فيما تسلط وسائل الإعلام الضوء على التلوث في الصين الساعية لمواجهة هذه الكارثة بإجراءت قانونية حاسمة، تعيش أوروبا ظروفا تكاد تكون مماثلة، فالتلوث يطاول بلدانا عدة، بعضها يصرح عنه، فيما البعض الآخر يؤثر عدم الإشارة إلى هذه القضية لاعتبارات متصلة بمخاوف لجهة أن يؤثر ذلك على قطاعها السياحي والاستثماري، إلا أن ذلك لا يلغي أن التلوث بات قضية تؤرق العالم، بعد أن تحولت عبئا ماديا وصحيا واقتصاديا، حتى أن العلماء يطلقون توصيفا يلخص حجم هذه المشكلة، ويتعبرون تلوث الهواء “القاتل الصامت”!
ولا غرو أن يصبح التلوث من أكبر المشاكل في عالمنا اليوم، فالكثير منا يقضي يومه يتنفس هواءً محملاً بالضباب الدخاني الناجم من المصانع ومولدات الكهرباء ومعامل توليد الطاقة، فضلا عن قطاع النقل وما تنفث عوادم السيارات والشاحنات والمركبات من سموم.
الصين تلاحق الملوثين قضائيا
وتواجه أكثر من 20 مدينة في شمال الصين، فضلا عن العاصمة بكين منذ أيام عدة أزمة بيئية وصحية ناجمة عن تلوث الهواء، تؤدي إلى حالات اختناق، نتيجة هواء مسمم وخوف الناس من الخروج، حتى أن كثيرا من الصينيين لا يتوجهون إلى أعمالهم دون ارتداء كمامات وأقنعة كتدبير احترازي يبعد عنهم التلوث، لكن الصين تولي تلوث الهواء أهمية استثنائية، وهي تتقدم في هذا المجال على الولايات المتحدة الأميركية بوتيرة تاريخية على أساس المقارنة عند هذه المرحلة من التطورات الاقتصادية، خصوصا وأن الصين تعتمد على التصنيع، وتتردد الحكومة في إغلاق شركات مربحة، فيما يعتبر الفحم مصدرا مهما للطاقة، واستخدام السيارات في تزايد، ولا تمتلك الحكومة الصينية المركزية سلطة كافية لفرض إرادتها على السلطات المحلية.
وبحسب “رويترز”، فقد أشار مسؤول قضائي كبير في الصين في إفادة صحفية، مطلع الأسبوع الجاري إلى أن “المحاكم ستوسع نطاق المخالفات التي تشكل جرائم بيئية لتسهيل الملاحقة القضائية للشركات التي تسبب التلوث”.
ومن شأن القوانين الجديدة أن تتيح للمدعين مقاضاة المتسببين في التلوث، وقال يان ماوكون رئيس مكتب الأبحاث في محكمة الشعب العليا للصحفيين إن “السلطات كافحت لجمع الأدلة اللازمة للملاحقة القانونية، وذلك وفقا لنص الإفادة الصحفية التي نشرت على الموقع الإلكتروني الرسمي للمحكمة العليا”.
وقال يان: “تلوث الهواء مختلف عن تلوث الماء أو التربة. من الصعب للغاية الحصول على دليل على جرائم تلوث الهواء، لأن الانبعاثات تنتشر بشكل كبير وتنقشع بسرعة جدا.”
وأشار إلى أن “المدعين سيركزون على نوع معين من المخالفات مثل التلاعب بمعدات الاستشعار أو تقديم بيانات كاذبة عن الانبعاثات”، مشيرا إلى أن “الشركات التي ستثبت أنها مذنبة ستعاقب بغض النظر عن كمية التلوث التي سببتها”، وقال يان “لا يهم الكمية التي تنبعث لأنه يصعب جدا قياسها في الواقع. لكن تحريف أو اختلاق بيانات أو التلاعب بالأجهزة سيشكل جريمة بيئية.”
البوسنة
ومنعت السلطات في البوسنة صباح اليوم الخميس 29 كانون الأول (ديسمبر) نصف السيارات في العاصمة سراييفو من الحركة بسبب التلوث، وبحسب مصادر حكومية، فقد تجاوز معدل التلوث الحد المسموح به بنحو ست مرات، وترافق ذلك مع توفير السلطات المحلية للمواصلات العامة مجانا.
وفرضت الحكومة تنظيما يتيح أياما لسير السيارات ذات الأرقام الفردية، وأياما أخرى للأرقام الزوجية، وفقا لما ذكرته “وكالة الأسوشيتد برس”، وبموجب القرار، الذي يسري بدءاً من الأحد المقبل، تصبح وسائل النقل العام مجانية حتى يتحسن الوضع، كما تم وقف بعض أعمال البناء”.
ويشكل موقع سراييفو الجغرافي في واد ضيق، عائقا أمام تدفق الهواء بشكل كاف، مما جعل الضباب الدخاني الكثيف يحجب عن المدينة رؤية التلال المحيطة بها، ونبهت الإحصاءات الرسمية، خلال الأيام السبعة الماضية، إلى أن تركيز جزيئات الهواء الخطرة كان أعلى من الحد المقبول بما يعادل تراوح بين ستة و10 مرات.
مدريد
وكانت وكالة “فرانس برس” قد أفادت يوم أمس الأربعاء 28 كانون الأول (ديسمبر)، أنه بسبب ارتفاع مستوى التلوث، ولأول مرة العاصمة الاسبانية مدريد، قررت السلطات منع السيارات من الوقوف في مركز المدينة من الساعة التاسعة صباحا إلى التاسعة مساء، ويستثني الاجراء المقيمين، كما طبقت السلطات نظام التداول في حركة السيارات وفقاً لأرقام لوحات التسجيل، فالمركبات التي تحمل ارقام تسجيل زوجية محظورة من السير طوال اليوم.
وكان مجلس البلدية قد قرر الاثنين الماضي تحديد السرعة بـ70 كلم/الساعة على الطريق السيار أم-30 المحيط بالمدينة، وجاءت هذه الاجراءات بعد بلوغ ثاني أوكسيد النيتروجين مستويات مرتفعة.
وبحسب الوكالة، فإن مدريد تسير على خطى مدن أوروبية أخرى كباريس التي طبقت نظام التناوب في حركة السيارات مرات عدة، بعد موجة تلوث لم يسبق لها مثيل منذ 10 سنوات، من حيث الشدة وطول المدة.
وهذه الإجراءات أيضاً لجأت إليها العاصمة الايطالية روما، وأيضا لندن وبعض المدن الانكليزية.