوري مع أهل البلدة بعد الأعياد”.
دراسة GEOFLINT
وفي هذا السياق تقدمت وزارة البيئة، بالتعأون مع “مجلس الإنماء والإعمار” والشركة الإستشارة الجيولوجية “جيوفلينت” GEOFLINT المختصة بدراسة الأثر والتقييم البيئي، بتقرير أولي حول إمكانية استخدام منطقة عقارية من بلدة كفرنبرخ بهدف إقامة “Parking” للعوادم أي الخاملة منها، والناتجة من معامل الفرز، والتي تتكون من تصميم لمنشأة تضمن تجميع المواد العادمة ضمن طبقات وحماية البيئة المحيطة.
ولحظت الدراسة أنه على المنشأة المراد العمل بها أن تراعى الأمور التالية: تخفيض كمية العصارة وتحضير المكان بحيث يسمح بأقل احتكاك بين المواد المجمعة وأي سطح مائي (جريان سطحي للمياه، مياه الأمطار الجارية والراشحة إلخ…)، أما تسرب المياه المحتمل فيمكن تحويله بعيدا عن مكان المنشأة، وتنفيذ وتصميم نظام لتجميع العصارة وإدارتها، كما شرحت الدراسة مفصلا الخطوات التي يجب ان يتم تحضيرها من وضع طبقات عديدة عازلة ومتنوعة لبناء الموقع.
ولفتت GEOFLINT النظر في تقريرها إلى انه “من المستحسن تغيير الموقع نظرا لإمكانية تعرضه لانهيارات وانجرافات”.
نجيم: مشروع يثير الريبة
منسق الائتلاف المدني رجا نجيم الرافض للخطط التي تنتهجها الحكومة في ملف النفايات تساءل عبر greenarea.info: “لماذا على كفرنبرخ ان تتحمل عبء كامل المنطقة، خصوصا ان الارض المتوفرة لديها لا تصلح لان تكون مطمرا أو مكب أو كاراج، ولكنها تصلح في القسم السفلي (الجل التحتاني) ان تكون مركز فرز ثانوي ومعالجة لنفايات البلدة فالمساحة القصوى التي تحتاجها النفايات لفرزها لا تتعدى الـ 1500 مترا مربعا”.
وأكد نجيم أن “المشروع المزعوم (الكاراج) يثير الريبة، فلماذا تضمنت الدراسة إقامة عوازل عديدة وطبقات مختلفة تستعمل خصوصا لتخزين المواد العضوية طالما أن المشروع سيستقبل العوادم فقط، التي هي بالمفهوم العلمي توازي الخاملة وما تبقى من النفايات غير العضوية؟”.
وأضاف: “لا معنى للتوضيب في تقريرهم وهو يخفي حقيقة نواياهم بتحويل المكب إلى ناعمة وكوستابرافا وبرج حمود، خصوصا وأن السبب الاساس لهذا الطلب هو الحاجة لـ 6 اشهر لتجهيز معمل السويجاني ليخدم مجموعة اكبر من البلديات، والـ 6 اشهر عند الدولة تطول لستة عقود ربما، وبما ان طبيعة المنطقة معرضة لانهيارات من الاعلى.
وبسبب طبيعتها الجيولوجية النافذة إلى جوف الارض، دعم نجيم موقفه بمضمون تقرير علمي حضره الخبير الجيولوجي والهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي، بعد زيارته للمكان المخصص لإنشاء ما يسمى كاراج نفايات.
وجاء في التقرير: “ان طبيعة الأرض المتكشفة هي من الجرفيات الحديثة، وهي فوق الطبقة الرملية المتكشفة حالياً إلى جانبها، ومن الناحية الهيدروجيولوجية تعتبر الجرفيات الحديثة والصخر الرملي خليطا ذا نفاذية متوسطة، حيث يجري الماء حاملا الملوثات السطحية بين حبيبات الرمل عموديا عبر الكسور الارضية نحو المخزن الجوفي الكربوناتي المشقق، العائد للجوارسيك الأعلى، أما جريانه الأفقي داخل الكسور الارضية من الشرق إلى الغرب حتما سيلوث المخزن الكربوناتي الطبشوري، نتيجة لذلك، إن الموقع خطر جدا على المنطقة وعلى المحيط المباشر القريب، وخطر على المخازن الجوفية الكربوناتية للجوارسيك والطبشوري وهو من أسوأ المواقع، لعدم ثبات الصخور الرملية المعرضة للانهيارات والانزلاقات نتيجة قطع الأشجار التي كانت تمسك التربة”.
وأضاف زعاطيطي في التقرير أنه “مهما قمنا بمحاولات ترقيعية مكلفة جدا لمنع تسرب الملوثات نحو المخزونات المائية الجوفية، فإن التجارب السابقة في السدود والبرك الجبلية أثبتت بأن الطبيعة أقوى من كل هذه المحاولات”.
والجدير بالذكر تأكيد زعاطيطي أن “الموقع الحقيقي لإقامة الكاراج في موقع مختلف عن النقطة التي تم تحديدها في تقرير GEOFLINT وهذا مستغرب”
نتائج سلبية
وقال نجيم: “نظرا إلى أنّ هذه البلدة تنتج حوالي 3 أطنان نفايات كل يوم، فإن مقاربة الحل لا يمكن ان تكون مثل مقاربة بلدة بريح التي تنتج نصف طن يوميا، وعلى كل حال، فإن كمية من العوادم والمتبقيات الخاملة وغير الخاملة (غير عضوي وسواه) ستتكدّس بكميات صغيرة في بريح بانتظار وجود حل لها، بالتالي حل بريح هو سليم وهو مناسب لبريح، وبالنسبة لبلدة كفرنبرخ لا يجب الإنتظار إلى ان يتطور لدى الاهالي مفهوم الفرز من المصدر، فعلى البلدية اليوم المهمة الاساس لجهة تأمين بديل مؤقت، مثلا بعدم جمع ولم النفايات مخلوطة وعدم نقلها مع كبسها، كذلك تحديد ايام مختلفة لجمع العضوي من غير العضوي، وتجهيز مركز لتطبيق الفرز الثانوي بشكل مؤقت لكن سريع، وحتى يمكن ان تتم معالجة أو تخلص من كامل محتويات المكب الحالي والوسائل متوفرة”.
وختم نجيم: “إن طبيعة الموقع لا تسمح بالتالي ليكون مطمرا، والبرهان على ذلك ان وضعه اليوم كمكب عشوائي للنفايات المختلفة بدأت تتكشف نتائجه السلبية والمضرة على المناطق المحاذية، فقد وجه صاحب أحد العقارات المحاذية نداء أوضح فيه بأن أرضه المغروسة بالتفاح تحت حوالي 150 متر من موقع المكب بدأت تتأثر بيباس للأشجار نتيجة العصارة التي تسربت في الارض من المكب الحالي”.